ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الواقع الاجتماعي لما بعد تراجع الصناعة الاستخراجية بحوض ملوية العليا (ميدلت)

كثيرة هي القضايا المرتبطة، بشكل مباشر أو غير مباشر، بواقع ما بعد تراجع نشاط الصناعة الاستخراجية بمناجم ميبلاتن وأحولي. ونود أن نلقي نظرة على هذا الموضوع/ التجربة لما لم يفتح المجال لإلقاء مداخلة حول هذه التجربة الغنية، في اللقاء الذي نظمته مجموعة مناجم، ومنتدى بدائل المغرب، والنسيج الجمعوي للديموقراطية والتنمية، بمدينة زاكورة يومي 20 من شهر أبريل 2012 و21 منه، لأسباب لا يعنينا ذكرها. فالموضوع يحوي عدة منعرجات، وكله قضايا شائكة وعالقة، تستدعي التدخل أو الإثارة على الأقل. ويبدو أن النظر إلى الموضوع ولو من جانب واحد يكفي لقياس الغائب على الشاهد، إن كانت المعاناة قابلة للقياس. فالجوانب التي يمكن أن تفسر الموضوع، المرض المهني السيليكوز الذي يؤذي الرئتين، ويسبب للمريض متاعب صحية كالسعال المزمن وصعوبة التنفس، وهزالة المعاش أو التوقف عن صرفه، ومعاناة أيتام عمال المناجم الهالكين بفعل مرض السيليكوز وأراملهم من الوقع السلبي المرتبط بالتسيير الإداري للمؤسسة، أو المؤسسات المشتغلة، بمناجم ميبلاتن وأحولي. وهناك التدهور البيئي والتهميش والعزلة. وبالمقابل هناك ذاكرة النضال النقابي والسياسي، وهناك خط السكة الحديدية الرابط بين ميدلت ومدينة وهران، كانت آخر رحلة له سنة 1945، وهناك عمران يقاوم الدهر ويقاوم التخريب، والتخريب آت لا ريب في ذلك، وهناك آثار التبشير المسيحي.
ولا ننكر أن مدينة ميدلت عمرانها ومجتمعها، حاضرها ومستقبلها مرتبط بالمناجم المذكورة. ونريد أن نلائم الوضع، أو ننظر إليه، من زاوية الحقوق الفردية والاجتماعية من خلال نتائج بحث أجريناه، وإن كان لا يستغرق كل الجوانب، ولا يتناول كل الحقوق، فهو يحوي ما يساعد على الفهم. ويظهر أن لتراجع الصناعة الاستخراجية بالمناجم المذكورة وقعا سيئا على المدينة انجرت عنه مشاكل اجتماعية كالفقر والبطالة والدعارة.
1- ملخص القضايا بين العمال المنجميين وشركة التأمين :
تمكنت من الاطلاع في ظرف سنة كاملة، قبل حلول سنة 2011، على خمس ملفات تتضمن قضايا مرتبطة بتوقف الاستغلال المنجمي بمناجم ميبلاتن وأحولي، وتشتمل على أحكام قضائية وخبرات طبية وشواهد العمل أو التسجيل في صندوق الضمان الاجتماعي. ولما فرغت مضامين الوثائق المجهزة بها ظهرت أوجه الشبه والاختلاف بينها. وإني أخالها مرجعا للقياس، تقاس عليها – بالتقريب- معاناة العمال المنجميين، سابقا، بمناجم ميبلاتن وأحولي. ويمكن أن تقاس عليها الأمراض الاجتماعية التي انجرت عن توقف الاستغلال المنجمي، الأمراض التي تستدعي بالضرورة التدخل لإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بمدينة ميدلت ومحيطها، أو بالأحرى، بمناجم ميبلاتن وأحولي ومحيطها.
