-هل يمكن للديمقراطية أن تضفي المشروعية على التراث الديني؟ -هل يمكن للديمقراطية أن تضفي نوعا من العقلانية على التراث الديني؟ -هل يمكن للتراث الديني أن يكون سندا للعقل والعقلانية؟ -هل يمكن تلقيح الديمقراطية بأفكار أصولية؟ -هل بالإمكان التوفيق بين الأصولية و الديمقراطية؟ أسئلة تهاطلت على ذهني كالمطر وأنا أتابع التصريح الذي خرج به مؤخرا وزير العدل والحريات العامة مصطفى الرميد. والذي أكد على اثره أنه سينسحب من الحكومة إذا ما تم إضفاء الشرعية حول المسألة المتعلقة بالجنس خارج مؤسسة الزواج، والأكل أثناء رمضان في المجال العام و المثلية الجنسية. ما صرح به الرميد دليل على أنه يسير وفق نهج أصولي متكلس منغلق على ذاته، يسخر مفاهيم الحداثة السياسية والقانونية دون التردد في التنكيل بها ومقتها،إن هذه المحاولات البئيسة كالتي يقوم بها الرميد وأتباعه، والتي تسعى إلى تلقيح الحداثة القانونية بالأصولية والباسها لبوسا بعثيا إحيائيا، لن تساعدنا على تشييد حداثتنا وعلمانيتنا، بقدرما ستوسع من دائرة تأخرنا التاريخي. عندما قرر الرميد وأتباعه الخروج إلى الشعب ومطالبته ب"شرعية" لدخول البرلمان، يعني من بين مايعنيه، أن الشرعية التي كانوا يتلمسونها من خارج أسوار دولة الحق والقانون، أي من الماضي السحيق، قد أصبحت مدار أخذ ورد داخل الحزب المتأسلم الذي ينتمون إليه. الرميد وحزبه قررا إذن الدخول إلى البرلمان ورئاسة الحكومة عن طريق ثقافة الصندوق التي أنتجها الغرب، لكن ما إن دخل الرميد وحزبه البرلمان وترأسا الحكومة، حتى انقلبا على الصندوق وعلى ثقافة الصندوق. إذ يمكن استيراد الصندوق وتسخيره مادام لا يمس جوهر السلفية وحمولاتها الإديولوجية حتى يثبت العكس. هذا المنطق الأصولي لا يجد نفسه إلا مجبرا على استيعاب منجزات الحداثة ،لكن لا بمنطقها وإنما وفقا لحدود الخارطة الذهنية الأصولية. متى سيدرك الرميد وأمثاله أن الديمقراطية التي ينادون بها لا تتطابق مع فكرهم الأصولي، بل لا يمكن تشييدها دون هدم الجوهر الأصولي؟ لا يمكن للديمقراطية أن تتأسس إلا على عقلنة تغير نظرتنا إلى أنفسنا وللعالم فكريا. عقلنة تفكك العقل الجوهراني الديني الذي تحيط به الأسلاك الدوغمائية الشائكة. عقلنة تنزع السحر والمدهش عن ذواتنا التي لازالت ملكا لكهنة الدين والسحر. نخبنا السياسية تتبنى التحديث بدون حداثة، لازالت بعيدة كل البعد عن تلك الكلية الواسعة التي تتضمن أبعادا سياسية وثقافية واقتصادية. فتاريخيا تقود الديمقراطية من يتبناها إلى العدالة الاجتماعية والعلمانية وربما الأهم إلى مسؤولية الدولة وحكم القانون، في حين أن نخبنا السياسية لا تنتقي من الحداثة والديمقراطية إلا قشورها، تلك القشور التي لا تقوى على تفكيك البنى الراكدة المتحكمة في العقول.