حملة مركّزة يشنها الأمن التركي على بعض العناصر المشتبه في انتمائها إلى تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي، توحي مؤخرا بأن دور هذا التنظيم المغمور بدأ في الانتهاء بمجرد إيجاد حوافز دولية للبحث في حل للأزمة السورية. وتكشفت هذه الحملة عن علاقة ما بين الأجهزة التركية وتنظيم داعش، عززتها اعترافات الموقوفين وتقارير بعض أجهزة الاستخبارات الإقليمية. قامت القوات الأمنية التركية باعتقال أكثر من 35 شخصا في الأيام الأخيرة الماضية للاشتباه في انتمائهم إلى تنظيم ما يسمّى بالدولة الإسلامية الذي يركز نشاطه في شمال سوريا على الحدود مع تركيا. ولكن العديد من المراقبين يؤكدون أن هذه الحملة ليست سوى دعاية إعلامية تسبق اجتماع مجموعة العشرين التي ستقام في مدينة أنطاليا التركية بعد أيام. في حين تؤكد العديد من الإشارات تورط المخابرات التركية في صناعة شق واسع من الجهاديين في داعش لصالح مناوراتها في المنطقة. وقد كشفت اعترافات بعض مقاتلي تنظيم ما يسمّى الدولة الإسلامية، أن التنظيم أقام في منطقة حدودية بين سورياوتركيا مخيّما لتدريب الانتحاريين. ويقول أحد الموقوفين الفرنسيين في اعترافاته، إنه كان في هذا المخيّم وشاهد مجموعات تتلقى تدريبات وخبرات عسكرية ليتم في ما بعد إرسالها إلى لبنان ومناطق أخرى. وكشفت المعلومات أيضا عن إنشاء معسكرات تدريب لعناصر القاعدة والسلفية من الأتراك، وممّن يسمّون بالمجاهدين العرب في منطقة وزيرستان الواقعة شمال باكستان، ليتم إرسالهم إلى سوريا بعد إتمامهم فترة التدريب هناك.وتقول تقارير صحفية إن المئات من الجهاديين يتم الإبقاء عليهم في بيوت آمنة بجنوبتركيا قبل تهريبهم عبر الحدود إلى سوريا. وكالات استخبارات إقليمية قريبة من حكومة رجب طيب أردوغان، كشفت أيضا عن دور «خفي» تلعبه أنقرة لتكون نقطة عبور لهؤلاء الجهاديين من وإلى أوروبا وسوريا. ونجح تنظيم القاعدة في تأسيس أول قواعده في تركيا، العضو في حلف الناتو، كما أسس التنظيم فروعا له في سوريا متكونة من منشآت ومعسكرات تدريب ومساحات للرماية، جزء كبير منها على الأراضي التركية. وحددت المصادر المعلوماتية ثلاثة مواقع تحتوي على معسكرات تدريب وتجنيد للجهاديين في تركيا. الموقع الأول يوجد في مدينة ?كرمان? التي تقع وسط الأناضول بالقرب من إسطنبول، والثاني في مدينة «أوزمانيا» الإستراتيجية بالقرب من القاعدة العسكرية التركية الأميركية المشتركة في عدنان ومنطقة وسط آسيا إلى ميناء «سيهان» التركي على البحر المتوسط، بينما يقع الثالث في مدينة «سان ليلورفا أورفا» جنوب غرب تركيا. وفي سياق متصل، وفي إطار التوصل إلى حل مشترك للتعامل مع تهديد «الجهاديين» الذين يسافرون إلى سوريا بهدف القتال، سبق لبلجيكا أن دعت خلال العام 2014 إلى عدة اجتماعات، أولها كان في مايو 2014 تمت فيه دعوة الدول الأوروبية التسع المعنية بملف «الجهاديين» الأجانب في سوريا وبحضور ممثلين عن الولاياتالمتحدةوتركيا وتونس والمغرب والأردن، وفي هذا السياق أفادت الداخلية البلجيكية، بأن التعامل مع ملف العائدين من المقاتلين في سوريا يشكل أحد أهم المشاغل الحالية، مشيرة إلى أن وجود مرتكز لتنظيم القاعدة على أبواب أوروبا (أي تركيا)، يعتبر مشكلة جديدة طرحها النزاع في سوريا. يذكر أن مسؤولين أتراكا سبق لهم أن صرّحوا بأن حياة بومدين، شريكة كوليبالي الذي اقتحم المتجر اليهودي شرق باريس بالتزامن مع عملية شارلي إبيدو في 7 يناير 2015، كانت في تركيا قبل خمسة أيام من الحادث. ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو قوله في مقابلة صحفية «إن بومدين وصلت إلى إسطنبول قادمة من مدريد في الثاني من يناير 2015، ولم تتلق تركيا أي طلب من باريس بمنع دخولها». وأضاف «توجد صورة لها في المطار وبعد ذلك أقامت مع شخص آخر في فندق، وعبرت إلى سوريا في الثامن من يناير 2015، نستطيع قول ذلك بناء على تسجيلات هاتفية». وتطرح هذه المعلومات المسرّبة والمعلنة من حكومات وأجهزة استخبارات العديد من التساؤلات عن الدور الذي تلعبه تركيا في تزويد المنطقة بالجماعات الإرهابية وتغذيتها وحول السبل الكفيلة بالقضاء عليها في ظل النظام التركي الحالي الذي يروج للغرب على أنه يحارب الإرهاب في حين يتغاضى عن معسكرات ميدانية في تركيا. وتقول بعض الآراء في هذا السياق، مثل تحليل الباحث جاسم محمد في كتابه «داعش أمن الدولة التركية في العهد الإخواني»، إن تركيا تعتبر من الدول العميقة في المنطقة وتملك مؤسسة عسكرية واستخباراتية، «وهذا يعني أن الاستخبارات التركية تمسك ربما ببعض قيادات التنظيم وتتعامل معهم اقتصاديا كبيع النفط من تركيا والعراق وتدفق المقاتلين عبر الحدود وإقامة معسكرات تدريبية، بالإضافة إلى أن تركيا تعتبر ملاذا ومحطة عبور بالنسبة إلى داعش، فمن خلالها يتمكن التنظيم من إدارة شبكة من الشركات والعملاء وغسيل الأموال، لتظل أنقرة في النهاية بوابة التنظيم إلى العالم أيضا».