فاجأت انتفاضة تونس التي انطلقت شرارتها الأولى قي بلدة سيدي بوزيد الصغيرة يوم 17 ديسمبر 2010، وما أسفرت عنه بعد حوالي 28 يوما من إسقاط الرئيس زين العابدين بن علي، الكثير من العواصم حول العالم. الحكومات الأوروبية وخاصة الفرنسية كان تقديرها حتى الأسبوع الأول من شهر يناير 2011 أن حدة المظاهرات والاحتجاجات وأعمال العنف التي شملت جزء هاما من كبرى المدن التونسية مآلها إلى التراجع، وتمكن قوات الأمن التونسية من السيطرة على الوضع وإسكات المعارضة. العديد من ساسة العالم انتظروا أن تكون النتيجة مشابهة لأحداث العنف التي وقعت نهاية سنة 2006 وبداية 2007 وأسفرت عن وقوع عشرات القتلى في صفوف التونسيين وإن اختلفت التعربفات التي أطلقت على تلك المواجهات في حينها، حيث ذكرت المصادر الحكومية أن المواجهات كانت مع تنظيمات إرهابية مسلحة. كثير من المحللين النافذين إلى مراكز القرار في الدول الغربية وخاصة تلك التي لها علاقات وروابط وثيقة مع تونس ذكروا أن الإضرابات التي بدأت بصفعة وإهانة وجهتها شرطية لبائع خضروات في بلدة سيدي بوزيد قام أثرها بإحراق نفسه احتجاجا، والتي تطورت إلى مظاهرات طالب فيها المحتجون بثمن لدم التاجر المتجول البوعزيزي ثم انتقلت الى مطالب اقتصادية واجتماعية وسياسية ثم توسعت بدعوات لإنهاء الفساد، يمكن التعامل معها بإصلاحات سياسية واقتصادية ووعود بإيجاد فرص عمل وتقليص هامش كبت الحريات. هؤلاء المحللين بنوا تقديراتهم على أن تونس وإن كانت قد عانت خلال سنوات 2008 و 2009 و 2010 من إسقاطات الأزمة الاقتصادية العالمية غير أنها تمكنت من الحفاظ على وضع اقتصادي أفضل من العديد من الدول في منطقتها، ولهذا فإن استقرارها غير مهدد بشكل جدي. وأضافوا أن تونس استطاعت قبل ذلك تجاوز النتائج السلبية التي نتجت عن رفع الحصار الأمريكي على ليبيا وضياع دورها في الاستمرار جسرا ومنفذا اقتصاديا لجارتها على أوروبا وبقية دول الغرب. كانت تونس تملك اقتصادا منفتحا تشيد به أجهزة صندوق النقد الدولي لتحرره واصلاحاته الهيكلية. وكانت الحكومة تدفع بإتجاه تعليم النساء وتحقيق المساواة ونجحت فيما يبدو في كبح جماح التشدد عن طريق قمعه بلا هوادة. وتقول الهيئات الاقتصادية الغربية أن حكومة بن علي هيأت في البلاد مناخا استثماريا آمنا، وكانت تهدف إلى أن تصبح المركز المالي لشمال أفريقيا بدءا بإصلاح كبير للقطاع المصرفي. ويضيف هؤلاء أن تونس في السنوات القليلة الماضية تقدمت على البرتغال وايطاليا واليونان في تصنيف التنافسية للمنتدى الاقتصادي العالمي، رغم أنها مازالت فقيرة نسبيا على أساس نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي والمقدر ب 8002 دولار سنويا. ما نسيه هؤلاء المحللون أن البطالة في تونس تجاوزت مع نهاية سنة 2010 نسبة 14 في المائة، ولم تنجح السياسات المتبعة في فتح آفاق جديدة للتشغيل داخل المؤسسات الكبرى سواء في القطاعين العام أو الخاص أو عن طريق تشجيع المقاولات الصغيرة والمتوسطة. وزيادة على ذلك سجل مراقبون مستقلون أن سكان العديد من المناطق التونسية خاصة تلك البعيدة عن السواحل على المتوسط شعروا انهم مهمشون ولا يتمتعون بعناية الدولة. وقد نقلت وكالة فرانس برس يوم 20 يناير عن رشدي هورشاني