الذين شاهدوا فيلم «"فين ماشي يا موشي"» للمخرج حسن بنجلون، والذي تم تصويره في مدينة أبي الجعد أو "الزاوية الشرقاوية" لم يدركوا أن غياب الحس الفني والهم والتاريخي والثقافي والصوفي للزاوية الشرقاوية قد غفل عنه المخرج حسن بنجلون، ولم يعطه الاهتمام الذي يستحقه، وعندما تسأل ببراءة شديدة عن هذا الغياب والطمس للأحداث والوقائع لتلك الفترة، التي كان فيها يعود أبي الجعد المغاربة، يحتمون ويتمسكون بحفدة الولي الصالح سيدي محمد الشرقي، نجد أن المخرج قد قام بتوقيف زمن يهود أبي الجعد بعد سفر اليهودية "رحيل بنت شالوم"، وكأن اليهود الذين هاجروا معها مدينة أبي الجعد ..، قد تركوا أبي الجعد بدون حركة، وقد شلت الحياة بعد رحيلهم دون الاشارة إلى أن اللحظة الراهنة التي كانت فيها أبي الجعد معقلا وحصنا للوطنيين ضد المستعمر الفرنسي، ناهيك على الحدود الفاصلة بين يهود أبي الجعد، وتقاليد وطقوس أهل الزاوية الشرقاوية. ومن هنا، يظهر بوضوح جلي، أن تصوير فيلم «"خيط الروح"» لمخرجه البجعدي حكيم بلعباس،قد عرف كيف يضع يده على الجرح البجعدي، وهو ينغمس داخل تقاليد عريقة، وصور حية كانت ومازالت إلى يومنا هذا موجودة بالمدينة. كما أن فيلم "«خيط الروح"» الذي يعبر بصدق ولذة روحية منفردة بالإنسان البجعدي، لم نجدها في فيلم «"فين ماشي يا موشي"» الذي يعيد لنا شريط يهود أبي الجعد بنوع من الحنين المفقود لدى الشعور البجعدي تجاه مدينة عتيقة عاش بين أكنافها يهود مارسوا عدة حرف منها الحلاقة، الاسكافية، وصناعة القرشال ودباغة وبيع الذهب.. ومنهم من شد الرحال إلى دول أجنبية أو مدن مغربية كالبيضاء، بني ملال، وادي زم، خنيفرة... ومن هذه العائلات المعروفة عائلة كوهين، هارون، بن دافيد خالي، سلوك فيفيان وكوهان ميير.. ولم يكن فيلم «"فين ماشي ياموشي"» يستوحي الروح البجعدية التي استوحى منها فيلم "«خيط الروح"» ذلك الواقع والإبداع الأصيل الذي يحسون به أهل المدينة. وقد جسده حكيم بلعباس في سمفونية هادئة وشاعرية.. عندما جعل سر فيلمه في ذلك الخيط الرقيق الذي يعكس صورة واقعية لمدينة تحتضر وتحترق من شدة الصمت والسكون والبكاء على الماضي الذهبي، والخوف من قبضة الحاضر المجهول والمظلم.. وقد كان هذا التصوير المباشر المطلق الحر لمخرجه بلعباس، حيث ولد بالمدينة أبي الجعد، وتربى بين أزقتها الضيقة ودرس بها وهاجرها اتجاه الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث تخصص في الإخراج السينمائي..هذا التصوير الواقعي المعيش هو الذي ظل يسكن جسد المخرج البجعدي حتى بعد عودته من أمريكا، وقد كشف عنه بإدراك جميل وذوق بليغ في فيلمه الآخر "«حرفة بوك حيث غلبوك"» والذي حضرت أول عرض له بتاريخ الخميس 20 يناير وذلك بسينما "ريتز" 2009 بالدار البيضاء. وقد جعل منه المخرج بلعباس إحساسا متناسقا مع فيلم "خيط الروح" لتصوير طبيعي لأياد أدمية بجعدية مقهورة من قسوة الزمن وتمارس حرف مختلفة: كعجين الطين (صناعة الخزف) والحدادة والنجارة.. وهؤلاء يعبرون عن إحساسهم وأحلامهم بكل صدق. ومن هنا، فالرؤية الواقعية بين الفيلمين" فين ماشي يا موشي" و «"خيط الروح"» بينهما فجوة عميقة لدى المتفرج والناقد، لأن مدينة أبي الجعد ليست هي يهود الملاح، أو هجرة اليهود، وإنما أكبر من ذلك، وقد كان «"خيط الروح"» شعورا نابعا من معاناة وصراعات الحياة اليومية للإنسان البجعدي، حيث لم يكن فيلما استهلاكيا وترويجا تجاريا، لأن الخمارة التي كان المخرج حسن بنجلون يعتمد عليها بشكل رئيسي في فيلمه، ليست هي محور الأحداث والوقائع التي كانت تعرفها المدينة في ذلك الوقت. وهذا المشهد الذي ألفه المخرج داخل الخمارة، يجعل المشاهد معصوب العينين عن رؤية الواقع لأبي الجعد، وهو ما جعله يقع في تراكمات تصويرية جعلت الفيلم "«فين ماشي يا موشي"» يسقط في جلسات صاخبة لا معنى لها.. وغالبا ما أصبح الفيلم يعتمد على تصوير دعائي لمذكرات يهود أبي الجعد كالشابة اليهودية «رحيل» التي جعل منها المخرج بطلة مفضلة لدى المشاهد العادي، بينما فيلم "«خيط الروح"» عرض أبطالا واقعيين ولدوا داخل ازقة المدينة وشربوا من مرارتها وحلاوتها ومنهم من توفي ومنهم من يزال يتمسك بخيط الروح. وهنا يكمن جوهر الحس الواقعي بين الفيلمين «"فين ماشي يا موشي"» و "«خيط الروح»" للمخرج البجعدي حكيم بلعباس.