في صيف كل عام يرتفع مستوى نهر النيل، فتفيض مياهه وتنصرف عبر الشقوق إلى السهول المحيطة به. هذا الفيضان السنوي يجعل الأرض خصبة وصالحة للزراعة. في العصور القديمة، كان المصريون يعتمدون على فيضان نهر النيل لكسب قوتهم. ولكن الطوفان لا يمكن التنبؤ به فعند حدوثه تغمر المياه جزءً حيويا من المحاصيل الزراعية مما يؤدي إلى تلفها كما أن عدم ارتفاع منسوب المياه في النهر يؤدي إلى الجفاف والمجاعة. لعب فيضان مياه نهر النيل أيضا دورا سياسيا وإداريا مهما، حيث يعتمد عليه في تحديد مقدار الضريبة التي يتعين على المزارعين دفعها. لذا بدأ المصريون بقياس مستوى مياه النيل من أجل التنبؤ بكميات الحصاد. في البداية كانت المقاييس عبارة عن علامات ترسم على ضفة النهر، ولكن في وقت لاحق تم بناء درج وأعمدة، وآبار وغيرها من الهياكل التي أطلق عليها اسم مقاييس النيل أو «النيلومتر». وكان رئيس الكهنة يراقب نسبة المياه بشكل يومي ويحتفظ بالتسجيلات. وكان من واجبه الإعلان عن الوصول المنتظر لفيضانات الصيف، أو شحها. وأصبحت مهمة التنبؤ بحجم الفيضان القادمة جزء من مهام الكهنة في مصر. يتمثل أبسط تصميم لمقياس النيل في أعمدة رأسية تخترق مياه النهر لتحدد عمق المياه، وفي وقت لاحق تم بناء مبان حول الأعمدة ضمت زخرفات وهياكل حجرية. يعود تاريخ بناء هذه المباني إلى عام 861 بعد الميلاد ويمكن زيارة أحد مقاييس النيل المتبقية في جزيرة الروضة وسط القاهرة. كما يوجد مقياس آخر له أهمية تاريخية كبيرة يقع على جزيرة الفنتين بأسوان يتكون من مجموعة من السلالم المؤدية إلى المياه، مع علامات تحدد عمقها على طول الجدران. الفنتين تمثل الحدود الجنوبية لمصر ولذلك فهي أول موقع لتسجيل بداية الفيضان السنوي. ضمت تصاميم المبنى قناة تؤدي إلى ضفة النهر، تمتد لمسافة طويلة لتغذية الآبار. وتقع هذه الآبار في معظم الأحيان داخل جدران المعابد، حيث يسمح فقط للكهنة والحكام بالوصول إليها. ويمكن زيارة أحد هذه الآبار في معبد كوم أمبو شمال أسوان. انتقلت مقاييس النيل من مصر القديمة إلى الحضارات اللاحقة، إذ استخدمت لغاية القرن ال20 وعندما تم بناء السدود في أسوان وضع حد لفيضان نهر النيل السنوي. وأصبحت بذلك مقاييس النيل شيئا من الماضي.