وهو قريب البوعزيزي قوله «اذا أردت انشاء شركة ستجد كل الخريجين الذين تحتاجهم هنا. من مهندسين وأطباء ومحامين ومعلمين وجميعهم لا يعملون». وأضاف «اذا ذهبت الى سوسة وهي المنطقة التي ينتمي لها الرئيس بن علي لن تجد خريجا عاطلا. المسألة كلها كانت متعلقة بالفساد والرشى.» فساد يقول المحلل بيير بريانسون انهم ببساطة نسوا الجزء المتعلق بالديمقراطية، وإذا كان قد تم توفير مناخ جيد وأمن للاستثمار فإن أكثر الفرص ربحية تم توجيهها من خلال الأسرة الحاكمة. واختار الدبلوماسيون والممولون ورجال الأعمال في العقدين الماضيين تجاهل أن تونس دولة بوليسية فاسدة واعتبروها دولة مرحبة للغاية بالسياح. لقد كانت تونس من الأماكن التي يسعد المستثمرون بأن يتمتعوا فيها باقتصاد السوق المزدهر ولا تكون لديهم متطلبات كثيرة بشأن السياق السياسي. هناك من يفضلون غض الطرف عن الانتهاكات والفساد ويتمسكون بالمثل القائل انك لا يمكنك أن تصنع العجة دون أن تكسر بعض البيض. إن الأحداث التي شهدتها تونس لا يمكن وصفها بأنها انتفاضة خبز على الرغم من أن الانهاء التدريجي للدعم على الغذاء وارتفاع التضخم كان لهما دور في إشعالها. إن ما يظهره ذلك هو أنه في عهد توافر المعلومات الفورية والشبكات الاجتماعية لا يمكن أن يجتمع اقتصاد منفتح مع دولة بوليسية. كتب الدكتور خالد الطراولي الأستاذ الجامعي التونسي المقيم في فرنسا، والحاصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة باريس في بداية شهر ديسمبر 2010 أي قبل أيام من أندلاع شرارة الانتفاضة: «الصورة الجميلة للحالة التونسية أخفت السلبيات الهامة التي مثلت عند البعض مستلزمات الطريق التي يمكن التغاضي عنها نظرا لعدم أهميتها. كانت الأرقام تتوجه غالبا إلى مستوى الانتاج، وكانت المعدلات تركز على القفزات في مستوى الكم، ووقع تجنب أو التغاضي عن البعد الهام في أي عملية اقتصادية ناجحة وفي كل نموذج للتنمية وهو بعد التوزيع. ولذلك فقد حازت تونس على المرتبة السابعة من بين 135 بلد في مجال الانجازات الانمائية طويلة الأجل، واحتلت المرتبة 81 من 169 بلد في مجال التنمية البشرية لسنة 2010. لقد وقع خلط في مستوى الأذهان والتعريفات بين النمو والتنمية، فإذا كانت «المعجزة الاقتصادية التونسية» قد نلمسها في مستوى الإنتاج والأداء، فهل كانت معجزة في مستوى التوزيع بين الأفراد والطبقات، وفي درجة التوازن بين الجهات والمحافظات؟. إن النموذج الناجح اقتصاديا هو النموذج الذي يلامس الجميع إيجابا ولا يترك أحدا على الرصيف، وهنا بيت القصيد وهنا تكمن إحدى أبرز إشكاليات التنمية في النموذج الاقتصادي التونسي منذ وقع تحرير الاقتصاد في السبعينات. إن هذه القطيعة بين داخل البلاد وشريطها الساحلي، والتي مثلت خندقا بين الجهات وبين المدينة والريف، نلمسها في مستوى الإنفاق السنوي للفرد. فإقليم تونس يحمل أعلى مستوى إنفاق للفرد سنة 2005 حيث قدر ب 2390 دينار سنويا وبين الوسط الغربي موقع الإحتجاجات الذي يسجل أدنى متوسط 1138 دينار. وهي نسبة كانت تمثل 50 في المائة من إنفاق إقليم تونس سنة 1990 ليستفحل الوضع وتزداد الفجوة فلا يمثل إلا 47 في المائة. إن تداخل السياسة بالاقتصاد ليس شيئا مبتكرا، غير أنه في المشهد التونسي أخذ طابع الولاء والقرابة. ولا يمكن لنموذج تنموي النجاح وهو يعتلي مركبات المحسوبية أو الفساد. والحكم الرشيد يتنزل في إطار من الشفافية والقوانين الملزمة للجميع. فالأمن الاجتماعي والاستقرار الداخلي والرفاه الاقتصادي مرتبطون بدولة القانون وسيادته، ومتى انحل العقد القيمي وانحسر البعد الأخلاقي وانهزمت دولة القانون وغلب الجور الاقتصادي وتهمشت كرامة المواطن وحقوقه وحلت الفوضى، فإن الاستثمار الداخلي والخارجي يهاب الفتنة واضطراب الأوضاع ولا يدخل البلاد. مسلسل اصلاحات نجحت انتقاضة تونس في بدء مسلسل اصلاحات يتطور تدريجيا، ووسط الجدل الجاري حول أي مدى يجب فيه السير في هذا التحول، تتصاعد الكثير من الأصوات التي تحذر من الفوضي الممنهجة والموجهة من طرف قوى محلية وخارجية، وكذلك من سرقة الإنجازات المحققة من جانب انتهازيين سياسيين. ويضيف هؤلاء يجب أخذ الدروس من تجربة الصومال حيث تحالفت دون تنسيق مسبق قوى محلية وأجنبية في نطاق ما سماه المحافظون في الولاياتالمتحدة بالفوضى الخلاقة لتحويل الصومال إلى شبح دولة تخدم الفوضى فيها كل القوى الطامعة في الهيمنة على منطقة القرن الأفريقي ومدخل البحر الأحمر. التجربة التاريخية خاصة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أثبتت كيف نجحت أو فشلت قوى استعمارية في سرقة إنتفاضة وكفاح شعوب لتوسيع مناطق نفوذها حتى على حساب دول استعمارية أخرى، وكيف تم استغلال أوضاع معينة لتدمير قوى هددت هيمنتها. حروب الصين ومنطقة الهند الصينية جزء من هذه التجارب والمواجهات. أحداث غامضة بعد 48 ساعة من مغادرة بن علي لتونس تم الكشف عن أحداث غامضة تبعث على الحذر، فيوم الأحد 16 يناير ذكرت الشرطة التونسية انها اعتقلت أربعة أجانب يحملون جوازات ألمانية قرب مطار تونس ومعهم ترسانة من الأسلحة، وبعد ذلك بفترة قصيرة قالت الشرطة أن شخصين يشتبه في ضلوعهما في حادث اطلاق للنار خارج مقر الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض في وسط العاصمة يحملان جوازي سفر سويديين. وأبرز شرطي تونسي لمراسل رويترز جوازي سفر سويديين أخذا من المشتبه بهما في الموقع. وفي وقت سابق قال بيان للحزب ان الشرطة والجيش أوقفا شاحنة تقل مسلحين من بينهم أجانب وبعد ذلك اطلقت أعيرة نارية. وأضاف ان قوات الأمن طاردت المسلحين الى مبان سكنية قريبة. وقال الشرطى ان تونسيا واحدا اعتقل كذلك وان الشرطة لا تزال تبحث عن مسلحين اخرين في المباني السكنية. وذكر أن المسلحين كانوا يقودون سيارتي أجرة ومعهم أسلحة مخبأة في حقائب كاميرات، ونقل التلفزيون الحكومي عن مصدر أمني قوله أن أربعة أشخاص يحملون جوازات سفر ألمانية اعتقلوا في اطار المواجهة المسلحة نفسها. غير ان وكالة الأنباء السويدية «تي تي» قالت أن الرجلين كانا ضمن مجموعة سويدية تزور تونس لاصطياد دب مفترس وأنهم تعرضوا للهجوم على يد غوغاء. الموضوع انتهى يوم الاثنين بعد ضغوط أوروبية وتحذيرات من تخويف السياح، وغادر الأجانب المشتبه فيهم تونس قبل أن يفسر أحد قضية الدب المفترس. مصادر رصد ألمانية أشارت إلى أن شركة بلاك ووترز الأمنية التي غيرت اسمها لتصبح «إكس إي» ركزت في عملها داخل عدة أقطار عربية وأفريقية على تجنيد مواطنين من ألمانيا والدول