بلا أدنى شك، كل المتتبعين في العالمين العربي والمغاربي لا يأملون اليوم، كأولوية، إلا في إنقاذ أسر وأفراد الشعبين السوري واليمني البسطاء من القتل والإبادة والتهجير. بالطبع هذا الأمل، المرتبط بنزعة الانتماء الثقافي والتاريخي والحضاري، يكاد يتعارض مع واقع الحال في المنطقة، واقع يتميز بصراع تأجج في السنوات الأخيرة ما بين إيران والمملكة العربية السعودية، صراع يكون مباشرا في بعض الأحيان، وبالنيابة في أحيان أخرى. واقع الحال، وطبيعة أحداثه، ومآل تطوراته المنتظرة، ترجح فرضية وجود أطماع توسعية يسميها البعض ب»المشاريع» التوسعية الحضارية ذات عمق عقائدي. البارز أن المواجهة التي أصبحت محتدة أكثر تتعلق بمواجهة المشروع التوسعي الإيراني الشيعي الفارسي، مع وضع المشروعين الصهيوني ودها في اليمن جنوبا، وفي البحرين شرقا، وفي سوريا والعراق شمالا. وعليه، فقد شكلت هاته الأهداف الجيوستراتيجية المحتملة للدول الإقليمية، والمعبر عنها بتحركات دبلوماسية وعسكرية ملموسة، أفخاخا منصوبة في كل الأماكن، ومهددة لأمن وسلامة الدول المؤثرة في المنطقة، أفخاخ سهلت إمكانية استغلالها من طرف الدول العظمى. إن الصراع المصلحي غير المعلن رسميا، لا دوليا ولا إقليميا، فرض ضرورة استحضار الصراع السني-الشيعي كأساس لتبرير المبادرات والبحث عن التحالفات. فمنذ انعقاد قمتين عربيتين في نفس الآن، الأولى تزعمها النظام السوري، والثانية النظام السعودي، واغتيال الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان، بدأ الصراع يتأجج ويتطور بحيث وجد النظام السوري في وضعية صعبة للغاية جعلته يجد في التحالف مع النظام الإيراني الملاذ الممكن. تتطور الأوضاع والشعوب العربية والمغاربية والعثمانية والفارسية البسيطة تطمح إلى وحدة اقتصادية قوية وذات مردودية وتأثير على مستوى معيشهم اليومي من الخليج إلى المحيط، وحدة تجعل الاقتصاد والديمقراطية، على أساس حماية وحدة الدول وسيادتها، هدفا استراتيجيا على المدى المتوسط والبعيد. إنها الحاجة إلى تحقيق الهدف الذي سيمكن من جعل القرار السياسي، في المنطقة الشاسعة والغنية، بطبيعة تمكنه من التأثير على القرارات الدولية، وبالتالي تمكن من تحقيق نوع من التقدم في توازن القوى على المستوى العالمي، توازن بمقومات تفرض نوع من «المحاصصة» في الاستفادة من توزيع المردودية الاقتصادية العالمية. من المؤكد، في هذه النقطة بالذات، أن العلاقات شمال-جنوب لن تكون في مصلحة الشعوب ما لم يكن الهدف، الذي يجب أن تتمحور حوله المبادرات والقرارات، هو خدمة الوحدة الاقتصادية في المنطقة. على أرض الواقع، لقد توالت الأحداث إلى درجة أصبح الوضع غير مفهوم خصوصا في شقه المتعلق بالتحالفات. لقد كان شائعا أن المحور السني مرتبط دبلوماسيا أكثر بالمحور الغربي الأمريكي-الأوربي، والمحور الشيعي المؤيد للنظام السوري بالمحور الروسي-الصيني. لكن طبيعة التدخلات هنا وهناك تخلق نوع من القلق لدى الدول القيادية للمعسكر السني، أي للسعودية وتركيا. لقد خذلت تركيا وهي ترى حليفها الأمريكي يتفاوض مع الأكراد من خلف ظهرها في كوباني، وخذلت العربية السعودية وهي تتابع نجاح التفاوض الغربي الإيراني وتتويجه برفع الحصار الاقتصادي على هذه الدولة المحورية في المنطقة. في نفس الوقت، ونتيجة لما أحدثته التطورات السياسية في المنطقة من رواج اقتصادي في مجال تجارة الأسلحة والطاقة والمعادن والمواد الأولية.... لم تعد تثار مسألة الأزمات المالية والاقتصادية العالمية، وغابت مجموعة من القضايا عن الساحة الإعلامية كقضية كرواتيا وجزيرة القرم والصراع الغربي الروسي... كما أن الأمن الإسرائيلي الإقليمي أصبح أكثر ثباتا بعد انهيار الجيوش الإقليمية القوية، وحدوث نوع من التحييد المفترض لكل من حزب الله وحركة حماس وتقوية الشراكة الاقتصادية الإسرائيلية المصرية.... إنه وضع أصبح يفرض فتح المجال للتفاوض العربي البناء، تكون فيه الدولتين التركية والإيرانية طرفا رسميا، تفاوض يعجل من الوصول إلى حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية كهدف أساسي لتحقيق الأمن والسلام