كان أحد المختصين يتحدث في برنامج إذاعي عن مرض الشيزوفرينيا أو الفُصام . وقد تكلم عن علامات المرض و عن علاجه لكنه لم يشر إلى أسبابه. سؤالي هو: هل هناك أسباب معروفة لهذا المرض العقلي؟ رغم شيوع مرض الشيزوفرينيا، أو الفُصام ، فإن المختصين يجدون صعوبة في تعريفه، مثلما يجدون صعوبة في تحديد أسبابه. وهم غالبا ما يقولون إنه مرض متعدد الأسباب. الأمر الذي يعني أنهم لا يَعرفون الشيء الكثير عن هذه الأسباب ! - فمنهم من يرى أن هناك قابلية جينية أو استعدادا جينياً لهذا المرض. بمعنى أن الإنسان يأتي إلى هذا العالم وهو يَحمل في جيناته الموروثة ما يجعله أكثرَ عرضة من الآخرين لهذا الداء. - وهناك من يرى أن السبب الحقيقي لداء الفصام إنما يَكمن في اعتلالات تشريحية في الدماغ أو اختلالات بيولوجية في وظائفه . وبالفعل فقد أظهرتْ بعضُ تقنيات الفحص المتطورة في هذا المجال وجودَ هذا النوع من الاختلالات .لكنْ لا أحد يدري على وجه التحديد: هل هي سبب مباشر للمرض، أم ظاهرة موازية له، أم نتيجة من نتائجه ! - أما أنصار النظريات النفسية والاجتماعية فيرون، من جهتهم، أن الوسط العائلي والاجتماعي يلعب دورا حاسما في نشأة الفُصام وفي تطوره. وهناك دراسات عديدة تنصبّ على الظروف العائلية التي نشأ فيها المريض بالفصام ونوعية الإكراهات والإحباطات التي عانى منها في مختلف مراحل حياته. وقد ذهب بعض الباحثين - على غرار المختص الشهير دافيد كوبر - إلى حد النفي المطلق لوجود مرض اسمه الفصام! فهذا المصطلح ليس في نظره سوى «نَعْت يتم إلصاقه بشخص معين لأسباب عائلية أو اجتماعية بالأساس، قبل تكريسه بصفة رسمية من قبَل بعض الأطباء أو أشباه الأطباء!». - أما أتباع مدرسة التحليل النفسي، فإنهم يَصرفون همهم الأساسي إلى طفولة المريض وإلى طبيعة العلاقة التي تربطه بالأم على وجه الخصوص. وبخصوص موقفهم من الدراسات التشريحية والوظيفية للدماغ، فهم مقتنعون أن هذه الدراسات لن تفيد الباحثين أبدا في فهم ألغاز الشيزوفرينيا . إذ لا يمكن اختزال هذه الألغاز في إواليات فزيولوجية معينة أو في تفاعلات كيماوية عصبية معينة أو في صور عالية الجودة لأدمغة المرضى. ذلك أن البصر قد يَحُول أحيانا دون الرؤية. والوسائل البصرية قد تجعلنا ننسى ما عداها لأنها تخلق إحساسا زائفا بامتلاك الحقيقة.