اجتمع مجلس بنك المغرب يوم 22 ديسمبر برئاسة السيد الوالي عبد اللطيف الجواهري ليقرر فجأة أن يُبقي على معدل سعر الفائدة المركزي كما هو (المطبق خصيصا على الرساميل المالية الموجهة التي يضخها في سيولة البنوك المحلية) دون أن يُضفي عليه ولو زيادة طفيفة كما كان مرتقبا، محافظا عليه إذن في عتبة 2,5٪.. وقد اتخذ المجلس المذكور هذا القرار غير المنتظر ، الداعي للإستمرار بالعمل بنفس خط سعر الفائدة الرئيسي، ربما مؤقتا فقط وللضرورة القصوى (الذي حدث سابقا أن تم خفضه، ليبلغ حدود هذا المعدل الحالي نفسه المعمول به الآن، وبتخفيض نسبة غير مسبوقة في أرشيف كل قراراته التاريخية الماضية) وذلك لتدبير حل بات صعبا إيجاد صيغته الناجعة، لتطويق إشكالية تناقص الطلب على القروض، من طرف الفاعلين الناشطين في مجال تسيير المقاولات الناشئة، وحتى من طرف بعض الشركات التقليدية البارزة، التي كانت لها تعاملات معهودة في الإستدانة من صناديق المصارف المالية المغربية. ومن المتوقع داخل الأوساط الإقتصادية أن تداعيات مثل هذا الإجراء المتخذ (المحايث بدون شك لتوجيهات محورية سابقة لبنك المغرب تستهدف أوضاع العمليات المالية الراهنة الخاصة بالقطاع البنكي لغرض تحفيز النمو عن طريق شبكاتها وخدماتها والرفع بالتالي من وتيرة الدينامية الإقتصادية) ستثير لا محالة استياءا أكيدا.. سيحدث ذلك أولا لدى المختصين الماليين المحليين الذين كانوا يأملون في إنعطافة جذرية في مجرى السياسة النقدية المعتمدة، وثانيا لدى المراقبين الأجانب بما فيهم المستثمرين، الذين ربما سيدعون شركاءهم في الداخل إلى مزيد من التهدئة والترقب والتحليل الرزين حتى تتضح أكثر أبعاد رهان السلطات المالية من وراء هذا القرار الوقائي الهادف إلى تسريع عملية ضخ القروض المعنية بدورات النشاط المقاولاتي. وهكذا، كما أشرنا، عقد المجلس اجتماعه المعتاد إجراؤه تقريبا آواخر كل سنة، يوم الثلاثاء الماضي، وقرر الحفاظ على سعر الفائدة الرئيسي عند 2.5٪ لسبب متعلق أصلا بإنخفاض طلبات القروض البنكية التي عرفت تراجعا ملحوظا في الإقبال عليها؛ فبيانات الطلبات كما هي مسجلة أواسط السنة انخفضت من نسبة 1.8٪ لتصل إلى حدود 0.7٪ في شهر أكتوبر، مما يؤشر على انحدار بين في الإقبال على تلك القروض الموجه بعضها فقط لشركات خاصة غير مستثمرة أو متورطة عن قرب في تلك المضاربات المالية المعروف عنها البحث عن الربح السريع، والتي تجد مكانها الطبيعي في تعاملات البورصة، علاوة كذلك على انخفاض في الطلب المعني بالقروض الإجتماعية الموجهة للأسر إلى حدود نسبة 3.6٪ وهذا مما وضحه بتفصيل خبراء البنك المركزي في رصدهم للوضعية الحالية في تقرير هم السنوي. إذن على هذا النحو تستمر إشكالية تباطؤ وتيرة الإقتراض من طرف الشركات الكبرى والمقاولات المتوسطة، رغم كل التحفيزات التي سطرها سلفا بنك الدولة في مخطط سياسته المالية لبداية هذه السنة، ثم إن هذا المعطى الأخير في حد ذاته مؤشر يعني أشياء كثيرة من وجهة نظرنا: فهو يذهب عكس توقعات خبراء مالية الدولة، ويكشف بالواضح ركود الدينامية الإقتصادية عندنا، وتراجع وتيرة الإستثمار في قطاعات حيوية مهمة، سيليها طبعا إذا تفاقمت الأزمة على هذه