طالما أطلق عليه التونسيون لقب «خميني تونس»، ورغم ذلك، فإن هذا الزعيم الإسلامي التونسي لا يملك من الصفات ما يربطه بهذه الشخصية الشيعية، الذي جسدت عودته إلى إيران سقوط نظام شاه إيران. وظل هذا الرجل، قائد الحركة الإسلامية التونسية المحظورة «النهضة»، يقوم انطلاقا من مقر إقامته بلندن، حيث يعيش منذ عقدين من الزمن، يقوم بدور المتفرج، أكثر من الفاعل خلال ما أُطلق عليه «الثورة». وجاء في ما صرح به لصحيفة «ليبراسيون» الفرنسية أنه سيعود لتونس خلال «يومين أو ثلاثة». ورغم وضعية اللاأمن التي يتخبط فيها البلد بسبب ميليشيات السلطة المخلوعة، ورغم إدانته بالسجن مدى الحياة منذ سنة 1992، فإنه يقول «إن تلك الإدانة تمت إبان فترة النظام السابق، ولا قيمة لها اليوم.» ونفس الشيء ينطبق على قرار حظر حركة «النهضة»، الذي تم اتخاذه مع متم عقد الثمانينات من القرن الماضي. في البداية كانت الأمور تسير على ما يرام بين بن علي والغنوشي، الذي استفاد من عفو رئاسي بعد أن سبق صدر في حقه حكم بالإعدام أيام حكم الحبيب بورقيبة. واعترافا منه بالجميل لبن علي، قام الغنوشي بحذف كل إشارة إلى الإسلام في تسمية الحزب، وقبل بمنح المرأة وضعا متقدما (حيث تعدد الزوجات ممنوع، والإجهاض مسموح به). لكن عندما قرر حزب النهضة تقديم مرشحين للمشاركة في انتخابات سنة 1989، تغيرت الأمور، إذ ادعى الحزب أنه حصل على 22 بالمائة من الأصوات، في حين أن حزب التجمع الدستوري الديمقراطي، الذي كان يقوده بن علي، حصد كل المقاعد. وهناك بدأ اضطهاد حزب الغنوشي، وتم وضع 30 ألفا من الإسلاميين وراء القضبان، وحُكم على معظمهم بالسجن تتراوح ما بين خمس سنوات ومدى الحياة. ولن يغادر أحد نشطاء الحزب، صدوق شورو، السجن إلا بعد مرور تسعة عشر عاما. وتم الإفراج عن أغلب النهضيين في ما بعد...لكن بعد أن تم كسر شوكتهم. وظل الغنوشي في المنفى، منقطعا عن حزبه، وهاهو اليوم يسعى لإعادة بناء كل شيء. يقول: «لقد تم إضعاف جميع الأحزاب بسبب الاضطهاد. وتلزمنا خمس أو ست سنوات قبل أن نتمكن من تنظيم انتخابات ديمقراطية.» وخلال هذه المرحلة الانتقالية، يعلن زعيم حزب النهضة عن استعداده للمشاركة في الحكومة «إن كان هذا سيفيد في شيء». لكنه يرفض ان يكون هو من يطلب ذلك، ويقول: «لحدود الساعة، ليس ثمة أي اتصال بي.» ومن المفترض أن يكون رئيس الوزراء، محمد الغنوشي، قد اتصل أول أمس ولأول مرة بحمادي جبالي، المتحدث باسم حزب النهضة. الشرط الوحيد الذي يطالب به راشد الغنوشي هو «حل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي، وألا تضم الحكومة الانتقالية شخصيات ترمز للنظام القديم.» وما ينتظره المتتبعون الآن هو التأثير الذي قد تخلفه عودته إلى البلد. ففي سن التاسعة والستين، لا يزال اسم الغنوشي بعيدا عن أذهان معظم التونسيين، سيما الفئة الشابة منهم، التي لم تتح لها فرصة الاستماع لأستاذ الفلسفة هذا، الذي كان يُعتبر أحد أبرز المفكرين في مجال الإسلام السياسي في جيله، جنبا إلى جنب مع المفكر السوداني الآخر حسن الترابي. ويراهن في الوقت الحالي على مكانته في أوساط أطر حزب النهضة الذين يعيشون في تونس من أجل ضخ دماء جديدة في شرايين هذا الحزب. وبالنسبة للذين يتخوفون من انزلاق محتمل للبلد نحو الأصولية، يقول راشد الغنوشي: «لقد حاول بن علي أن يربطنا بالأصولية والإرهاب. وتلك كذبة. نحن أقرب إلى حزب العدالة والتنمية التركي. نحن ندافع عن الديمقراطية وعن أوضاع المرأة التونسية. إننا نقود حركة سلمية ومعتدلة.» وأكد على أن أكثر من 400 عضو من حزب النهضة حصلوا على صفة لاجئ في الدول الغربية، و«لم يتم قط التشكيك في أي منهم في علاقته بالإرهاب». ويضيف بالقول: «لا يمكن اليوم لأي حزب أن يدعي بأنه صاحب الأغلبية في تونس، ولا يمكن تسيير البلد إلا بواسطة حكومة ائتلاف.» ويقول أحد الأطر العليا بحزب النهضة إن الحزب لا ينوي تقديم مرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.