يملك الكثير من الناس مفاهيم وأفكارا مضببة أو خاطئة عن أسباب مرض الفصام، موضوعية، فينسبونه إلى العديد من الظواهر الظاهرة أو الخفية. ومع تقدم البحث العلمي في العقود الأخيرة بسرعة في هذا المجال، اتضحت حقائق كثيرة متعلقة بالمرض وعوامله. وأولها أنه، على غرار الأمراض النفسية الأخرى، ليس للفصام سبب واحد أكيد ومحدد، ولكن له عوامل عديدة بتضافرها وتفاعلها يزداد احتمال إصابة الشخص بالمرض ويتجه في مسار معين. ويميل الخبراء إلى أن تلك العوامل تتلخص في العامل الوراثي والعامل العضوي المرتبط بمضاعفات الحمل والولادة، والعوامل النفسية والاجتماعية. ولكل واحد منها تأثير يختلف عن تأثير العوامل الأخرى. أولا – العامل الوراثي: أظهرت الدراسات الميدانية أن التاريخ العائلي لمريض الفصام إيجابي، بمعنى أن له في الغالب الأعم أقارب مرضى إما بمرض الفصام أو بمرض عقلي أو نفسي قريب منه. وتظهر تلك الأبحاث أيضا أن ذلك يرجع لأسباب وراثية وليس لأسباب بيئية. وهكذا كلما ازدادت العلاقة الجينية بالمريض، ازداد احتمال إصابة القريب بالفصام. وهذا يظهر في الجدول التالي: القرابة نسبة الإصابة بدون قرابة/ في المجتمع كله 1% أقارب من الدرجة الثاني (خال أو عم مثلا) 4% أخ غير توأم 8% أحد الأبوين 12% توأم ثنائي البويضة (غير متطابق) 12% الأبوان مصابان معا 40% توأم أحادي البويضة (متطابق) 50% فهذه المعطيات تفيد بأن الفصام ليس مرضا وراثيا، وإنما يعطي استعدادا وراثيا. وهو استعداد يجعل حامله تزداد نسبة الإصابة لديه. فمثلا عندما يكون الأبوان معا مريضين بالفصام، فإن إصابة الابن لا تكون مؤكدة 100%، ولكن بنسبة 40% فقط. أما إذا كان أحد الأبوين فقط هو المريض بالفصام، فإن الابن يصاب في حدود 12% فقط. لكن بالمقابل من النادر جدا أن نجد مرضى ينتمون إلى أسر خالية من العيوب الوراثية. ثانيا – العامل العضوي المرتبط بمضاعفات الحمل والولادة فهناك كثير من الحالات لديها خلل أو تلف في المخ بسبب مضاعفات الحمل والولادة. وأهم تلك المضاعفات الولادة المتعسرة التي تؤدي إما إلى نقص الأكسجين لدى الوليد، أو تلف ناتج عن رضوض في المخ أو الضغط الشديد عليه، أو اختلال في العمليات الكيماوية أو غيرها. فهذه كلها تضاعف من احتمال الإصابة بالفصام مرتين أو ثلاث مرات. وفي بعض تلك الاختلالات تبين الدراسات الإشعاعية بالأساس وجود اختلالات في تجاويف الدماغ أو في قشرة المخ. وفي حالات أخرى لا تظهر أي اضطرابات عضوية في مخ المصاب، ولكن تبين الدراسات وجود عدم توازن بكيمياء الجهاز العصبي متمثلا في اختلال بعض الناقلات العصبية. فمثلا من أهمها الدوبامين حيث يزيد إفرازه أو تزداد الحساسية له في شق الاشتباك العصبي في مناطق من الدماغ. ثالثا - عوامل نفسية واجتماعية: هناك العديد من العوامل النفسية والاجتماعية ومن ضغوط الحياة وأحداثها المحزنة والسارة يمكن أن تسرع ظهور المرض، أو تؤثر في تمظهراته، أو في مساره ومآله. لكنها عوامل تتفاعل مع العاملين الأولين المذكورين. ومن العوامل النفسية الدينامية الحرمان وسوء المعاملة أو الإيذاء الجسدي أو العاطفي أو الإهمال في الطفولة. كما أن من الأحداث المؤثرة وفاة أحد الأقارب أو التوتر الأسري أو صعوبات العمل. لكن من المهم التأكيد على أن هذه العوامل النفسية والاجتماعية إنما تتدخل عند وجود أحد العاملين الوراثي والعضوي أو وجودهما معا، فتجعل حينئذ الأعراض المرضية تسوء أكثر عندما يكون المرض موجودا بالفعل. الخلاصة هي أن مرض الفصام هو أساسا نتاج عوامل وراثية وعضوية، تتفاعل مع عوامل نفسية واجتماعية متعددة. وهذا التفاعل هو الذي يؤدي إلى ظهور المرض في سن معينة. فوجود العاملين الوراثي والعضوي لا يمنع من أن يعيش الفرد فترة من حياته طبيعيا، قبل أن يظهر المرض بعد سن المراهقة أو في سن الشباب أو الكهولة أو بعدهما.