قبل ثلاث سنوات طالب بعض الغيورين على المال العام بتشكيل لجنة خاصة لتتبع مسار أموال الدعم التي يمنحها المركز السينمائي للمخرجين المغاربة من أجل تصوير أفلامهم الطويلة والقصيرة . لكن "لوبي المنتفعين" من هذه الأموال التي تقدر بمئات الملايين ضغط بكل قوة ومنع خروج هذه اللجنة إلى الوجود . المركز السينمائي المغربي الذي يترأسه نور الدين الصايل ، يوزع في كل سنة خمسة ملايير سنتيم على عدد قليل من المخرجين المغاربة ، وهذا شيء معمول به في كثير من الدول منها فرنسا وإسبانيا . المشكل طبعا لا يكمن في الدعم ، بل يكمن في أن لا أحد يستطيع أن يعرف أين يتم صرف هذا الدعم من طرف شركات الإنتاج . ولعل نظرة خاطفة على كثير من الأفلام المغربية وحدها تكفي بأن يقتنع المرء بأن كثيرا من المخرجين عوض أن يصرفوا ذلك الدعم الذي يمنحهم المركز السينمائي على أفلامهم كاملا يأخذون نصف الدعم ويصورون به أفلاما رديئة ويذهب النصف الباقي لانجاز مشاريعهم الخاصة . وهذا هو السبب الذي جعل "لوبي المنتفعين" من الدعم السينمائي يرفضون أن تشكل أي لجنة لمراقبة الأموال التي يستفيدون منها . المخرج حسن بنجلون قال في اللقاء الذي أجراه معه برنامج "صورة" الذي ثبته القناة الثانية في الأسبوع الماضي بأنه عندما صور فيلم "فين ماشي يا موشي" في مدينة أبي الجعد ، وجد كل شيء متوفر في أزقة المدينة المهمشة . بمعنى أن السيد بنجلون لم يضطر إلى بناء ديكورات لتصوير فيلمه ، لأن "مدينة" أبي الجعد بقيت كما تركها اليهود في بداية الستينات من القرن الماضي ، وهي الفترة التي يؤرخ لها الفيلم . وحتى المشاهد الداخلية لشريط "فين ماشي يا موشي" يقول حسن بنجلون بأنه صورها في بيت يهودي في مدينة الدارالبيضاء كان مغلقا منذ أن هاجر صاحبه إلى إسرائيل . هذا اليهودي المغربي ترك كل أمتعته في منزله القديم ، وبالتالي قدم هدية ثمينة للمخرج المغربي الذي وجد في هذه الأمتعة إكسسوارات استعان بها لتصوير فيلمه دون أن يدفع أي درهم من جيبه . ربما لم يكن حسن بنجلون يعرف أنه عندما صرح بهذا الكلام كان يضع نفسه أمام سؤال قد يطرحه كل من شاهد فيلمه الذي يحكي قصة هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل في ستينات القرن الماضي ، وهو أين ذهبت إذن كل تلك المئات من الملايين التي منحها له المركز السينمائي ؟ فالشريط كان عاديا جدا ، ومخرجه يقول بأنه صوره في ديكورات طبيعية وبإكسسوارات لم يدفع مقابلها ولو درهما واحدا . وبما أننا نعرف جيدا أن المال العام في المغرب "غير سايب" ، فلا ننتظر أي إجابة من السيد حسن بنجلون ، ولا من أي مخرج مغربي آخر ، لأنهم ليس المسؤولين عن إهدار أموال المغاربة في تصوير أفلامهم التافهة ، وإنما السؤول هم القائمون على المركز السينمائي المغربي ، وعلى رأسهم نور الدين الصايل ، الذي نتمنى أن يتم إعفاؤه من منصبه في أقرب وقت ، ليس لأنه وصل إلى سن التقاعد ، بل لأنه أوصل السينما المغربية إلى الحضيض . ولكي نفهم لماذا وصلت السينما المغربية إلى هذا المستوى المتدني جدا ، يكفي أن ننصت إلى ما قاله السيد حسن بنجلون عندما صرح في نفس اللقاء مع برنامج "صورة" أنهم بمجرد أن انتهوا من تصوير مشهد يظهر فيه اليهود متضرعين إلى الله أن ينزل الغيث ، تلبدت سماء أبي الجعد بالغيوم وبدأت أمطار غزيرة في الهطول على المدينة المهمشة ! عندما سمعت هذا الكلام من فم بنجلون لم أتمالك نفسي من الضحك ، وقلت مع نفسي بأن اللقب الذي يتناسب الآن مع السي حسن هو الولي الصالح وليس المخرج السينمائي ، ما دام أنه يستطيع أن ينزل الغيث فقط عبر تمثيل مشهد سينمائي خيالي . تصورو كون دارها بنيتو ، كون المغرب كامل غادي يغرق بالفيضانات . almassae.maktoobblog.com