لا وجود لشيء اسمه التأمين بالنسبة للجماهير التي تتوافد أسبوعيا على مدرجات الملاعب الوطنية، لتظل «سترة» الله هي التي تحجب عنهم المكروه والأذى الذي يحيق بهم في المدرجات أمام ارتفاع درجة الخطر، بفعل تنامي ظاهرة الشغب، وافتقاد المنشآت الرياضية للبنيات التحتية اللازمة. هذه الجماهير التي تعي جيدا أنها تغامر بحياتها حبا في كرة القدم الوطنية، وتعي أيضا أن سلامتها وأمنها يتواجدان في آخر اهتمامات المسؤولين عن الفرق وحتى الأجهزة الوصية على كرتنا الوطنية، على يقين بأنها تفتقد شروط الفرجة السليمة، التي تضمن للفرد كرامته، وإنسانيته أحيانا، بالنظر إلى درجة الإهانة والاستفزاز المنتشرتين بمداخل ومخارج هذه الملاعب، التي كثيرا ما شهدت إزهاق أرواح أبرياء، وكثيرا ما خلفت عاهات دائمة بالنسبة للبعض، فأحرى أن يكون لها تأمين بالميادين، التي تتداخل فيها المسؤولية بين الجهة المالكة، سواء كانت مجالس جماعية أو وزارة وصية، وبين الفرق التي يؤكد مسؤولوها أن المشجع غير المنتظم لا يمكن تأمينه، وحتى إن وجدت الرغبة في التأمين، فإن الشركات المعنية ترفض، لأن ذلك قد يدفعها إلى الإفلاس، باعتبار أن المدرجات غير مرقمة، وبالتالي فأعداد الوافدين لا يمكن ضبطها، لأن بعض المباريات قد يتجاوز فيها عدد الحاضرين الطاقة الاستيعابية الرسمية. هي إشكالية صعبة معقدة، تتطلب من المعنيين بالأمر التفكير جيدا في القضية وإيجاد حل لهذا الملف، الذي لم يسبق لأحد أن تناوله بالشكل اللازم، وكأن سلامة الجماهير غير ذات أهمية، أو أنها شيء ثانوي في مجال كرة القدم، والحال أنها شريك وفاعل أساسي في اللعبة. هذه الجماهير التي نطالبها بأن تحج بكثافة إلى المدرجات لا نوفر لها حتى الحد الأدني من الحقوق، التي يكفلها لها القانون. تأمين الجماهير في الملاعب هو حلقة جوهرية في منظومة كرة القدم، غير أن فرقنا التي تعيش في الخصاص، أو تدعي كذلك، تضع الأمر خارج أجندتها، وتختار سياسة الأمر الواقع. وحين تقع الكارثة، والتي قد تصل إلى الوفاة، فإن الأمر في النهاية لا يكلف سوى دقيقة واحدة، يقف فيها الجميع لقراءة الفاتحة ترحما على فقيد اختار أن يضع حياته فداء لفريق لا يبادله نفس الحب ونفس الوفاء، وفي أحسن الأحوال، يتم تنظيم حملة تبرع بئيسة، يحولها المسؤولون إلى مناسبة لجلب الأنظار، وشحذ الأصوات، لضمان ولاية جديدة في دفة التسيير. أي احتراف هذا الذي ولد مشوها، وأي ممارسة هاته التي لا تضمن لأطرافها الحد الأدنى من الكرامة والحق في الفرجة المريحة؟!. في هذا الملف نقف على إشكالية تأمين الجماهير المغربية بمدرجات الملاعب، ونستعرض آراء كافة المعنيين والفاعلين في الحقل الكروي، ونفتح نقاشا حول موضوع حيوي وجوهري يتطلب تعبئة جميع المتداخلين، لتحسين الفضاءات الرياضية في وجه المشجعين.