تحولت الملاعب الوطنية في الآونة الأخيرة إلى فضاء لإنتاج العنف والشغب، الذي بلغ حد حصد أرواح الأبرياء، الذين قدر لهم التواجد في المكان والتوقيت غير المناسبين. لقد عاشت الكثير من المدن المغربية حالات عنف ملحوظة، أفضت باعتقال العشرات، ونقل العديدين نحو مستعجلات المستشفيات، وخلفت عاهات مستديمة للبعض الآخر. ورغم أن قانون 09 – 09 يعاقب كل الأفعال التي تدخل في عداد أعمال العنف والشغب داخل الملاعب الرياضية، فإن ذلك لم يكن كافيا للحد من هذه الظاهرة، التي استنفرت العديد من المؤسسات الوطنية، وأنتجت خطة وطنية للتصدي لهذه الظاهرة، عبر مجموعة من التدابير، سيتم الشروع فيها مع مطلع الموسم المقبل، وفي مقدمتها تأهيل الملاعب الوطنية، وجعلها فضاء مناسبا للفرجة، عبر تشديد المراقبة والرصد، باعتماد تقنيات التكنولوجيا الحديثة في تتبع المشاغبين. هي ظاهرة تتداخل فيها مجموعة من الأسباب وتتطلب انخراطا فعالا لكافة المعنيين، بمن فيها الأخصائيون الاجتماعيون والأطباء النفسانيون فضلا عن وزارات الداخلية والعدل والصحة، بغاية إنتاج خطة وطنية للقضاء على هذه الظاهرة، وقطع جذورها. في هذا الملف، سنحاول الوقوف على بعض حالات الانفلات داخل الملاعب الوطنية، ورصد سبل التصدي لها، والوقوف على دور المؤسسة التشريعية في معالجتها قانوينيا، وكذا الاطلاع على بعض التجارب القريبة منا. رغم أنها تبقى الحلقة الذهبية في المشهد الرياضي، ورغم أن الفرجة تنعدم إذا كانت المدرجات فارغة، فإن تأمين الجماهير يبقى من صعب التحقيق، في ظل الوضع الراهن. وتعي الجماهير جيدا أنها تتوافد على ملاعب تفتقد لأندى شروط الحماية، وفي مقدمتها التأمين على الأخطار، لكنها مع ذلك تصر على الحضور، وبعث الروح في المدرجات بلوحاتها المعبرة، حتى أن البعض اعتبر في السنوات الأخيرة أن الجماهير تفوقت على اللاعبين في تقديم لوحات الفرجة والأداء الفني، فكانت المدرجات مساحة للتنافس على احتلال أرقى المراتب، وهو ما تحقق في كثير من المرات لجماهير الرجاء والوداد على وجه التحديد. غير أن الأحداث التي رافقت مباريات الموسم الجاري، وخاصة في الدورات الأخيرة، حيث زهقت أرواح بريئة، أعادت طرح التساؤل من جديدة حول مسألة التأمين الرياضي بالنسبة للمشجعين. وتبقى «السترة» الإلهية بالمغرب هي الوحيدة القادرة على حجب المكروه عن كثير من المشجعين، الذين يضعون أرواحهم فوق كف عفريت، ويتوافدون بشكل أسبوعي على مدرجات لا تضمن لهم أدنى شروط الوقاية أمام ارتفاع درجات الخطر، بفعل تنامي ظاهرة الشغب، وافتقاد المنشآت الرياضية للبنيات التحتية اللازمة. وتعلم هذه الجماهير جيدا أنها تغامر بحياتها حبا في كرة القدم، وتعي جيدا أن سلامتها وأمنها يتواجدان في آخر اهتمامات المسؤولين عن الفرق وحتى الأجهزة الوصية على كرتنا الوطنية، كما أنها على يقين تام بأنها تفتقد شروط الفرجة السليمة، التي تضمن للفرد كرامته، وإنسانيته أحيانا، بالنظر إلى درجة الإهانة والاستفزاز المنتشرتين بمداخل ومخارج هذه الملاعب، التي كثيرا ما شهدت حالات وفيات في صفوف الأنصار، سواء داخل الملاعب أو خارجها، كما أنها كثيرا ما خلفت عاهات دائمة بالنسبة للبعض، فأحرى أن يكون لها تأمين بالميادين، التي تتداخل فيها المسؤولية بين الجهة المالكة، سواء كانت مجالس جماعية أو وزارة وصية، وبين الفرق التي يؤكد مسؤولوها أن المشجع غير المنتظم لا يمكن تأمينه، وحتى إن وجدت الرغبة في التأمين، فإن الشركات المعنية ترفض، لأن ذلك قد يدفعها إلى الإفلاس، باعتبار أن المدرجات غير مرقمة، وبالتالي فأعداد الوافدين لا يمكن ضبطها، لأن بعض المباريات قد تستقطب أعداد تفوق بكثير قدرتها الاستيعابية. ويعد تأمين الجماهير بالملاعب حلقة جوهرية في منظومة كرة القدم، بيد أن حالة الفقر التي تعيشها أغلب الفرق المغربية، تجعل الأمر صعب التحقيق، على الأقل في المنظور القريب. وحين تقع الكارثة، والتي قد تصل إلى الوفاة، فإن الأمر في النهاية لا يكلف سوى دقيقة واحدة، يقف فيها الجميع