منذ نعومة أظافرها،تحب أن تكون مميزة،أمَا كانت تعصِب جيدها وجبهتها بإكليل من القرقاص وشقائق النعمان مثل الهنود الحمر،وتختال وتتبختر مثل الأميرات؟ ولمّا دانت لها الدنيا،حتى أصبح الناس يخطبون ودها،أمعنت في الكبرياء والخُيلاء،بقفاطنها وتكشيطاتها المرقطة والمزركشة وشرابيلها وعِصابها وحزامها(مضمتها) الذهبية ودمالجها الفضية وأقراطها و قلادة ذهبية وعقيق بجيدها وخواتمها الذهبية الخمسة الثمينة ، وتسريحة شعرها المتشح بالاسود الناصع ووشمة(سيالة) بذقنها، وجسمها الثخين ومقلتيها السوداوين وابتسامتها العريضة ولكنتها البدوية،فخرا بمغربيتها، واعتزازا بكونها المرأة التي ناضلت من أجل المرأة،لدحض الدونية عنها،ولتأكيد حريتها واستقلاليتها وقدرتها على البذل والعطاء. ما أحوجنا،مرة مرة، أن نعرض لأناس من عيار الشعيبية، نتحدث عن تفتق قرائحهم وملكاتهم ونبوغهم ، فالشعيبية، فلتة من فلتات الزمان التي يعز تكرارها،وذكرى وصنيع سكّ الاعتبار للمرأة وشهدَ على نضال شرس رسخت خلاله وجودها في عالم الفن،وبزت رجالاته من مثقفي الستينيات بوجه خاص،وأفحمت كثيرا من فناني الغرب ورفعت راية المغرب عاليا أمام الناس وأمام التاريخ. *الشعيبية ومواقف مثقفي الستينيات يرى بعض الفنانين والمثقفين أن الشعيبية رائدة الفن الفطري، يعني من الفطرة أي العفوية والتلقائية، ويأبى البعض إلا أن يمعن في التفسير، فيضيف مفهومي البساطة والسذاجة تنقيصا وتحقيرا لممثلي هذا الاتجاه. *محمد شبعة والاتجاه الفطري في المغرب، وقف بعض الفنانين ومثقفي الستينات من هذا الاتجاه موقف رفض ونفور وتصد على المستوى الإبداعي. ومثّل هذا السلوك بوجه خاص مجموعة 65 في إشارة إلى مجموعة الدارالبيضاء: فريد بالكاهية، محمد المليحي، محمد حميدي،مؤرخة الفن الايطالية طوني أنطونيلا مارايني Toni Antonella Maraini والجماع الهولندي Bert Flintبيرت فلينت.. ومحمد شبعة الذي يقول:"لقد كنت على حق - وكان ذلك ضروريا- أن أناهض ذلك، ولكننا لم نكن نناهض الفنانين..كنا نناهض التوجيه والتأطير والتحريف الذي كانت تقوم به جهات معروفة للأسف. إن هذه السياسة، أجهضت ما كان يمكن أن نقوم به نحن في ظروف أخرى، من استقطاب لبعض التعابير الشعبية وحمايتها وتطويرها، ولكن في إطارها الشعبي: أي أنه لا يمكن أن تحول فنانا فطريا، وأقصد بالفطرة الأمية الأدبية، بحيث يفكر بشكل منهجي في عمله ويعبر عنه وينشئ خطابا حول أعماله. هذا النموذج من الفنانين، هو الذي كنا نريد أن نحتضنه ونؤطره. فليس لأنه فنان شعبي تلغى عنه هذه الضرورة، إنما نريد أن يكون الفنان الشعبي قادرا على الانتقال إلى مرحلة محترمة وهذا لم يتم" . *الغرب يشجع الاتجاه الفطري كانت مجموعة 65 أو مجموعة الدارالبيضاء ومن يمشي في ركابها، ترى أن الفنانين الذين يطلق عليهم نعت "الفطريين"، على شاكلة سعيد ايت يوسف (راعي) ومحمد الناصري (اطاراتي) ومحمد لكزولي (حلاق) و عبد الرزاق سهلي (كوامنجي).. إنما جاءوا عالم الفن كما جاءوا هذا الوجود أول مرة،لا يملكون أي علم أو معرفة أو تذكّر، وبدأوا يَحْبون شيئا فشيئا، ولولا الأجانب الذين مدّوهم بالخبرة والتوجيه وكذا مستلزمات الرسم، وشرعوا