بدا الرئيس التركي السابق، عبد الله غول، مطمئنا ,أكثر من اللازم, وهو يتحدّث عن جاره الداعشي، نافيا أنه خطر قادم ويُشكّل تهديدا أيديولوجيا على تركيا. ووصف غول داعش بأنه «حركة سياسية لا دينية» في تصريح أثار جدلا كبيرا خصوصا وأنه بات من شبه المؤكد أن أنقرة وداعش حليفان. في شهر أكتوبر الماضي، نقلت وسائل إعلام تركية نسخة من وثيقة رسمية، مرسلة من القنصل التركي في مدينة الموصل العراقية، إلى وزارة الخارجية في بلاده، حذّر فيها من أن «الأوضاع في الموصل تتجه نحو الأسوأ مع تقدّم تنظيم الدولة الإسلامية». وذكرت المصادر، التي نُقلت عنها الوثيقة، أن الردّ لم يتأخّر وجاء نصّه كالتالي: «داعش ليس خصما لنا». وبدا واضحا، حجم العلاقة التي تربط بين تركيا «الأردوغانية» وتنظيم الدولة الإسلامية، في العراقوسوريا، بعد التصريح الذي أدلى به الرئيس التركي السابق، عبد الله غول، وقال فيه إن تنظيم داعش حركة سياسية لا دينية، مؤكدا أن هذا التنظيم «لا يمكن أن يشكل تهديدا أيديولوجيا لتركيا على الإطلاق». وزعم غول، في تصريحات أدلى بها، خلال استضافته في المعهد الملكي البريطاني للدراسات الدولية «تشاتام هاوس»، أن التحالف الدولي الذي تم تشكيله لمواجهة تنظيم داعش، يعتبر من الإيجابيات التي شهدتها المنطقة، لكن تصريحات الرئيس التركي السابق لم تعد مقنعة، فلم يعد السؤال هل تدعم تركيا »داعش«، لأن ذلك بات أمرا محسوما. لكن لماذا تدعم تركيا، بقيادة »حزب العدالة والتنمية«، هذا التنظيم الإرهابي، والذي لا ينسجم أبدا مع المبادئ المعروفة للمجتمع التركي؟ ولماذا يقول مقاتلون في داعش إن «تركيا حليف هام للتنظيم». هل تمتنع تركيا عن ضرب داعش؟ لم تأت الاتهامات التي وجّهت لتركيا، وتحديدا لحكومة رجب طيب أردوغان، عندما كان رئيسا للحكومة وعندما أصبح رئيسا للدولة من فراغ، فقد كشفت تقارير استخباراتية أن تركيا تنتهج سياسة الكيل بمكيالين، فهي من جهة تزعم «مباركتها» للتحالف الدولي العسكري ضد داعش، ومن جهة أخرى تحجم عن الانضمام للعمليات العسكرية، وما موقفها من أحداث عين العرب- كوباني- إلا خير دليل على ذلك. لم يفكر الأتراك في مخاطر دعمهم للجماعات الإرهابية التي تتكاثر بشكل سريع، وعملوا وفق قاعدة: عدو عدوي صديقي, فعندما بدأت مقاتلات التحالف الدولي في قصف معاقل داعش، رحّبت تركيا، التي تمتلك ثاني أكبر جيش في دول حلف شمال الأطلسي وتقتسم حدودا برية طويلة مع العراقوسوريا، بذلك مؤكّدة عزمها على محاربة داعش وصوّت البرلمان التركي على مذكرة تسمح للجيش بالتدخل عسكريا في العراقوسوريا. لكن، رغم تطوّر الوضع وتحوله إلى مأساة إنسانية، لا تزال تركيا تمتنع عن أي تدخل عسكري على جبهة القتال رغم حدودها التي تمتد لمسافة 1200 كيلومتر مع العراقوسوريا. وأدى ذلك إلى زيادة مخاوف الغرب من أن تكون تركيا حلقة تعيق القتال ضد المتشددين. لا يزال موقف تركيا غير واضح تجاه تنظيم الدولة الإسلامية، الذي اقتحم مدينة كوباني الواقعة على حدودها، رغم قرار البرلمان السماح بذلك، ووضعت شروطا للانضمام إلى التحالف العسكري ما يدعم الآراء القائلة إن أنقرة تدعم داعش في إطار مؤامرة يقودها الرئيس أردوغان لتحصين المصالح التركية في سورياوالعراق, الأمر الذي يضع الحكومة التركية في مواجهة الغضب الدولي والإقليمي والشعبي. ماهي دلائل دعم تركيا لداعش؟ يرى محللون أن تصميم تنظيم «الدولة الإسلامية» على السيطرة على مدينة كوباني، رغم الضربات الجوية المكثفة، التي وجهتها له قوات التحالف الدولي، مردّه إدراك التنظيم للأهمية الاستراتيجية لهذه المدينة، وأيضا مردّه الدعم التركي للتنظيم. ولم يكن خفيّا، أن أنقرة فتحت منذ احتدام الصراع في سوريا، أبوابها لمختلف المجموعات المعارضة المعتدلة والمتشدّدة. ومع ظهور بوادر ضعف جماعة الإخوان المسلمين، كقوة معارضة، وفشلها في تغيير مجرى الأحداث على غرار ما حدث في مصر وتونس قبل حوالي أربع سنوات، قرّر رجب طيب أردوغان، الذي كان وقتها رئيسا للحكومة التركية ومأخوذا بحلم بسط النفوذ الإخواني في منطقة الشرق الأوسط، التوجّه إلى الجناح الدموي المتطرّف، الذي سيساعده على الثأر من العراقيين إلى جانب تحويل وجهة الصراع في سوريا من ثورة سلمية لإسقاط النظام إلى حرب مسلّحة. هل تدعّم أنقرة داعش؟ شرّعت أنقرة الحدود التركية السورية للمقاتلين الأجانب للتدفق إلى سوريا، ومنها إلى العراق لاحقا. سلّحت وموّلت وسهّلت تنقل الجهاديين عبر مناطقها الجنوبية المفتوحة على الشمال السوري ولم يعدّ هناك شكّ من أنه لولا تلك المساعدة، لما تمتّع تنظيم »داعش« بالقوة التي مكّنته من الاستيلاء على تلك المساحة الشاسعة بين سورياوالعراق. وذكرت صحيفة «الغارديان» البريطانية أن الولاياتالمتحدة وحكومات أوروبية، حثّت تركيا على ضرورة إيقاف المقاتلين الذين يعبرون إلى سوريا، غير أن أنقرة لم تبد رغبة جدية في مواجهة الجهاديين، وظلّ مسؤولون فيها مصرّين على أنه «يصعب التفريق بين الحجّاج الآتين إلى تركيا وبين الجهاديين». ويؤكد أعضاء من البرلمان التركي أن الحكومة ما زالت تدعم الجهاديين بتسهيل سفرهم عبر المعابر الحدودية بين تركياوسوريا، وتوفير شاحنات أسلحة لهم، وتقديم الرعاية الصحية في مستشفيات الدولة التركية للمحاربين الجرحى. وقد كتب هؤلاء للرئيس المنتخب أردوغان ولداوود أوغلو يطلبون تفسيرا رسميا للعلاقات الحكومية مع داعش, إلا أن الحكومة لم تجبهم. في ذات السياق، يعدّ التقرير الذي نشرته شبكة «cnbc»، وأعدّه ديفيد ل. فيليبس، مدير برنامج بناء السلام وحقوق الإنسان في جامعة كولومبيا، من أكثر التقارير المثيرة للاهتمام حول العلاقة الخفية بين تركيا، وبالتحديد الجانب «الأردوغاني» الإخواني، وتنظيم الدولة الإسلامية. يشير فيليبس في هذا البحث، إلى أن أعضاء في البرلمان التركي وشخصيات بارزة، التقاهم خلال زيارته إلى تركيا، ألمحوا إلى وجود علاقة مشبوهة بين مؤسسة الإغاثة الإنسانية التركية وتنظيم الدولة الإسلامية. جدير بالذكر أن هذه الهيئة المعروفة اختصارا، ب(HHI)، هي منظمة خيرية