أ- مضامين الأحكام القضائية
تحمل الأحكام القضائية، المتوافرة نسخها قضايا النزاع بين العمال المنجميين وبين شركة معادن أحولي بميدلت، وإحدى شركات التأمين. فأما الأحكام الابتدائية الصادرة حول قضايا النزاع فهي كالتالي :
- الحكم على المشغلة بأدائها للمدعي، السيد الطيب م.، إيرادا سنويا وعمريا قدره 70͵2987 درهما ابتداء من تاريخ 15/04/1998 (ملف قضائي رقم 60/99، الحكم رقم 126 موافق 29/11/2000).
- الحكم على المشغلة بأدائها للمدعي، السيد إدريس بو.، إيرادا سنويا قدره 71͵2987 درهم ابتداء من تاريخ 19 ماي 1998 (ملف قضائي رقم 83/99 حكم رقم 78 بتاريخ 26/07/2000).
- الحكم على المشغلة بأدائها للمدعي، السيد حمو ه.، إيرادا سنويا وعمريا قدره 12͵2265 درهم ابتداء من تاريخ 15/04/1996 (حكم رقم 114، موافق 22/12/1998، ملف رقم 100/97).
- الحكم على المشغلة بأدائها للمدعي، حمو أوب.، بإيراد سنوي وعمري قدره 70͵5614 درهم ابتداء من تاريخ 04/04/2002 (حكم رقم 11، ملف رقم 37/2002 بتاريخ 19/02/2003).
ولا تفتأ المحكمة الابتدائية بميدلت تصرح بإصابة المدعين بالمرض المهني السيليكوز. ورد ذلك في ملفات ثلاث مدعين. واكتفت المحكمة بالتصريح بنسبة العجز في ملف مدع واحد السيد حمو ه. وعن الأحكام الاستئنافية نورد ما يلي :
- قرار رقم 1442 صدر بتاريخ 22/05/2001 رقمه بمحكمة الاستئناف 995/2001/15. ويتعلق بالمدعي السيد الطيب م. يقضي في الشكل قبول الاستئناف وفي الموضوع (إلغاء الحكم المستأنف وتصديا الحكم برفض الطلب وتحميل المستأنف عليه المصاريف في إطار المساعدة القضائية).
- قرار رقم 424، صدر بتاريخ 04/02/2003 رقمه بمحكمة الاستئناف 1242/00/15 يقضي في الشكل قبول الاستئناف وفي الموضوع تأييد الحكم المستأنف وتحميل المستأنفة الصائر. والقرار المذكور يخص السيد حمو ه.
- قرار رقم 3784 صدر بتاريخ 23/12/2003 ويتعلق بالسيد حمو أوب. يقضي في الشكل بقبول الاستئناف، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف جزئيا فيما قضى به من إحلال شركة التأمين المعنية محل المشغلة في الأداء، وتصديا التصريح من جديد بإخراجها من الدعوى وبتأييده في باقي أجزائه الأخرى، وتحميل المشغلة شركة معادن أحولي الصائر.
ب- مضامين الشهادات الطبية والوثائق :
عرض أربعة عمال منجميين مجموعة من الوثائق تثبت تعرضهم لمرض السيليكوز. ومنهم من يتوفر على شهادة العمل (السيد إدريس بو.) وشهادة الانخراط في صندوق الضمان الاجتماعي (عبد النابي ح.). وهناك من رافع من أجل قضيته أكثر مما ينبغي حيث يتوفر السيد إدريس بو. رسالة جوابية من إحدى المؤسسات الحقوقية تحمل تاريخ 9 أغسطس 2005 ومسجلة تحت رقم 1830/05 مضمونها (أن الطعن في الأحكام القضائية يتم في الآجال المحددة وفق المقتضيات والمساطر المنصوص عليها قانونا). وعرض كذلك رسالة جوابية من متصرف صناديق العمل التابع لوزارة التشغيل والتكوين المهني والتنمية الاجتماعية والتضامن بتاريخ 15 فبراير 2001 مسجلة تحت رقم 574، ملف عدد 87/98 مضمونها (طبقا للقانون الجاري به العمل حاليا، فإنه لا يمكن الاستفادة من الزيادة في إيرادكم لكون حادث الشغل أو المرض المهني الذي أصابكم وقع بتاريخ 20/05/1998، في حين أن هذه الزيادة لا تمنح إلا لضحايا حوادث الشغل أو الأمراض المهنية الذين أصيبوا قبل فاتح يناير 1998، عملا بمقتضيات المرسوم رقم 2-99-1004 الصادر في 13 ذي الحجة 1420 (20 مارس 2000). وأدلى السيد إدريس بو. كذلك برسالة من وزير العدل بتاريخ 24 أكتوبر 2005، ملف رقم، 11910/2005 ش، بعثت تحت رقم 27131 وتحمل جوابا على شكاية السيد إدريس بو. التي تقضي بإعادة النظر في القرار الصادر عن المجلس الأعلى الذي لغير صالحه، مضمونها (أن إعادة النظر حدد لها المشرع أسبابا حصرها في الفصل 379 من قانون المسطرة المدنية) لذلك نصح بممارسة المسطرة إن تراءى له ذلك، وتأكد من توفر الأسباب المحددة قانونا.