باب الاحتراف الفني والمعارض والمتاحف الوطنية والدولية في وجوههم،ماكان لنجمهم أن يبزغ ولا لذكرهم أي معنى: فالرسام الايرلاندي السيرجون لافيري دعم محمد بن علي الرباطي الذي كان طباخا لديه، وبرّز الرسام جاك أزيما، موهبة الرسم والتلوين لدى الفنان أحمد بنعلال، الذي كان يشتغل طباخا عنده، والرسام الأمريكي فريدريك بول بولز الذي زار طنجة في الأربعينيات، أخذ بيد فنانين بسيطين يدعيان محمد الحمري وهو صاحب مطعم صغير وأحمد بن ادريس اليعقوبي الذي كان من صعاليك مدينة طنجة ، وساند ج.لوران الفنان عبد السلام بن العربي، واحتضن الفنانان السويسريان فويكس مولاي احمد الدريسي،الذي كان مرشدا سياحيا،والذي استفاد أيضا من الفنانة السويسرية ليوفيو، وساعد المهندس سميث عبد السلام بن العربي الفاسي، وشجع الجينرال كوديير مؤسس متحف الفن الحديث بنيويورك حسن الكلاوي، وساندت الفنانة الفرنسية/اليهودية جاكلين ماتيس بروتسكيس البستاني أحمد الورديغي وزوجته فاطنة الورديغي وفاطنة بنت الحسين وفاطمة حسن وحسن الفروج..ومحمد لكزولي. من هنا نعي ونتفهّم الغيرة التي سببها الغرب لجيل من الفنانين التشكيليين الحداثيين الذين عبّوا من معين الفن التشكيلي بالغرب، فتشجيع هواة "سُذّج"، يرسمون بالفطرة والعفوية، لاتمرّنَ ولا تمرسَ ولا احتكاكَ ولادراية لهم بالألوان أو الخطوط أو المساحة أو البياضات أو المواد التشكيلية.. ولا أي شيئ، يسئ إليهم حتما.لهذا شددوا -دفعا لهذا الحَجْر الأجنبي-على أن تصحب الممارسة الفنية الخطاب النقدي النظري، قطعا للطريق على الغرب الذي إنما أراد بتشجيعه لهؤلاء الفطريين أن ينقص من قيمة الفن التشكيلي المغربي، ويظهره فارغا،مبتذلا وبدائيا. ولئن كان الاتجاه الفطري قد لقي - بحسب البعض - رعاية خاصة وكافية من الغرب، ما جعله دخيلا وابنا غير شرعي للحركة التشكيلية المغربية، فإن الرأي لدى بعض آخر، أن الفطريين الذين اقتنت متاحف الفن الخام بسويسرا أعمالهم،أو عرضوا في أبهى وأشهر قاعات العرض بأرجاء العالم، وتتخذ أعمالهم اليوم مكانها الى جانب فطاحلة الفن العالمي،وضمن المجموعات العامة والخاصة لكثير من جماعي الإبداعات التشكيلية الأثيرة، ووثق لها مؤرخو الفن وخصها نقاد الفن العالميين بالدرس والتحليل، لم ينسجوا على منوال الفنانين الغربيين،رغم أنهم عايشوا تيارات واتجاهات فنية غربية، فقد عبرواعن الأصالة والخصوصية الاجتماعية واستلهموا التراث الشعبي والعادات والتقاليد وأعادوا من جديد صوغها بأسلوب فطري خاص.. تناولوا دقائق المحيط الذي يعيشون داخله والفلكلور بأحلام وتطلعات بسيطة للغاية في منأى عن طرائق التكلف والإغراب والتعقيد ،وبالتالي فالاتجاه الفطري يكون فنا قائم الذات،وإلا ما عرف الاستمرارية إلى اليوم. بخصوص الشعيبية، فقد اختلف في أمرها النقاد والدارسون، فمنهم من يقول إنها فطرية، ومنهم من يقول إنها ليست كذلك، ومنهم من يقول إنها صاحبة مدرسة بقضّها وقَضِيضها. *الشعيبية فطرية تؤكد مؤرخة الفن طوني مارايني أن الفنانة الشعيبية طلال تنتمي إلى "الفن الفطري الساذج"، بل تعتبر رائدة له، إذ أعمالها خالية من أي قيمة تشكيلية، وعبارة عن خطوط ولطخات