الاسكندنافية والعربية لأن هؤلاء على عكس الأمريكيين والفرنسيين بعيدين عن الشبهة. يوم 19 يناير كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أن 6 عائلات يهودية تونسية مكونة من 20 شخصا وصلت إلى فلسطين المحتلة يوم 18 يناير 2011 كمهاجرين، قادمين من تونس بعد عملية معقدة قام بها عملاء المخابرات الإسرائيلية. وزعمت الصحيفة أن المئات من التونسيين اليهود يفكرون بالهجرة إلى إسرائيل، وفق تقديرات الوكالة اليهودية الصهيونية، ووزارة الهجرة الإسرائيلية. أمر مدهش يوم الأربعاء 19 يناير نشر موقع «ديلي بيست» الإلكتروني مقالا تحليليا للدبلوماسي ورجل الاستخبارات الأمريكي السابق بروس ريدل عن انتفاضة تونس قال فيه «: «حدث أمر مدهش ورائع في تونس هذا الأسبوع أرسل موجات مد من التوقعات عبر العالمين العربي والإسلامي. لقد أطاح الشعب التونسي بدكتاتور كان في السلطة لمدة 23 عاما. لم يفعل أي بلد عربي ذلك من قبل. لكن دولا إسلامية أخرى، إيران عام 1978، وباكستان عام 2008، شهدت الإطاحة بحكام دكتاتوريين من خلال ثورات مدنية. إلا أن ذلك لم يحدث من قبل في العالم العربي. أما السؤال الكبير فهو: من التالي؟ وقد تكون الإجابة مصر. زين العابدين بن علي كان رئيس الشرطة السرية في تونس حين نظم الانقلاب البارد عام 1987. وقد كان القوة الماثلة وراء الكواليس لفترة من الوقت قبل الانقلاب. وخلال حكمه جلب الاستقرار والنمو الاقتصادي، لكنه قمع المعارضين بقسوة ووصم كافة خصومه تقريبا بأنهم «متطرفون إسلاميون». هنا من الواجب الإشارة إلى أن بروس ريدل كان رئيس مكتب شؤون مصر في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في فترة إغتيال الرئيس المصري السابق أنور السادات في أكتوبر 1981 وقد حذر في حينها إدارة الرئيس ريغان من تولي حسني مبارك رئاسة مصر، وهو الآن عضو في مركز سابان لدارسات الشرق الأوسط بمعهد بروكينغز الذي يعتبر واحدا من أهم أربع مراكز أبحاث في الولاياتالمتحدة تشارك في عملية صنع السياسية الخارجية في الولاياتالمتحدة. الموقف الفرنسي تعرضت الحكومة الفرنسية ومعها غالبية دول الاتحاد الأوروبي لإنتقادات قوية سواء من بعض الأطراف السياسية المحسوبة على المعارضة او غيرها وكذلك من جانب واشنطن لتخلفها في التعامل بشكل «مناسب» مع انتفاضة تونس. وقد جعل المنتقدون وزيرة الخارجية الفرنسية ميشال اليو ماري رمزا لما سموه تردد باريس في دعم «ثورة الياسمين». في ردها على الانتقادات أكدت اليو ماري ان فرنسا مثل دول اخرى «لم تكن تتوقع الأحداث» التي أدت الى سقوط بن علي في تونس. وأضافت الوزيرة أمام لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية ردا على رغبة عدد من النواب في الاستماع إلى تفسير حول اقتراح تقدمت به في 11 يناير وتعرض لانتقادات، يقضي بتعاون فرنسا مع نظام الرئيس التونسي السابق في مجال الامن والحفاظ على النظام، «فلنكن صريحين، لقد فوجئنا جميعا من سياسيين ودبلوماسيين وباحثين وصحافيين بثورة الياسمين»، مؤكدة ان احدا لم يستوعب «تسارع» الاحداث.