ج- ملخص جلسات الاستماع مع العمال المنجميين :
تمكنت من الاستماع لبعض العمال المنجميين سابقا، وثبت أن البعض منهم تلقى تعويضا عن مرض السيليكوز من لدن شركة التأمين الملكي، والبعض الآخر لا يزال ينتظر، إما لأن المحكمة رفضت الطلب أو لضعف آداء المحامين. ذلك أن بعض المحامين ينصبون أنفسهم خصما وحكما في نفس الوقت!. ولقد تبين كذلك أن التعويض يقوم على الخبرة الطبية. ويظهر أن كل تعويض يتناسب ونسبة الإصابة من المرض المهني السيليكوز. وفي جميع الأحوال فالتعويض هزيل للغاية قد لا يتجاوز أحيانا 200 درهم عن المرض والقدر نفسه عن المعاش.
2- مدينة ميدلت هبة مناجم ميبلاتن وأحولي :
تعد الشهادات الشفوية الواردة حافزا للبحث في أصل القضية، التي لا يفتأ العمال المنجميون المتقاعدون يحملونها. وتتلخص القضية في الإيراد الهزيل الذي يسلم سنويا للعمال تنفيذا لأحكام قضائية أصدرتها المحكمة الابتدائية بميدلت لما تبينت من عدالة قضايا بعض العمال الذين يعانون من المرض المهني السيليكوز. وهناك أيضا معاناة المطلقات والأرامل واليتامى وتدهور الوضع الاجتماعي للكثير من الأسر بفعل توقف الاستغلال المنجمي. وبين المجد الذي عرفته مدينة ميدلت ما بين 1958 و1975 والتدهور الاجتماعي الذي عقب الفترة ابتداء من منتصف السبعينات من القرن الماضي تستحق الوقوف عند الكثير من أجيال الحقوق التي تستدعي إعمالها.
أ- ميدلت والازدهار المنجمي :
تحتل مدينة ميدلت جزءا صغيرا من هضبة ملوية العليا الممتدة بين الأطلس المتوسط الهضبي شمالا والأطلس الكبير الشرقي جنوبا. تحيط بها أكمات شاهدة من ناحية الشمال والشمال الشرقي تدل على أن هضبة ملوية كانت في الأصل حوضا رسوبيا فتحول إلى سطح تعرية. تسمى واحدة من تلك الأكمات «تيمدلت »، ومنها تم اشتقاق كلمة ميدلت، وتعني « تيمدلت » سدادة لجرة خزفية وهي من فعل « إدل » أي غطى ومنه « تادولي » أي غطاء. ولا تنسب « ميدلت» إلى « تيمدلت » التي تشرف على واد انسكمير بل إلى « تيمدلت » الكائنة بوسط المدينة التي هي، في الحال، موضع يحتضن بناية الشرطة والكنيسة والمركز التجاري « القيسارية » والسوق البلدي.