لقراءة الفاتحة ترحما على فقيد اختار أن يضع حياته فداء لفريق لا يبادله نفس الحب ونفس الوفاء، وفي أحسن الأحوال، يتم تنظيم حملة تبرع بئيسة، يحولها المسؤولون إلى مناسبة لجلب الأنظار، وشحذ الأصوات، لضمان ولاية جديدة في دفة التسيير. ويرى عبد اللطيف عباد، مدير المركب الرياضي بفاس، أن إدارة الملاعب الوطنية مسؤولة على سلامة الجمهور في حالة وقوع حوادث مترتبة عن خلل في تجهيزات المركب، أو انهيار جدار أو مدرجات أو ما شابه ذلك، أما عدا هذا فإن النادي هو الذي عليه تأمين الجمهور، لأن الفرق الآن قد انخرطت في نظام الاحتراف الحقيقي، الذي يعتبر أن الجمهور شريكا أساسيا في المنظومة الكروية. وأضاف عباد أنه خلال المباراة الخيرية، التي احتضنها المركب الرياضي بفاس قبل سنوات، وحضر فيها النجمان العالميان رونالدو وزيدان، وغيرهما من الأسماء الرنانية في عالم كرة القدم الدولية، تم إبرام عقد بين إدارة المركب والشركة الاسبانية، التي تولت تنظيم هذا اللقاء الخيري، لكن للأسف الشديد لم تقبل أي شركة تأمين هذا الحدث الكروي، حيث باءت كل المجهودات بالفشل، لأنه بكل بساطة لا نتوفر على نظام خاص بتأمين هذا النوع من التظاهرات. وسبق لبعض الألترات أن تطرقت للموضوع، لكنها وفي غياب تأمين خاص بالمتفرجين، اكتفت بحث أفرادها على طلب الحصول على أعقاب تذاكر الدخول، لتبقى كحجة لها في حال وقوع مكروه، لكن هذا الحق البسيط يبقى صعبا، حيث غالبا ما يرفضه الساهرون على عملية تنظيم المباريات، بإصرارهم على أخذ التذكرة كاملة. ويرى العديد من المهتمين بالشأن الكروي المغربي أن المتفرج الذي يحضر المباريات بشكل متباعد، لا يمكن أن يخضع للتأمين. ولو كان الأمر يتعلق بمتفرج منتظم، يتوفر على بطاقة سنوية لولوج الملعب، فإن ذلك يمكن أن يتحقق، علما بأن تأمينا من هذا القبيل غير موجود حاليا. أما المتفرج غير المنتظم والموسمي فلا يمكن تصور تأمين خاص به، وهذا الوضع لا يشمل المغرب فقط، وإنما يمتد لكافة ملاعب العالم. وحتى في التظاهرات العالمية الكبرى ككأس العالم لكرة القدم أو الأولمبياد، فلا وجود لتأمين من هذا القبيل. وبالنسبة للتذكرة، التي يدخل بها المتفرج إلى الملعب، فهي لا تتضمن أية نسبة خاصة بالتأمين، لأنها تمزق عند الباب. ويعتبر سعيد بنمنصور، المختص في مجال التأمين، أنه لا وجود لإلزامية التأمين بالملاعب الوطنية، ولو حدث انهيار بناية أو جدار، فإن الدولة أو الوزارة الوصية للشباب والرياضة أو المجلس البلدي، المالك لهذه المنشأة الرياضية، تكون مسؤولة مدنيا وجنائيا تجاه المتضررين. وبخصوص الإجراءات التي يمكن اتخاذها لتأمين الجماهير، اشترط بنمنصور تنسيقا بين النادي المنظم للمباراة وبين الجهة المالكة للملعب، وذلك بتوفير كل الشروط اللازمة، حتى تمر الفرجة في ظروف جيدة، وبطبيعة الحال فالتأمين يجب أن يكون ملزما لحماية المتفرج والحفاظ على سلامته. وأشار ذات المصدر أن في حالة اندلاع أعمال شغب، مع ما يرافقها إصابات أو وفيات، فإن المسؤولية المدنية تقع على عاتق منظم المباراة، وهو النادي، أما الجامعة فلا تتحمل مسؤولية ما يقع داخل الملاعب مدنيا أو جنائيا. وختم بنمنصور بالتأكيد على أن المتضرر يمكنه أن يلجأ للقضاء ضد المسؤول المدني عن المركب، سواء مجلس المدينة، كجماعة، أو وزارة الشباب والرياضة. وأكثر من ذلك يرى الأستاذ سعيد بنمنصور أن حالات وفيات وقعت للاعبين، مثل يوسف بلخوجة، لاعب الوداد سابقا، وعادل التيكرادي، لاعب أولمبيك خريبكة، الذي توفي خلال حصة تدريبية، لم يشملهما التأمين..! ويرى بنمنصور أن الفرجة قد تكون بالمجان، غير أن المبدأ الذي يجب أن ننطلق منه، هو أن أي شخص ولج الملعب، كيف ما كان، سواء عبر أداء واجب التذكرة أو بطرق أخرى، يصبح تحت مسؤولية منظمي اللقاء. فشركة التأمين لا تطلب من الضحية (المتفرج) التذكرة، لأن التأمين يعتمد على المحضر الذي تم إنجازه في أية حالة من طرف الضابطة القضائية، الذي يبقى كافيا وسندا قانونيا يعتمد عليه عند المطالبة بالتعويض.