وكانت الوزيرة قد قالت ان «كفاءة قواتنا الأمنية المعروفة في العالم اجمع تسمح بمعالجة مثل هذه الأوضاع الأمنية». واكدت ان اولويتها كانت انهاء القمع الذي تعرض له المتظاهرون وتفادي حمام دم. تنافس اليو ماري كشفت بشكل واضح عن وجود تنافس بين باريس وواشنطن يتعلق بأحداث تونس، حيث اعتبرت انه لا مجال للمقارنة بين موقفي فرنسا والولاياتالمتحدة، وقالت «لو كان ما حصل في تونس وقع في المكسيك هل كانت الحكومة الامريكية تحركت بهذه السرعة وبالطريقة نفسها في تأييد الثورة ؟». مشيرة إلى العدد الكبير للرعايا الفرنسيين الموجودين في تونس الذي يزيد عددهم عن 20 الفا. بعدها ويوم السبت أكد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي دعم باريس الواضح للمتظاهرين التونسيين ويوم الأربعاء 19 يناير وفي ما اعتبر كلاما موجها إلى القوى التي تريد كسب حظوة في تونس واحتلال مكان فرنسا المتقدم في العلاقة مع مستعمرتها السابقة، ذكر ساركوزي ان تناقضا حصل بين مبدأي «عدم التدخل» في الشؤون الداخلية لتونس و»دعم الحرية». وقال ساركوزي خلال جلسة لمجلس الوزراء بحسب ما نقل عنه المتحدث باسم الحكومة فرنسوا باروان «لا تزال مبادىء عدم التدخل ودعم الحرية في صلب سياستنا الخارجية. الظروف تضع احيانا هذه المبادىء وجها لوجه. هذا ما حصل مع الاحداث التي وقعت في تونس.» واضاف ساركوزي «تؤكد فرنسا اتخاذ موقف قريب من قييمها يطابق مصالح الفرنسيين المتمسكين بمنطقة في المتوسط يعمها السلام والتطور. ان فرنسا وشعبها في غاية السرور لتحقيق الحرية والديموقراطية في هذا البلد الصديق الذي تربطنا به علاقات تاريخية وانسانية متينة، واوضح «رغبتنا القصوى هي أن يحصل هذا التطور من دون مآس اضافية وأن يجد الشعب التونسي بعد ان اطاح بشجاعة وكرامة بنظام كان يرفضه، السبيل الى فترة انتقالية سلمية ومثالية لارساء ديموقراطية متينة ودائمة في تونس». روسيا تحذر يوم الاثنين 17 يناير نقل عن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الاتحاد الروسي ميخائيل مارغيلوف قوله في اجتماع للجنة في البرلمان الروسي إن العصيان في تونس قد يحرك المعارضة في شمال أفريقيا ويؤدي إلى تصعيد التوتر في المنطقة. ولمح مارغيلوف إلى ان واشنطن تستغل احداث تونس لتقلص نفوذ باريس في هذا البلد وقد كان تأييد البيت الأبيض «للتحرك ضد نظام الرئيس بن علي» واضحا منذ البداية وقد استغلت قنوات اعلامية عربية لتأجيج الأزمة في تونس وللتحريض ضد انظمة عربية وذلك تزامنا مع تصريحات رسمية أمريكية تدعو الحكومات العربية إلى تغيير خياراتها «تصريحات وزيرة الخارجية كلينتون»، ولاحظ المسؤول الروسي أن نفس التكتيك اتبع خلال عقد التسعينات لقلب وتغيير انظمة الحكم في دول اوروبا الشرقية ثم لتمزيق يوغسلافيا والدفع بها نحو الحرب الأهلية. وقال مارغيلوف إن الخبراء لا يزالون يمتنعون عن التنبؤ إزاء التطورات المقبلة، كما أن لا أحد «يجرأ الآن أن يتنبأ كيف ستتطور الأحداث في دول شمال أفريقيا».