يحد البلدة، وبعد ذلك المدينة، واد أوطاط غربا وواد ألمو أنطارفو الذي هو امتداد لواد أدغوال من جهة الشرق. تشكو من هبوب رياح باردة في الشتاء ومن سخونة مرتفعة نسبيا في الصيف وتلك خاصيات مناخ حوض ملوية العليا.
وفوق ذلك، فالبلدة نقطة مفقودة بوسط أمازيغي ( ) لأن الإمكانيات الزراعية التي يوفرها الشريط الزراعي المسقي بضفتي واد أوطاط لا تسمح بتأسيس أي مركز حضري بوسط التجمع القروي الذي أنشأته قبيلة أيت يزدك في النصف الأول من القرن التاسع عشر وفوق ذلك لم تعرف المنطقة بناء أي مركز تجاري أو زراعي في مستوى سجلماسة أو كرس لوين شرق مركز الريش. إنها منطقة رعوية بامتياز تكسوها سهوب الحلفاء.
نخلص من هذا كله لنشير إلى أن ميدلت هبة منجمي ميبلاتن وأحولي ابتداء من سنة 1923 على سبيل التقدير. وفي سنة 1931 تأكد أن المنجمين المذكورين جاهزين للاستثمار مجهزين بتجهيزات تسمح بالشروع في الاستخراج وبنية تحتية لائقة (سكن العمال، محارف، آلات غسل المعدن Laverie ).
ولقد استصحبت الصناعة الاستخراجية إحداث مركز هيدروكهربائي على قدم جبل العياشي بموضع فليلو، حيث ساعد انحدار السطح على الدفع القوي للماء بشكل يسمح بتحريك المولدات حركات دورانية سريعة وإنتاج حوالي 1200 ك. ف (CV) ومد شبكة من التوتر المتوسط 22000 فولت إلى ميبلاتن على مسافة 22 كلم في حدود سنة 1934. ونضيف إلى تلك التجهيزات والمنجزات بناء الطريق الرابطة بين ميدلت ومكناس وخط السكة الحديدية 60 بين ميدلت وكرسيف.
عرف الاستخراج المنجمي بمنجم أحولي في عهد شركة بيناروياPenarroya نموا ملموسا يتجلى في ما يلي ( ) :
- في سنة 1934 بلغ الإنتاج حوالي 4900 طن.
- في سنة 1937 ارتفع إلى 9600 طن.
- في سنة 1939 ارتفع إلى 12800 طن.
- في سنة 1948 انخفض إلى 10600طن.
- في سنة 1949 ارتفع ليصل 11600 طن.
- في سنة 1953 ارتفع إلى 25050 طن.
- في سنة ارتفع 1955 إلى 28500طن.
ويتجلى ارتفاع الاستخراج المنجمي بمناجم ميبلاتن في استخراج حوالي 2640 طن سنة 1939. ووافق ارتفاع الاستخراج المنجمي استقطاب العمال المنجميين في مختلف نواحي الجنوب الشرقي المغربي. ولأن هناك سكنا للعمال بمنجم ميبلاتن فقد أحدثت مدرسة ابتدائية أضحت الآن مهجورة ومسجدا، ومقر النقابة، وكادت ميبلاتن أن تتحول إلى حي منجمي لولا تراجع الاستخراج.
ساعدت الصناعة الاستخراجية بمناجم ميبلاتن وأحولي على التوسع العمراني الحضري بميدلت سنقف عنده فيما يلي من الفقرات.
ب- ميدلت في طور تدهور الاستغلال المنجمي :
شهدت الصناعة الاستخراجية بمنجمي ميبلاتن وأحولي نموا مشهودا، ابتداء بين نهاية العشرينات من القرن الماضي وحدود نهاية عهد الحماية الفرنسية على المغرب، تخللته بعض التوقفات والتعثرات الموافقة لما بعد الأزمة العالمية ما بين 1931 و1935 أو الموافقة لانهزام الجيش الفرنسي أمام الجيش النازي أي ما بين 1942 و1945. وفي سنة 1958 تم اكتشاف منجم زايدة مما رفع من الفائدة المنجمية للمنطقة ( ) . وباختصار عاشت ميدلت ما بين 1958 و1975 عصر الازدهار الاقتصادي وبعد ذلك بدأ عصر التدهور ولم تتمكن ميدلت من مسايرة النمو المشهود في مدن المحيط المجاور لأنها هبة منجمي ميبلاتن وأحولي.