وبصمات ملقاة دون تفكيرمسبق. *الشعيبية تنتمي إلى مدرسة "الفن الخام" يصرح الفنان حسين طلال، أن الشعيبية تنتمي إلى مدرسة "الفن الخام" التي أنشأها "جون دو بوفيه"، مؤسس متحف الفن الخام بلوزان. وسار على هذا الرأي الناقد الفني بنيونس عميروش، إذ جعل تعبيرها الصباغي يندرج في ما يصطلح عليه "الفن الخام"، حيث تتنكر أعمالها الفنية لجزئيات وتفاصيل العمل، وهي بفضل ميلها إلى التسطيح والتبسيط ومحاكاة الواقع المرئي وإخضاع التمثيل للتعبير، وانتمائها إلى الطفولة المستدامة، تنزاح عن الفن الساذج.. ومن المعروف أن الشعيبية قد عرضت بأشهر أروقة الفن الوحشي (آر برووت)،وفي متحف لوزان، بفرنسا . *الشعيبية تنتمي إلى المدرسة الميكسيكية يذهب الشاعر والناقد الجمالي طلال حيدر إلى أن "الألوان في لوحات الشعيبية أجرأ من الخطوط على مجابهة العين، وأن الشعيبية في صنيعها التشكيلي هذا توحي بأنها متأثرة بالمدرسة المكسيكية"،وينسب البعض الشعيبية إلى المدرسة الواقعية الساذجة، بدعوى أنها " تتعامل مع معطيات المرئي والمحسوس بنظرة فنية بدائية" . *الشعيبية تنتمي إلى مدرسة كوبرا كوبرا: ليس بمعنى الأفعى، بل هو-يقول الناقد الفني اسماعيل زاير- اختصار من الأحرف الأولى لعواصم كل من الدانمارك(كوبنهاكن) وبلجيكا (بروكسيل) وهولاندا(أمستردام)، مؤسسوها فنانون مثقفون.تميزت لوحة كوبرا بكثافة الطبقات اللونية وغرابة وبدائية تكوينها الذي يوجه في بعض الحالات نحو خلق أشكال أسطورية وطفولية وتكوينات من موروث الفن الشعبي للشمال بما في ذلك رموزه السحرية الخرافية وفي حال استخدام الوجه البشري. عندما حضر الفنان كورنييه أعمال الشعيبية بفرنسا، جثا على ركبتيه منبهرا معجبا، مثمّنا فنها. بعد هذا الموقف بعام، تعْرِض الشعيبية في روتردام مع هذا الفنان الشهير. ولم يفت وسائل الإعلام الهولاندية تغطية هذا الحدث الذي تشارك فيه الشعيبية بزيها التقليدي إلى جانب كونييه فنان كوبرا العملاق الذي تُقتَنى أعماله بأموال طائلة، كما تعرض في مرحلة لاحقة مع رواد الفن الخام أمثال نويل فيلودو، كوربازألواز، أدولف وولف، غاستون شيساك،أوغيستون لوزاج.. تنتمي الشعيبية لجماعة كوبرا بناء على بعض القواسم المشتركة، فهي تلتقي معهم في: رؤية مشتركة للفضاء(غير الموجود) وفي بعض الاشكال الخطية للرسم والطابع الحكائي والمشهدي .. *الشعيبية لاتنتمي لمدرسة كوبرا لاتنتمي الشعيبية لمدرسة كوبرا لأنها تتميز- يقول الاستاذ محمد برادة- عن فناني (كوبنهاكن وأمسترداموبروكسيل) بغياب النزعة الإرادية المتعمدة لخلخلة التعبير المنظم للفن. *الشعيبية ليست فطرية اعتبر الزميل الدكتور حسن نجمي أن الشعيبية غير فطرية. فهي المرأة الأصيلة الملوِّنة فنا وروحا ونظرات لم تكن "ساذجة" أو"فطرية". كانت فنانة بالمعنى العميق والجوهري، فنانة بالمعنى الإبداعي والإنساني. فنانة فقط. الشعيبية وحدها مدرسة تتأبى الشعيبية على كل تصنيف مدرسي وتنظير عقلاني أو مدرسة أو تيار فني معين. إن الشعيبية- يقول اندري لور- ليست وحشية ولا بدائية.انها فقط تنتمي الى ارض متحجرة حيث إن البراءة والثقافة الشعبية والدم الحار، لاتزالان ترويان القلوب والرؤوس.".