جددت جمعية الشعلة للتربية والثقافة، وفاءها موعدها المنتظم مع الطفولة من خلال حرصها على ترسيخ وتوسيع «أيام الشعلة للطفل» ... وهو وفاء يعكس من جهة تشبث الشعلة بهويتها المستمدة من اهتمامها ومساءلتها لقضايا الطفولة خلال مسارها ومحطاتها التنظيمية والإشعاعية والثقافية والتربوية.. كما يعكس من جهة أخرى، انفتاح الجمعية على منافذ وآفاق تربوية جديدة تعكس عمق مواكبتها للمستجدات العلمية والتربوية في حقل الطفولة والتربية والتعليم...وانطلاقا من هذه المبادئ اختارت الجمعية لدورة أيام الشعلة للطفل هذه السنة ، موضوع «الطفل والذكاءات المتعددة». وهو اختيار، حسب بلاغ للجمعية ، نابع من عدة اعتبارات : «أولها : من أجل التعريف بنظرية الذكاءات المتعددة في بعدها العلمي العام وفي أبعادها التربوية بشكل خاص. فهي نظرية علمية ظهرت في الثمانينيات من القرن الماضي. وتؤكد أن كل فرد منا يتوفر على عدة ذكاءات مختلفة تتفاعل فيما بينها لتشكل تركيبة تميز كل فرد عن غيره .. مما يعني أن أي تدخل تربوي (مدرسي أو أسري أو جمعوي الخ) يجب أن يراعي هذا التعدد من خلال تنويع أساليب وطرق ووسائل التربية والتنشئة والتعليم والتواصل الخ. وهي نظرية كان المغرب سباقا إلى التعريف بها على المستوى الأكاديمي والتعليمي من خلال بعض الباحثين والمدرسين والفاعلين في حقل التربية. ثانيها: اشتغال جمعية الشعلة مع فئة الطفولة في مختلف الفضاءات التربوية بطرق وآليات ووسائل تستجيب بشكل كبير للتعدد الذهني لدى الأطفال ... لكنه اشتغال يحتاج إلى تأطير علمي وتربوي حتى يتحرر من عفويته ويرتقي إلى مستوى الممارسة التربوية الواعية بمنطلقاتها ومساراتها وعملياتها وأهدافها... وهي حاجة تفرض نفسها بقوة في عصر أصبحت فيه الجودة معيارا في كل مؤسسة وسيرورة ومردودية. ثالثا : لقد كانت لجمعية الشعلة مبادرات سابقة من خلال العديد من أنشطتها الوطنية والمحلية في طرح موضوع الذكاءات المتعددة من زاوية علمية تربوية وبهدف تحسيسي من طرف بعض أعضائها وفروعها. كما أن العديد من الأنشطة والمداخلات في الدورات السابقة كانت تستحضر بشكل مباشر أو غير مباشر نموذج الذكاءات المتعددة في التعامل مع قضايا الطفولة.. وهي علامات شكلت منطلقا للتفكير في هذا الاختيار . رابعا: باعتبار أن العمل الجمعوي يهدف في شكله ومضمونه إلى المساهمة في سيرورات التربية والتنشئة الاجتماعية ... فإن هذه السيروات أصبحت تحتل مقام الصدارة في تحقيق التغيير والتحديث وبناء المستقبل، وفي تمثل ومواجهة التغيرات الكونية. ويبدو بديهيا أن هذا الرهان على التربية والتنشئة لبناء المستقبل، هو رهان على تكوين أجيال تتوفر على مؤهلات وكفايات وذكاءات تمكنها من حل المشكلات وتقديم خدمات وإنتاج أفكار وقيم بكيفية جديدة وأصيلة. وهو رهان تجسده الشعلة اليوم من خلال هذا الاختيار. خامسا : إن مبادرة جمعية الشعلة اقتراح نموذج الذكاءات المتعددة على فروعها في هذه الدورة تنطوي على دعوة قوية إلى تأسيس الممارسة على النظرية .. وتأطير الفعل من خلال العلم ... وعقلنة الفعل التربوي اليومي من خلال بنائه على نماذج علمية تراعي التعدد في القدرات