حلت شركة معادن أحولي محل شركة بيناروياPenarroya لكنها لم تستطع السير على منوال سابقتها في الحكامة في التسيير والتدبير، ولم تصمد كثيرا في الميدان بفعل تراجع أسعار معدن الرصاص في السوق العالمية مما عجل بتوقف الاستغلال المنجمي نهائيا في الثمانينات من القرن الماضي.
3- الحقوق الفردية والجماعية التي مسها تدهور الاستغلال المنجمي :
لم يكن وضع مدينة ميدلت بعد توقف الاستغلال المنجمي بأحولي وميبلاتن، ليختلف عن وضع كل المدن التي أنشأتها الصناعة الاستخراجية في العالم. ومرد صمود مدينة ميدلت إلى الرواج الذي ضمنته – إلى حد ما – التحولات القروية التي أظهرت الاهتمام بالبستنة عامة والإقبال على غرس أشجار التفاح خاصة، إلى جانب النشاط الرعوي وتربية المواشي، فضلا عن وجود مواقع سياحية طبيعية وثقافية بمحيط المدينة.
ولا ننكر دور بعض الخدمات التي تشغل ثلة من الموظفين ينحدر جلهم من المدينة، ولا ننكر أيضا دور بعض الموظفين من أبناء المنطقة الذين يدعمون أسرهم، ويضمنون لها دخلا لائقا يمكنها من مواجهة ضنك الحياة. ذلك أن المدن ذات الصلة بالصناعة الاستخراجية لا تفتأ تسكنها الأشباح، مع التوقف المباشر للاستخراج المعدني كما هو حال جوهانسبورغ بجنوب أفريقيا. ونستدرك لنقول أن توفر المدينة على إمكانيات لمقاومة ما بعد توقف الاستخراج المعدني بمنجمي ميبلاتن وأحولي لا يوحي أن الوضع لا يحتاج إلى أي تدخل، فقد مس تراجع الاستغلال المنجمي بعض الحقوق يجب الانتباه إليها.
أ- مرض السيليكوز والحق في الحياة :
معظم عمال مناجم ميبلاتن وأحولي يصابون بمرض السيليكوز الذي يلم بالرئتين ويسبب متاعب صحية من أعراضها السعال والحمى والتعب. ويتقدم المرض في الرئتين بنسب مئوية، أي لما يبلغ 30 في المئة مثلا فإن نسبة 70 في المئة من الرئتين هي التي تحمل الحياة، ومع مرور الزمان يموت المريض.
وبمعنى آخر، فمرضى السيليكوز يعلمون بواسطة الفحص الطبي متى يجيء أجلهم. ولأن مرض السيليكوز مرض مهني فإن حق المرضى في الحصول على التعويض تضمنه لهم المحكمة. وحسب نسخ الأحكام التي اطلعنا عليها أو بلغ إلى علمنا فحواها فإن المريض المصاب بنسبة 70 في المئة من السيليكوز يتقاضى 750 درهما فقط كل ثلاثة أشهر أي ما يقترب من 10 دراهم تناسب 1 في المئة من المرض. ولأن المحكمة تضمن لهم حق التعويض فإن الحديث عن انتهاك حق الحياة من لدن الشركة المشغلة غير صامد. وبمعنى آخر، لم يتم حرمان أحد من العمال المنجميين من حياته تعسفا، مادام القانون يحمي هذا الحق بالاعتراف بالمرض المذكور ضرره، وتضمينه في جل نسخ الحكم السالف ذكرها. لكن هذا الحق لا تضمنه المحكمة، للأسف، لكل العمال ولدينا حالة السيد إدريس بو. على سبيل الاستشهاد، فوق أن نسبة التعويض لا تتناسب ووقع المرض الذي يهدد حياة الفرد.ف(الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمي هذا الحق.ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا)(4).