، مرجحا أن ما يمكن قوله حاليا «هو أن الأحداث في تونس ستؤدي إلى صعود التوتر في منطقة المغرب العربي بكاملها وخطر ظهور ديكتاتوريات عسكرية أو أنظمة حكم دينية متطرفة ترفض العصرنة، وتساند الكثير من الحركات الإرهابية التي تستغلها الولاياتالمتحدة لإشاعة عدم الاستقرار في الجمهوريات السوفيتية السابقة في آسيا وكذلك داخل روسيا الاتحادية». محاولة سرقة ثورة في محاولة لإلقاء الضوء على الاستغلال الذي تحاول بعض الأطراف ممارسته في عملية سرقة إنجازات انتفاضة تونس، يجب التطرق إلى الموقفين الأمريكي والايراني خاصة وأنه رغم حالة العداء المعلنة بين طهرانوواشنطن يتعاون الطرفان بكامل قدراتهما في الحرب ضد المقاومة في العراق وأفغانستان. يوم الأربعاء 19 يناير قال الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد ان التونسيين يسيرون على طريق اقامة حكم اسلامي في بلادهم. وأضاف نجاد وسط صيحات الابتهاج التي اطلقتها حشود في مدينة يزد وسط البلاد «من الواضح جدا ان الشعب التونسي انتفض ضد الدكتاتور المدعوم من الغرب واستخدم شعارات اسلامية وانسانية وتوحيدية ومنادية بالعدل». «بكلمة واحدة، التونسيون يسعون الى تطبيق القوانين والاحكام الاسلامية». وتأتي تصريحات احمدي نجاد بعد ان اعرب 228 نائبا في البرلمان الايراني المؤلف من 290 نائبا عن دعمهم الثلاثاء لما وصفوه ب»الحركة الثورية» للشعب التونسي. يشار إلى أن الاسلاميين التونسيون المنتمين إلى حركة النهضة المحظورة ظلوا متفرجين سلبيين على «ثورة الياسمين»، ولم ينضموا اليها حسب وكالة فرانس برس إلا يوم الثلاثاء 18 يناير حيث شاركوا في العاصمة التونسية في تظاهرة تقدمها الصادق شورو الرئيس السابق للحركة. وقال علي العريض القيادي في حزب النهضة لوكالة فرانس برس «ننوي تقديم مطلب ترخيص». وكان حسين الجزيري المتحدث باسم الحركة قال في وقت سابق في باريس ان النهضة «لن تقدم مرشحا للانتخابات الرئاسية» لكنها تريد المشاركة في الانتخابات التشريعية معتبرا انه «لن تكون هناك عملية انتقالية ديموقراطية بدون النهضة». ومن المقرر تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تونس في غضون ستة اشهر. تحذيرات كلينتون قبل اسبوع من مغادرة بن على لتونس ويوم 7 يناير اعلن مسؤول امريكي كبير حسب وكالة فرانس برس ان الولاياتالمتحدة التي اعربت عن «قلقها» حيال الاضطرابات الاجتماعية في تونس، استدعت السفير التونسي وطالبت باحترام الحريات الفردية في هذا البلد وخصوصا على صعيد الحق في استخدام الانترنت. واضاف «اثرنا ايضا قضية ما يبدو انه تدخل من جانب الحكومة التونسية في الانترنت، وخصوصا في موقع فايسبوك». وذكر مسؤول امريكي اخر ان الادارة الامريكية انتبهت الى ما يجري في تونس من خلال موقع فيسبوك الذي يستخدمه نصف مليار شخص. في المقابل، ابدى المسؤول الامريكي الكبير حذرا اكبر حيال الوضع في الجزائر التي كانت بدورها تشهد في ذلك التوقيت موجة اضطرابات اجتماعية اثر رفع اسعار المواد الغذائية، متحدثا عن «ازمة سكن حادة لم تتعامل معها الحكومة في شكل ملائم». وقال «من المبكر جدا ان نفهم تحديدا ما يحصل» في الجزائر، مضيفا «نحاول ايضا تحديد الامور الاكثر فاعلية والحاحا التي يمكن ان نقولها ونقوم به».