الدائمين بالمنطقة. نقول هذا لأنه اتضح وكأن التطورات الأخيرة قد أثارت نوع من القلق لدى الغرب والمعسكر السني على السواء. إنه قلق محتمل ناتج عن إتقان توزيع الأدوار ما بين روسياوالصين. الأولى أصبحت أكثر وجودا وحضورا على المستويين العسكري والدبلوماسي، في وقت تحقق الثانية حضورا اقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا مخيفا. إنه الوضع الذي دفع المرشحين المحتملين لرئاسة الولاياتالمتحدة إلى التركيز في حملاتهم الانتخابية على فكرة العمل على إعادة أمريكا إلى مكانها القيادي العالمي الطبيعي. إنه القلق الذي دفع قائد النظام العالمي الجديد إلى التوجه مؤخرا إلى المحيط الهادي لخلق أكبر منطقة للتبادل الحر تشارك فيها 12 دولة أسيوية. وقد اعتبر المتتبعون أن هذه الخطوة الجديدة لا يمكن تصنيفها إلا في خانة ردود الفعل الأمريكية الدبلوماسية لمحاصرة دولة الصين الشعبية للتأثير على وثيرة إغراقها للأسواق العالمية بالمنتوجات المختلفة والمتنوعة. من الواضح أن التطورات الأخيرة في شأن القضية السورية قد أكدت أن وضع السعودية وتركيا ليس مريحا. فالضغط الغربي والروسي على المعارضة السورية تم تفسيره وكأنه ضربة للمعسكر السني، سيستفيد منها المعسكر الإيراني. لقد التقط المتتبعون التحول الذي ميز موقف رئيس خارجية الولاياتالمتحدةالأمريكية على إثر مؤتمر لندن الأخير. لقد تم اعتبار المعارضة هي المعرقلة لمفاوضات جنيف، وأن نشوب الحرب ما بين الغرب وروسيا يبقى من الخيارات البعيدة كل البعد عن التحقق. إن إعلان العربية السعودية لإمكانية تدخلها العسكري في سوريا، وترحيب تركيا بهذا القرار وفتح ترابها للمقاتلات السعودية وجنودها، جعل الدب الروسي، الداعم استراتيجيا للمشروع الكردي، يعطي الانطباع للمعسكر الغربي وكأنه في وضع ليس لديه ما يخسر، مرسلا بذلك إشارة إلى عدم تخوفه من نشوب حرب شاملة قد تكون الشرارة الأولى لنشوب حرب عالمية ثالثة. كما أن التحليل الموضوعي لتصريحات الطرفين يؤكد أن هناك نوع من الالتقائية في شأن موضوع مصالح الدول العظمى. لقد تم اتهام المعارضة السورية، من خلال اعتبارها المسؤولة عن انهيار المفاوضات في لندن، بإسهامها في ترجيح فرضية خسرانها لدعم الدول الصديقة. لقد وجه لها هذا الاتهام، والذي تم التلويح من خلاله كون الاستمرار في هذه العرقلة قد يساهم في اجتثاثها في فترة قد لا تتجاوز ثلاثة أشهر. لقد بعث كيري هاته الإشارة في وقت تم التعبير فيه عن نوع من الارتياح لموقف النظام السوري والّإيراني المرحب بالحوار والتفاوض من أجل وقف إطلاق النار. في الأخير نقول، لقد اعتبر المتتبعون التطورات الأخيرة في سوريا وكأن هناك نوع من تخلي أمريكا عن حلفائها (المعارضة المشروعة). إنه تخل يمكن اعتباره سببا في تردد الحلفاء السعوديين والأتراك على دعمهما للمعارضة بالأسلحة النوعية المتطورة. في نفس الوقت لوحت روسيا بإمكانية لجوئها للتدخل البري في سوريا مع بعث نوع من رسائل «التطمين» للغرب والسعودية وتركيا. لقد طرحت اليوم بشكل مقلق مسألة قضية إنقاذ السوريين في ريف حلب في وقت يتكاثف فيه القصف الروسي ويتعمق تدخله. كما أن الأضرار البليغة التي لحقت بالمعارضة تنم بإمكانية تحويل الصراع العسكري المباشر إلى حرب عصابات. إن الوضع الإيديولوجي العالمي، المتميز بانتصار قيم الديمقراطية واقتصاد السوق على أساس المنفعة والمصلحة، يجعل احتمال نشوب حرب روسية-أمريكية مستبعدة جدا، الشيء الذي يجب أن يدفع دول المنطقة إلى البحث عن السبل لفهم اللعبة الروسية الأمريكية، وبالتالي إنضاج الشروط السياسية للتكتل الاقتصادي. لقد تم إعطاء الانطلاقة لتفعيل إستراتيجية النظام العالمي الجديد باحتلال أفغانستان وإسقاط النظام العراقي، وتطورت الأحداث إلى أن تم التصريح بضرورة بناء منطقة الشرق الأوسط الجديد، لتعم الفوضى، ويستمر الطموح لدى الشعوب العربية والمغاربية في تحقيق الاستقرار في إطار الديمقراطية واقتصاد السوق والحلم في إعطاء الانطلاقة لتأسيس مجموعة اقتصادية جهوية قوية. فراعي الكنيسة الروسية قد التقى البابا في هافانا بعد قطيعة طويلة......