ب- توقف الاستغلال المنجمي والحقوق الاقتصادية والاجتماعية :
تسمى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الجيل الثاني من الحقوق، وتشمل الحق في العمل والحق في التعليم والحق في الرعاية الصحية والاجتماعية، والحق في المسكن والملبس، والحق في الغذاء، وغيرها من الحقوق، وهذا النوع من الحقوق يتطلب تدخلاً إيجابياً وفاعلاً من قبل الدولة.
1- الحق في التعليم
يشهد الكل أن الحق في التعليم كان مضمونا لأبناء العمال المنجميين في ميبلاتن وأحولي ويشهد على ذلك الحجرات المهجورة بالحي الصناعي ميبلاتن. وفوق ذلك أحدثت الثانوية الإعدادية العياشية بميدلت في وقت مبكر من عهد الحماية الفرنسية وفي مطلع السبعينات من القرن الماضي تم إحداث ثانوية الحسن الثاني التأهيلية. ويوجد الآن بميدلت ثلاث ثانويات تأهيلية، لكن الولوج إلى خدمات التعليم أمر لا يخلو من الصعوبة بالنسبة لأيتام عمال المناجم وأبناء مطلقاتهم لعدم قدرتهم على تحمل مصاريف الدراسة. وإذا ما تمكن أحدهم من استكمال الدراسة الثانوية فلن يستطيع إلى الجامعة سبيلا.
2- الحق في الولوج إلى الخدمات الصحية
لما نتحدث عن الحق في ولوج الخدمات الصحية فهو مكفول لوجود مستشفى بالمدينة، كان يستقبل بالأمس مرضى المحيطات المنجمية كلها. لكن الانفجار الديموغرافي الذي عرفته المدينة، إن بهجرة أسر المنجميين القدماء إليها فإن المستشفى الوحيد لم يعد كافيا لضمان الخدمات الصحية. صحيح أن مستشفى يبنى بشمال غرب المدينة، وقد يرقى مستواه إلى مستشفى إقليمي لكنه واقع الحال يتجلى في النقص في الأطباء والأدوية وانعدام الأمن في أماكن العمل، والاعتداءات التي يتعرض لها العاملون بقطاع الصحة كما ورد في بيان نقابي نشر على نطاق واسع في وقت متأخر. ولا تفتأ مندوبية الصحية بالإقليم تستنجد بالقوافل الطبية، وحسبنا أنها أعلنت عن تنظيم قافلة طبية قد تستغرق ثلاثة أيام ابتداء من يوم 11 من شهر مايو المقبل، «قافلة طبية متخصصة من أجل الأم والطفل، في كل من مدينة ميدلت، الريش، أمرصيد، إيتزر، بومية، زايدة، تونفيت، والمناطق المجاورة لهم«. ودعت «الراغبين من الاستفادة من هذه القافلة التوجه إلى المراكز الاستشفائية، لهذه المناطق لتسجيل أنفسهم في اللوائح المخصصة لهذا الغرض».
3- الحق في الاستفادة من ثروة المنجم.
إذا كانت الشركة المنجمية قد استنزفت ثروة تقدر بالملايير، دون استفادة المنطقة من أي تجهيز أو دعم البنية التحتية، فإن ثلة من معطلي شباب المدينة يترددون عن المنجم يوميا أملا في استخراج ما قيمته 50 درهما يوميا، كما ورد في تصريح أحدهم أما كاميرا مراسل إحدى القنوات. ولم ينج هؤلاء الذين يبتغون إبقاء المنجم حيا من بعض الأخطار. ذلك أن دخول الغار قد يعرض العامل المنجمي المتطوع للكثير من الأخطار قد لا تقل عن الموت البطئ الذي يسببه مرض السيليكوز لحامله.
ج- المناجم والذاكرة الجماعية بمحيط ميبلاتن وأحولي
إذا سافرت من مدينة ميسور إلى مدينة ميدلت، فإن الآثار الباقية من العقود الخالية قد تستهويك وتستحوذ على عواطفك. إنك تلامس آثار قنطرة عالية قرب التجمع القروي أمرصيط، ولم تسأل القرية القريبة ستخبر بأنها قنطرة للخط الحديدي الذي يمتد من ميدلت إلى كرسيف ولما تتقدم قليلا في مسيرك لن تتردد في الوقوف قليلا، إن كان فضولك قويا، أمام بنايات مهجورة قرب التجمع العمراني المدعو (بوكما) أي صاحب أخي، ولما تسأل عن سر ذلك الموطن التاريخي سيخبرونك بأن هناك محطة القطار، وستلامس آثار السكة الحديدية. ويعنينا أن التجمع القروي (بوكما) كان مقر سلطة الحماية الفرنسية، ولا يزال آثار المعسكر قائما إلى جانب السوق. كانت محطة القطار (بوكما) تستقبل في كل مناسبة العمال الذين يبتغون السفر إلى مدينة وهران بالجزائر الشقيقة، وكلهم ينحدرون من الجنوب الشرقي المغربي، الريش، كلميمة، قصر السوق، قلعة مكونة، كرامة، تالسينت، بني تجيت. لقد كان ذلك الخط الحديدي عاملا جغرافيا في الوحدة المغاربية يرتبط بالكثير من الأسر التي اختفى أبناؤها قبل سنة 1945 آخر رحلة للقطار. ولما تمضي في سيرك تلامس أن الخط الحديدي انعرج نحو اليمين نحو ميبلاتن، لأن الهدف من بناء ذلك الخط يكمن في استنزاف خيرات المنطقة التي علم الفرنسيون بوجودها منذ سنة 1907، لما كانوا ينظمون كشوفات جغرافية إلى ما وراء جبال الأطلس ولا يفتأون يمرون بحوض ملوية. وحسبنا أن شارل دو فوكو كتب الكثير عن رحلته سنة 1883 واصفا المنطقة الواقعة بين فج تيزي نتلغمت وبلاد الأقساب، كما يسميها الفقهاء في الوثائق [القصابي]. ولما تصل مدينة ميدلت لن تحتاج إلى استقراء الرأي لتفهم تاريخ المدينة. فهناك المدينة المبنية في عهد الحماية الفرنسية، دور فخمة وكنيسة جميلة، وأشجار، وحدائق، يطلق عليها باريس الثانية. وهناك مدينة العمال بحي ألمو يوم ازدهار الاستغلال المنجمي، وهناك هوامش تؤرخ لتراجع الاستغلال المنجمي. وأما التجزئة السكنية بجنبات الطريق الوطنية رقم 13 أو المدخل الشرقي للمدينة فقد بناها الموظفون من أبناء المنطقة. وباختصار فأماكن الذاكرة بالمنطقة حسب تعبير بيير نورا تكمن في الوعي النقابي بالحي السكني بميبلاتن حيث تلامس بعض المقرات المغلقة، وفي التعمير، والحق في الاستفادة من الكهرباء، حيث تعد مدينة ميدلت أول مستفيد بعد مدينة الدار البيضاء. وهناك آثارلخلايا الحركة الوطنية المغربية، وبعدها آثار عصيان تافيلالت بقيادة القائد عدي وبيهي نايت رهو. كل هذه الأماكن، وأماكن أخرى لم نتمكن من سردها في حاجة إلى العناية والحفظ لأنها جزء من تاريخ المنطقة.
الهوامش:
Carré – Texte écrit en Septembre 1949, Extrait du Bulletin de Panarroya, 4ème trimestre, 1950
2- Carré, op,cit
Mohamed Mouhib, Esquisses historiques de Midelt3-
4- الفقرة 1 من المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.