ا في نفس اليوم اعربت الحكومة الامريكية عن قلقها ازاء المظاهرات في تونس. وقال المتحدث باسم الخارجية الامريكية بي جي كراولي في مؤتمر صحافي «يبدو ان المظاهرات حدثت نتيجة لاستمرار الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية هناك». ودعا كراولي جميع الاطراف الى ضبط النفس مشددا على «حق الشعب التونسي في ممارسة حقه في التجمعات العامة وقد قمنا بنقل وجهة نظرنا مباشرة الى الحكومة التونسية». وزادت وزارة الخارجية الامريكية فقالت انها تشعر بقلق بالغ لانباء استخدام القوة المفرطة «على يدي حكومة تونس». بعد ذلك ب 72 ساعة ويوم الاثنين 10 يناير افادت وكالة تونس افريقيا للانباء (وات) الحكومية، ان السفير الامريكي في تونس غوردون غراي استدعي من قبل وزيرة الدولة للشؤون الخارجية سعيدة شتيوي التي عبرت عن «استغراب» الحكومة التونسية لترديد وزارة الخارجية الامريكية صدى «معلومات جمعت من عناصر معادية» لتونس. وقالت المسؤولة التونسية «نحن نتساءل ازاء رد فعل السلطات الامريكية ازاء مظاهرة زعم انها سلمية، تم خلالها القاء زجاجات حارقة وتخريب مقرات وحرقها». واضافت المسؤولة «كنا نامل ان نرى الولاياتالمتحدة تبرهن عن الموضوعية والتفهم ازاء تمشينا وابداء اشارات في رغبة اكثر وضوحا في النهوض بالتعاون مع تونس». الفوضى الخلاقة يوم الخميس 13 يناير وفي نفس الوقت الذي أكدت فيه واشنطن أنها ستمنع أي قرار لمجلس الأمن حول إدانة الاستيطان الإسرائيلي، دعت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون في افتتاح منتدى المستقبل في الدوحة، قادة الدول العربية الى الاصلاح محذرة من ان التطرف يمكن ان «يملأ الفراغ». وقالت كلينتون ان شعوب المنطقة «سئموا من المؤسسات الفاسدة والسياسات الراكدة» مقابل تراجع الثروات المائية والنفطية على حد قولها. وحذرت من ان «دولا قليلة جدا» في المنطقة «لديها خطط» للتعامل من الرؤية المستقبلية القاتمة واعتبرت ان في «اماكن كثيرة من المنطقة، تغرق الاسس في الرمال». ونوهت بالنمو الاجتماعي والاقتصادي في دول الخليج التي زارتها في الايام الاخيرة. وقالت ان «الشرق الاوسط الجديد والديناميكي يجب ان يتعزز على اسس اصلب ويتجذر وينمو في كل انحاء» المنطقة. وقالت ان «الذين يتمسكون بالوضع الراهن كما هو قد يتمكنون من الصمود امام مجمل مشاكل بلدانهم لفترة قصيرة ولكن ليس للابد». وبحسب كلينتون فان «آخرين سيملأون الفراغ» اذا ما فشل القادة في اعطاء رؤية ايجابية «للشباب وسبل حقيقية للمشاركة». دور الجيش الحاسم يقول محللون أن الصراعات الإقليمية والمؤامرات التي كانت تحاك لسرقة وديعة انتفاضة تونس ربما ساهمت في تعجيل انحياز الجيش المكون من حوالي 56 ألف رجل وهو الأصغر تعدادا في منطقة المغرب العربي لجانب الانتفاضة. فقد نقل عن دبلوماسيين ومحللين غربيين ان الجيش التونسي وجه الضربة القاصمة لحكم زين العابدين بن علي عندما تجاهل أوامره باطلاق النار على المحتجين الأمر الذي بات من غير المرجح معه ان يتمكن من سحق الانتفاضة الشعبية بالقوة. وجاء حجب الجيش لتأييده على الرغم من المعارضة الشديدة لذلك من جانب مساعدي الرئيس ولاسيما الموالين له في الشرطة. وفي مقابلة مع صحيفة لو باريزيان أشار الاميرال جاك لانزاد وهو رئيس سابق لاركان القوات المسلحة الفرنسية وتولى بعد ذلك منصب سفير فرنسا في تونس الى ان الجيش اتخذ قرارا محوريا برفض اطلاق النار في الايام التي أفضت الى سقوط بن علي في 14 يناير. ونقلت صحيفة البايس الاسبانية عن لانزاد قوله إن الجيش يقوم الان «بدور ارساء الاستقرار والاعتدال» حيث يعمل على وضع حد للعنف. التحدي الاقتصادي اذا كان لإنتفاضة تونس أن تكمل