بعد القضاء على الذاكرة المنجمية وترك الموروث المادي يتهاوى أمام أعين السلطات الإقليمية والمحلية بجرادة، وكأن الأمر مقصود ومدبر من أجل القضاء على كل ما يتعلق بتاريخ ونضال عمال المناجم في محاربة كل أشكال التهميش والإقصاء عبر عقود من الزمن، والذين كان لهم الفضل في تأسيس أول حركة نقابية بالمغرب بداية سنة 1945، جاء الدور على رمز من رموز الحركة الوطنية والموقعين على وثيقة 11 يناير للمطالبة بالاستقلال، حيث تم وضع نقطة بجدول أعمال المجلس البلدي لجرادة في دورته العادية ليوم 3 ماي 2016، لتحويل حديقة عبد الرحيم بوعبيد إلى محكمة ابتدائية، وكأن الأرض شحت وضاقت ولم تعد قادرة على استيعاب بناء المحكمة. والمشكل الأعمق والأخطر، هو أن الساهرين على أمور الإقليم ينعدم لديهم الحس الوطني العميق ولم يتلقوا الدروس من تاريخ المناضلين الوطنيين، الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل أن ينعم المغاربة بالكرامة، فإطلاق اسم المرحوم عبد الرحيم بوعبيد على حديقة بشارع الحسن الثاني بجرادة، لم يأت عبثا، بل لأنه يجسد حدثا تاريخيا للمدينة حين قام بزيارة إلى عمال مناجم الفحم وقام بإلقاء خطاب تاريخي حينما كان نائبا لرئيس مجلس وزارة الاقتصاد الوطني والمالية بتاريخ 4 دجنبر 1959 بدار المنجمي في عهد حكومة عبد الله إبراهيم. وفي سنة 1998، أطلق المجلس البلدي لجرادة أسماء رموز وطنيين على مجموعة من الحدائق، الأولى بجانب دار المنجمي بشارع الحسن الثاني وحملت اسم المرحوم عبد الرحيم بوعبيد, والثانية قبالة إدارة الأمن الإقليمي وأطلق عليها اسم علال الفاسي، والثالثة قبالة السوق الأسبوعي الأحد وحملت اسم الشهيد علال بن عبد الله، الذي اشتغل بمدينة جرادة كصباغ لمنازل عمال المناجم قادما إليها من مدينة كرسيف. هذه الرموز تركت بصماتها بفخر واعتزاز قدوة للأجيال القادمة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تدوسها قرارات جائرة من أي جهة كانت، لهذا يأمل العديد من أبناء جرادة أن لا يتورط منتخبو الجماعة الترابية لمدينة جرادة مع وزارة العدل والحريات ووزارة الداخلية في هذه «الخطوة النكراء»، علما بأن التاريخ لا يرحم.