إسلامية لها باع في دعم الجماعات المتطرفة. وقد تأسست هذه الجمعية الخيرية، التي تنشط في 120 دولة، عام 1992 بغرض مساعدة المسلمين في البوسنة، وقامت بأعمال إغاثة في أماكن مختلفة من العالم. هذه المنظمة قريبة من حزب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي مايزال يمتنع عن تسمية داعش جماعة إرهابية، الأمر الذي يدفع إلى ترسيخ الظن بأن تكون هذه المنظمة هي صلة الوصل بين أردوغان والتنظيمات الإرهابية في العراقوسوريا ومنها داعش. ووفق تحقيق فيليبس، تربط بلال رجب طيب أردوغان علاقات متينة بالهيئة الإدارية للمنظّمة الخيرية، وهو كما يزعم يستخدم شبكة علاقات والده السياسية من أجل تأمين الدعم المالي للمنظمة. وتقول بعض المراجع إن بلال عمل ضمن الهيئة الإدارية للمنظمة، لكن موقعها الحالي لا يدرج اسمه ضمن أعضاء مجلس الإدارة. ووفقا لتقرير المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب، فإن الميزانية السنوية لمؤسسة الإغاثة الإنسانية التركية تبلغ 100 مليون دولار تصرف على عمليات ميدانية في أكثر من مئة بلد بالتعاون مع شركات تابعة لجماعة الإخوان المسلمين في جميع أنحاء العالم. أما تمويلات المؤسسة فتأتي من المساهمين الرئيسيين في تمويل حزب العدالة والتنمية، الحاكم في تركيا، الذين يضطرون لدعم المؤسسة الخيرية وإلا فإن أسماءهم ستحذف من قائمة المفضلين لدى الحزب وبالتالي يفقدون العقود الحكومية. كما يصل التمويل من رعاة دوليين، من بينهم ياسين القاضي، وهو رجل أعمال سعودي على صلة بتنظيم القاعدة وله علاقات وثيقة مع أردوغان، وفق ما جاء في تقرير ديفيد ل. فيليبس، الذي يذكر أيضا يوسف القرضاوي وعبد المجيد الزنداني كأبرز داعمي المؤسسة التركية الخيرية التي حظرتها إسرائيل عام 2008 بسبب تورّطها في عمليات غسيل أموال من أجل تمويل حركة حماس. حاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته أحمد داود أوغلو تنويع التحالفات التركية في الشرق الأوسط بالاعتماد على أجنحة الإخوان المسلمين في جميع أنحاء المنطقة وعملائها مثل مؤسسة الإغاثة الإنسانية التركية ووصل الأمر إلى حد دعم التنظيمات الجهادية، على غرار ما يحصل مع تنظيم داعش، في خطوة وصفها فيليبس بأنها نوع من التفكير الساذج، فتركيا اعتقدت أنه يمكنها السيطرة على داعش، ولكن كان أردوغان مخطئا. ويؤكد خبراء أن غرور أردوغان و»حقده» جعلاه يعمل على دعم الجماعات الإرهابية، انتقاما من الولاياتالمتحدة وحلفائها ومن أوروبا التي رفضت انضمام تركيا إلى اتحادها، وانتقاما مزدوجا من دول المنطقة العربية، التي رفضت شعوبها تطبيق نموذج العدالة والتنمية عليها، وثارت ضدّ تنظيمات الإخوان المدعومة من الحزب الحاكم في تركيا، ناهيك عن الطموح التاريخي لأردوغان وأنصاره من «العثمانيين» الذين أرادوا غزو الشرق الأوسط من جديد ولكن على حصان الإخوان هذه المرّة، إلا أن اللجام انقطع بهم فتحوّلوا إلى تمويل الإرهاب. غول: داعش «حركة سياسية لا دينية» من «عراب» الدولة الإسلامية؟ كتب الصحفي التركي جنكيز كاندار في أحد التقارير أن وكالة الاستخبارات التركية (MIT) كانت «القابلة» التي ساعدت في ولادة الحركة السنية المسلحة، ويقصد بها تنظيم داعش. ففي عام 2012، قدّمت تركيا السلاح والدعم اللوجستي للجهاديين الذين يقاتلون ضد النظام السوري ومن أجل إجهاض ظهور كردستان المستقلة في سوريا، لأن نجاح أكراد سوريا، ستكون له تداعياته على القضية الكردية في تركيا. وكانت الرعاية الأولى من خلال تولي تركيا عمليات تنسيق لوازم السفر والمدفوعات والأسلحة لداعش والنصرة والجبهة الإسلامية. وتذكر تقارير استخباراتية اسم مؤسسة الإغاثة الإنسانية التركية كأحد المشرفين على ذلك. ويذكر ديفيد فيليبس، في هذا السياق، أنه تم في شهر يناير 2014، إيقاف شاحنة تابعة للمؤسسة الخيرية، كانت محملة بالأسلحة والذخيرة في طريقها إلى سوريا. وقد حاول المدعي العام في مدينة هاتاي التركية فتح تحقيق في القضية، لكن تم منعه. وعندما قدّم شكوى جنائية ضد عرقلة سير العدالة من قبل وزير الداخلية التركي والمخابرات التركية، أقيل، كما طرد رجال الأمن الذين أوقفوا السيارة. وقال محافظ هاتاي، في ذلك الوقت، إن العملية كانت من «أسرار الدولة». وتتدفق التقارير حول شاحنات، يعتقد أنها محملة بالأسلحة، في أضنة وكيليس وغازي عنتاب وقيصرية على الحدود التركية مع سوريا. ويصف سكان كيليس التواصل اليومي بين المسؤولين الأتراك على أحد جانبي الحدود وداعش على الجانب الآخر. ووفقا لطبيب تركي، تنقل سيارات الإسعاف للمستشفيات التركية على الحدود مع سوريا جرحى الحرب أغلبهم لا يملك أوراقا ثبوتية أو هوية. وتغطي وزارة الصحة نفقاتهم. 10 بالمئة نسبة المقاتلين الأتراك في صفوف تنظيم داعش ويذكر فيليبس أن أحد قادة تنظيم داعش في سوريا، المدعو أبو محمد، تم تصويره وهو يتلقى العلاج في مستشفى تركيا في هاتاي في أبريل عام 2014. وتقدّر التقارير أن المقاتلين الأتراك يمثلون 10 بالمئة من مقاتلي داعش. وكانت صحيفة »واشنطن بوست« نشرت لقاء مع مقاتل في »داعش« يُدعى أبو يوسف، أقرّ بتلقي الدعم بالأسلحة والإمدادات من تركيا، وأشار إلى أن »معظم المقاتلين الذين انضمّوا إلي التنظيم في بداية الحرب أتوا من تركيا«، كذلك أكد أن رقما مرتفعا من المقاتلين تلقّى علاجا في مستشفيات تركيا«، مقدما الشكر للأتراك على »نجاح داعش الحالي . وهكذا، وبمعرفة أردوغان أو دونها، استمر قطار داعش المريع في التقدّم في سورياوالعراق، ووسط تصاعد مخاوف تركية من أن يصل إلى الداخل، وينقلب السحر على الساحر، فهذا التنظيم الذي انقلب على تنظيمه الأم، «القاعدة» وانقلب على شريكته التي ساعدت على تطوره، جبهة النصرة، لن يجد غضاضة في أن ينقلب على إخوان تركيا ومن والاهم. وكما قال أبو يوسف فإن «قوة التنظيم التي زادت كثيراً في الآونة الأخيرة، باتت تُغنيه عن الاعتماد على الحدود التركية، وحتى عن الأسلحة الآتية من تركيا، حيث »بات بإمكاننا الحصول على ما يكفي من الأسلحة في العراق وفي سوريا أيضا«.