مسيرتها فعليها بالإضافة إلى تجنب سرقة الأخرين لتضحيات الشعب أن تعيد الثقة إلى الاقتصاد، وإلا زادت الأوضاع الاجتماعية تعقيدا وبقي الباب مفتوحا أمام الفوضى. يوم 19 يناير اعلنت وكالة التصنيف الائتماني «موديز» انها خفضت الدرجة السيادية لتونس بسبب مخاوف اقتصادية وسياسية وذلك من «+بي ايه ايه 2+ الى +بي ايه ايه 3+ درجة الديون السيادية لتونس وغيرت توقعاتها المستقبلية من مستقرة الى سلبية». كما خفضت درجة المصرف المركزي الى «بي ايه ايه 3» مع توقعات سلبية. وبررت الوكالة قرارها «بعدم استقرار البلاد بسبب التغيير الاخير غير المتوقع للنظام». كما اشارت الى «الغموض الاقتصادي والسياسي الكبير» واستمرار اضطراب الوضع السياسي الذي «يعرض للخطر» استقرار البلاد. وكانت وكالتا التصنيف الاخريان ستاندرز اند بورز وفيتش قد اعلنتا خفض التصنيف الائتماني لتونس. وقال المحلل في الوكالة اوريليان مالي في بيان ان «موديز تحذر من استمرار ازمة ستضر باقتصاد البلاد التي تعتمد على السياحة والاستثمارات الاجنبية». وتابع المحلل نفسه ان «موديز ستتابع عن قرب الخطر السياسي في تونس في الاشهر المقبلة لان اي اعمال عنف جديدة يمكن ان تسبب ضغوطا سلبية على الاقتصاد». ويفترض الا يتجاوز دين تونس 39 بالمئة من اجمالي الناتج الداخلي في نهاية 2010 مقابل 55 بالمئة في 2003. وستسجل البلاد نسبة نمو 3.8 بالمئة في 2010 مقابل 3.1 بالمئة في 2009 حسب الوكالة. وضوح سياسي يقول المحللان سوجاتا راو وكارولين كون ان المستثمرين يحتاجون لوضوح سياسي، وقد وجهت الاضطرابات في تونس ضربة قوية لعمليات مزمعة لطرح أسهم وسندات في البلاد، وربما يجعل التدفقات الاستثمارية المتزايدة على دول شمال إفريقيا والخليج تغير اتجاهها. وقد تراجعت أسواق الأسهم والعملات في غالبية دول الشرق الأوسط وارتفعت تكلفة تأمين الديون، وكانت أولى الضربات وأكبرها في تونس حي هوت الأسهم التونسية بنسبة 15 بالمائة وزادت كلفة تأمين الديون التونسية إلى مثليها تقريباً منذ بداية العام الحالي. وقال مدير الاستثمار في سيلك انفست «دانييل بروبي»: «سيؤثر هذا على الاستراتيجيات الاستثمارية للناس في الأجل القصير.. لكن في الأجل الطويل لن تكون محصلة الأمر إلا تحسناً عن الأوضاع السابقة». وتابع «بروبي»: «إن المستثمرين بحاجة إلى وضوح سياسي حقيقي قبل معاودة الاستثمار». ويتوقع بنك باركليز أن تؤدي الخسائر الاقتصادية الفورية وتراجع أعداد السائحين والتدفقات الاستثمارية المباشرة إلى تقليص النمو في 2011 إلى أربعة بالمائة من خمسة بالمائة، وزيادة حجم البطالة. جاء في تقرير لوكالة رويترز يوم 20 يناير أن صناديق الاستثمار الخليجية تعيد النظر في استراتيجيتها في ضوء مستقبل الاضطرابات السياسية في المنطقة بعد العاصفة التونسية وتتجه لضخ أموالها في دول أصغر وأغنى مثل قطر ودولة الامارات العربية المتحدة حيث تبدو الاوضاع أكثر استقرارا. ونفس السلوك تتبعه رؤوس الأموال الأخرى فتعود إلى أسواق الولاياتالمتحدة وأوروبا وتراجعت بشدة التدفقات الاستثمارية الى المنطقة على مدى العامين السابقين لكن بقيت استثمارات بنحو عشرة مليارات دولار موزعة بين صناديق عديدة في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا.