المخرج الألماني العالمي يبلغ من العمر 58 سنة، الجمهور يعرفه بالدرجة الاولى من خلال شريطه «باري - تكساس» «حاصل على الدكتوراه الفخرية في الفنون والآداب من جامعة السوربون، هو ايضا رئيس لاكاديمية السينما الاوربية، استاذ بمدرسة الفنون الجميلة في هامبورغ». منذ خمس وثلاثين سنة وهو يشتغل بالاخراج السينمائي (أشرطة قصيرة، اشرطة وثائقية، اشرطة سينمائية)، يقول النقاد عنه انه غير قابل للتصنيف في خارطة السينما العالمية لكونه لاينتمي الى جنس سينمائي محدد، ماعدا الجنس البشري «يعيش بين منزلين: واحد في برلين والآخر في لوس انجلوس» مثل السينما، تعتبر الموسيقى بالنسبة له اداة بلاغية استثنائية، يظهر هذا في شريطه «بْوِينَافِستَا سُوسيال كلوب» من انتاج 1999، ومادام الامر يتعلق بالموسيقى فقد أخرج في المدة الاخيرة بطلب من المخرج مارتين اسكورسيزي، ضمن سلسلة من الافلام السينمائية حول موسيقى «لبلوز» - شارك في السلسلة: سكورسيزي، كلينت ايستوود، مايك فيجيس «وقد اعطى فيم فيندرز لفيلمه عنوان (the soul of a man)». مجلة «الاكسبريس» أجرت معه الحوار التالي عن السينما وعن شريطه المشار إليه: n هل يعتبر التناوب في مساركم السينمائي بين الافلام الوثائقية والافلام التخييلية طريقة للانفلات من هؤلاء الذين يريدون تصنيفكم في خانة معينة؟ p المصيدة الكبرى التي يقع فيها مخرج سينمائي هي ان يظل على الطريق التي صنعت نجاحه «كان بإمكاني ان اقوم بإخراج افلام عديدة على شاكلة فيلم «باري - تكساس»» اقترح علي المنتجون المال الذي اريده للاستمرار في تلك الطريق«لذلك كانت افضل وسيلة للانفلات من هذه المجازفة في التكرار هي اخراج افلام وثائقية «بالاضافة الى ذلك فإن فيلما تخييليا سينمائيا يأخذ مزيدا من الوقت ليرى النور اربع او ثلاث سنوات على أقل تقدير» وهذا ايضا للتذكير ان السينما ليست دائما هي عشرون شاحنة وعشرات التقنيين الذين يشتغلون معكم، بل هي قبل كل شيء كاميرا ووجهة نظركم». n هل تعتبرون وجهة نظركم هذه، التي تتشبثون بها كثيرا، بمثابة حجر الزاوية في أعمالكم؟ p ليس بريئا اذا ما قال نيكولاس راي في شريط (الصديق الامريكي): «العين لاتعوض» «كانت افلامه بالنسبة لي منارة، كما كانت كذلك من قبل بالنسبة للمخرجين فرانسوا تروفو، جان لوك غودار، في تلك الفترة لم نكن نخجل ان نقول حقائق لشخوص افلامنا «واليوم فإن تلك الحقائق لاتعدو ان تكون أحكاما متصنعة، ما عدا اذا جعلناها تنطلق من فم شخص بسيط التفكير، مثلا شخصية البواب في أحد شرائطي». n ليس المشهد الاقتصادي هو وحده الذي تغير، الجمهور كذلك يتطور. هل تعتقدون ان الجمهور قد يكون متفتحا على ملمح افلامكم كما في السابق؟ p في مهرجان «كان» الاخير ذهلت لمشاهدة 21 شريطا مطولا - كان فيم فيندرز رئيسا للجنة التحكيم التي تمنح الكاميرا الذهبية في هذا المهرجان - كان ثلاثة ارباع من بينها بإيقاع بطيء جدا «وهو نقيض الخطاب الحالي الذي يقول إن الامور ينبغي ان تتحرك، وان الجمهور يريد الترفيه قبل كل شيء» مع ذلك لست متأكدا أنني متحمس بخصوص هذه العودة الى التباطؤ الذي - اعترف بذلك - كنت سيده في بداياتي، لكن يجب اعتبار هذا الاتجاه كرد فعل لما نراه، مادام ان «ما تريكس» كان هو رأس الرمح لتلك العروض التي تتنكر لكل مصداقية لصالح المؤثرات الخاصة المستعملة في الافلام «اذ في اللحظة التي احس فيها بوصفة او صيغة، افقد تركيزي جسديا وذهنيا على شريط» بل انني اصاب بالعصبية بسبب السينما التي تتغذى من طاقة لاتأتي من أي مكان ، ماعدا أنها آتية من السينما الموجودة من قبل. n عندما يكون لديكم - كما في الفيلم الآنف الذكر - ، اشخاص مثل ميل غيبسون، ميلا يوفوفيتش وميزانية مهمة جدا، هل تترك لكم الحرية ان تكون لكم «وجهة نظركم» فعلا؟ p نعم، لقد جربت مرتين ان أكون موظفا قبل ان اصبح مخرجا: مخرجا لشريط «رسالة إيكارلات» (1972) و«هاميت» (1982) «عندما وجت الفيلمين بقصد نسختين عن طريق (D.V.D)، كان مزعجا ان ألاحظ الى أي حد ان الافلام الطويلة كانت بلا روح» اذا لم يأت المشروع من طرفي، بل برغبة من طرف آخر، فإنني سيء بالمرة «لذلك فإنني منذ ذلك الوقت اكون انا هو المنتج، او على الاقل مشارك في الانتاج» وهذا لكي لا اكون مجبرا على اتباع تعليمات او توجيهات شخص ما «لقد مضى زمن كابرا، هيتشكوك، اللذين كانا يوقعان على طلبيات لمقررين مشاركين في مسار الفيلم، في السيناريو، وفي عرضه في القاعات ان السينما اليوم تتم مع لجان لمساهمين ماليين ، فكل فيلم ضخم يعتبر قرارا صناعيا». n في شريطكم المطول حول موسيقى، تشيرون الى ظلم امريكي آخر: انه تم نهب عباقرة مقابل 40 دولارا؟ p إنها حكاية معاصرة حصلت في الموسيقى «لبلوز»، ولكن ايضا في السينما، عندما نتحدث في الجزء الثالث من الفيلم عن «ج.ب لونوار»، الذي كتب اغاني في الستينات عن حرب فيتنام، عن الكفاح من اجل الحقوق المدنية للسود، فإن الفيلم يرث - دون ان يقصد ذلك ، تلك الروح الاحتجاجية من واقع الحال «انني اجد من الملائم ان يتعرف الامريكيون - الذين كانوا يجهلون تلك المقاطع - ويكتشفون ذلك اليوم» لاسيما عندما تردد المغنية كاساندرا ويلسون أغنية عن الفيتنام، حيث تتوجه للرئيس العزيز قائلة: «قبل ان تقوم بالحرب في العالم باسره او أن تتحدث عن السلام «عليكم ان تكنسوا امام باب بيتكم»«نعم، بالطبع، المخرج مارتين سكورسيزي كان وراء المبادرة المتعلقة بمشروع الفيلم» كانت فكرته ان يجمع عددا من المخرجين - 7 مخرجين لسبعة افلام - (اسكورسيزي، فيندرز، كلينت استوود، شارل بورنيت، مايك فيغيس، مارك ليفين، ريشاربيرس)«إن هؤلاء المخرجين ليسوا من الوثائقيين بالضرورة بل من عشاق موسيقى «لبلورز» بالضرورة، وذلك لخلق صورة - في سبعة افلام - كاملة ومركبة لتاريخ تلك الموسيقى» لذلك اقترحت عليه مباشرة هذا الموضوع عن هؤلاء الابطال المنسيين او غير المعروفين «لم يكن موضوعي يتداخل مع اي فيلم من الافلام الاخرى الستة». n على الرغم من أنكم مخرج مستقل، فإنكم تتوصلون الى انجاز ملصقات خاضعة لنظام النجوم والنجومية. هل هو اختيار شخصي او تجاري؟ p يروي الموزعون دائما ان النجوم يساعدون على بيع الفيلم «لكن الواقع يبرهن على أن ذلك موجود في مخيالهم? فشريط (فندق المليون دولار) لعب فيه ميل جيبسون، ومع ذلك لم يجلب أي مدخول» بل كان من الممكن ان يكون هذا الشريط بدونه، المهم ان يكون المخرج ذا مصداقية وأن يتماشى الممثلون مع الشخصيات التي يتقمصونها «انا مقتنع ان هذا ما يهم الجمهور» فكما انني لم ار ممثلا آخر مناسبا لشريطي (الصديق الامريكي) مثل الممثل دينيس هوبير، لم أكن اتصور شريط (فندق المليون دولار) بدون ميل غيبسون «يجب استعمال النجوم لاجل ما يمكن ان يكونوا عليه : ممثلين كبار». n هل أصبحتم أنتم أيضا نجما؟ p ربما لكوني بقيت وفيا للشيء الذي من أجله امارس السينما «دائما احيل نفسي لتلك الحكمة التي قالها غودار: «السينما طريقة للحياة»، «انا لم أفصل أبدا بين حياتي وأفلامي» كانت ثمة دائما حالة استعجال وجودية لانجاز الفيلم المقبل». عن مجلة (الاكسبريس)