الشاكلة، ندرة متزايدة في منح فرص العمل؛ وتراجع مقلق لمبادرة الشراكات المالية المتوقع منها، عند بلوغ مستوى الإندماج، إنتاج كثير من الإقتراحات الميدانية المولدة للإستثمار المباشر؛ وتقاعس آت لا محالة من أصحاب المشاريع المبتكرة الموفرة لإمكانيات نادرة تساعد على خلق مناصب الشغل إلخ. وهذا بالضبط ما لمح إليه بطريقته الخاصة والي بنك المغرب في خرجته الإعلامية مصرحا: " عندما نخفض معدل الفائدة المركزي، فإننا ننتظر من البنوك أن تنقله إلى الفاعلين الإقتصاديين ويصبح تمويل المقاولات أقل ثقلا، وبالتالي هذا يساعد على تحقيق طلب أكبر على القروض" ثم لما انتهى من الإشارة إلى هذه النقطة استدرك الأمر وأضاف بمرارة قائلا: "لكن ورغم التخفيضين اللذين قمنا بهما، وكذا تخفيض البنوك لمعدلات الفائدة تراجع الإقتراض بقينا في مستويات بعيدة جدا عن الإنتظارات ". للتذكير، ووفقا للمقررات السنوية الماضية، التي يصدرها البنك المركزي تباعاَ، كان قد بلغ نقص السيولة من البنوك رقما قياسيا، وهو رقم يعكس الصعوبات التي كان يواجهها تمويل الفاعلين المستقلين والمقاولات الكبرى والصغرى بالقروض. وبعد ذلك التدهور، قرر مدير بنك المغرب الحفاظ على سعر الفائدة الرئيسي في نسبة 3% قبل خفضه إلى السعر الحالي الأكثر تشجيعا ألا وهو 2,5% مع خفض معدل 4% من الاحتياطيات اللازمة، ثم الإستمرار في مواصلة التدخل لتعزيز السيولة في النظام المصرفي، وبالتالي تحريك الدينامية وإعادة تشغيل آلة القروض البنكية التي توقفت تَحَسّبا للمخاطر. لقد بينا من جهتنا في مقالة تحليلية بعنوان "تحليل: حكومة بنكيران.. التقشف والتحيز للأثرياء ومُراكمة القروض الضخمة " السبب الرئيسي وراء الإشكالية الأساسية التي تتمثل في بطء وتيرة القروض وجمودها رغم التحفيزات المقدمة من طرف السلطات المالية واستمرارها العمل مع المصارف المالية بمعدل فائدة مركزي منخفض جداّ، وكتبنا بإلحاح مايلي: " المؤكد لدينا أن البنوك لم تعد تمنح القروض بالشكل المطلوب منها، فالعديد منها لجأ إلى سياسة النعامة، وإدارة الظهر والامتناع عن منحها إلا بشروط وضمانات إضافية قسرية. هذه الوضعية صار يعلمها حتى الفرد العادي من عامة الناس، النائي بالمطلق عن متاهات الدوائر المالية وتعقيداتهاو الأدهى أنها بررتها طبعا وكما هو متوقع، بالنقص الحاد في السيولة الذي تعاني منه السوق المالية، وبارتفاع مستوى المخاطر!". ومع ذلك وفي المقام الأول، لا علاقة للتشديد في إعطاء القروض من قبل البنوك بعدم وجود سيولة كافية، في نظرنا إن إحجامها مرده أساسا تخوفها المُزْمِن من أن تلج رأساً بوّابة مخاطر الاستثمار، التي توجد مباشرة في خط تماس الشركات واستيفاء تعهداتها ، علاوة على هروبها الحربائي الدائم من هشاشة الاقتصاد الراكد. مبدئيا، كان خِفض سعر الفائدة من طرف البنك المركزي فرصة مقدمة للبنوك لتعيد تمويل عملائها بكلفة منخفضة وتشجيعهم على الاستفادة، وخلق بذلك دورة مالية حميدة في شرايين الاقتصاد. ولكن بدلا من ذلك، فإن البنوك تفضل وضع أموالها في سندات الخزينة بأقل المخاطرات، أو اللجوء في أسوأ الحالات لتجميد الموارد لمدة قصيرة لدى الدولة والحصول مقابلها على فوائد مُؤمَّنة"