والطاقات الإنسانية ... بالشكل الذي يستلزم احترام ذكاءات الطفل وتنويع أساليب التنشيط والتواصل والتحسيس والتأطير ... وهي شروط لا غنى عنها في تطوير وتجويد ممارساتنا التربوية مع أطفالنا. سادسا : إن اختيار شعار (الطفل والذكاءات المتعددة) كعنوان لنشاط وطني ممتد عبر فروع الجمعية في كل جهات المغرب هو فعل غير مسبوق ... صحيح أن هناك أبحاثا حول نظرية الذكاءات المتعددة وكتابات وتجارب وممارسات تستلهم هذه النظرية في الخطاب البيداغوجي والممارسة الفصلية داخل المدرسة المغربية ... لكن طرح هذه المقاربة كعنوان لنشاط جمعوي وكموضوع نظري وكنموذج تربوي وكخطاب علمي من طرف جمعية الشعلة كفاعل وطني ضمن مكونات المجتمع المدني المغربي، هو طرح له أكثر من دلالة مقارنة مع الأفق التربوي الذي تتحرك داخله منظومتنا التربوية ومؤسساتنا التنشئوية. سابعا : مبادرة الشعلة في اختيار (الطفل والذكاءات المتعددة) مبادرة بقدر ما تنطوي على بعض الأجوبة عن أسئلتنا التربوية ... تحمل أيضا أسئلة تخلخل بعض يقينياتنا وبديهياتنا : بأي معنى ننظر ونفهم ونتعامل مع «ذكاء» أطفالنا ؟ إلى أي حد كانت ممارساتنا وأنشطتنا التربوية السابقة اختزالية في التعامل مع قدرات وطاقات أطفالنا في مختلف الفضاءات ؟ هل يمكن تجديد آليات التنشيط والتواصل والتأطير مع الطفل دون معرفة ورصد وتقييم ذكاءات المنشط والمؤطر نفسه ؟ كيف يمكن توظيف نموذج الذكاءات المتعددة في الانتقال من الرؤية النمطية للطفل الذكي إلى رؤية منصفة تراعي الخصوصية الذهنية في التفكير والتعبير والتواصل من طرف أطفالنا ؟ إلى أي حد يمكن تطويع مقاربة الذكاءات المتعددة كي تصبح نموذجا يقدم الاستراتيجيات المناسبة في الاشتغال مع الأطفال في الحقل الجمعوي؟ «. وأضاف البلاغ « انطلاقا من هذه الاعتبارات ندعو جميع فروع جمعيتنا للانخراط في هذا الرهان الكبير والتعبئة من أجل إنجاح هذه المبادرة التي تعكس اهتمامنا كفاعلين جمعويين بتجديد خطابنا حول الطفل وممارستنا معه... ولعل السؤال الذي يمكن أن يوجهنا ونحن نستعد ونخطط وننجز فعاليات هذه الدورة من أيام الشعلة للطفل ينطوي على بعدين : بعد نظري يعرف بنظرية الذكاءات المتعددة ويسائلها في نفس الوقت كنظرية علمية مؤسسة على معطيات دقيقة. وهناك بعد عملي تربوي يهدف الكشف عن الإمكانيات والحلول التي تقدمها نظرية الذكاءات المتعددة على المستوى التربوي. ومن هنا يمكن صياغة السؤالين كما يلي : كيف ننتقل في خطابنا من الحديث عن ذكاء الطفل بصيغة المفرد (ذكاء) إلى صيغة الجمع (ذكاءات) ؟ كيف ننتقل من تكييف ذكاء الطفل ليتلاءم مع استراتيجيات تربوية جاهزة إلى تكييف استراتيجياتنا التربوية كي تتلاءم مع ذكاءات الطفل؟ من أجل ذلك ندعو كل فروع جمعيتنا إلى تنظيم ندوات ومحاضرات وتقديم أشرطة وأفلام وتنظيم ورشات وحلقات عمل وإنجاز لقاءات واستثمار الفضاءات التربوية الممكنة واستدعاء خبراء وباحثين ومدرسين ومدربين وفاعلين جمعويين، لمقاربة موضوع (الطفل والذكاءات المتعددة) ... مع التأكيد على ضرورة تدوين وتوثيق فعاليات هذه الدورة من طرف كل فروع الجمعية كي نتمكن من نشرها وتعميمها لاحقا ...» .