ماذا لو كانت النار هي اللغة التي تعلمتها الشعوب اليوم للإعلان عن إرادتها ؟ إذا سلمنا بهذا، فإن ذلك يعني أنها تتكلم بألسنة النار.. عندما ننظر إلى الشعوب تحرق نفسها في تونس، وفي الجزائر، وفي مصر، نكاد نقول إن الحكام أصبحوا أصحاب شوّايات ..! والحكم آلة صماء للشيّ ! الشعوب أيضا تخرج لكي تحترق... في أرضها أو في البحر.. بعد التونسي، الذي انتبه إلى أن جسده قنبلة يمكنها أن تزعزع دولة بوليسية بكاملها، أصبحت الوصفة سارية في الجزائر وفي مصر.. جزائريون أيضا أرادوا أن يستدعوا القدر لكي يستجيب لهم عبر النار، ومصري بدوره أراد أن يطهر بلاده، حسب رأيه بإحراق ذاته. ما هذا الذي يسري كالنار في الشعوب اليوم. الحريق الذي يسري فينا كما يسري النار في الهشيم، دليل على أن برودة الدولة الصماء والعوراء والعرجاء هي الجحيم. فعندما تعتاد الحكومات على أن تحول السياسة إلى لعب بالنار، تذهب الشعوب إلى آخر البلاغة والاستعارة وتحرق نفسها... فعليا. تلك طريقة للسخرية من الحكام والدعوة إلى طردهم. وعندما يلجأ الحكام إلى .. الدخان في تعتيم الوضع، وفي ربط العلاقة مع شعوبهم، فإن هذه الأخيرة تردد الحكمة البسيطة: لا دخان بدون نار. وعندما يصبح النار بلا دخان تكون قد تحولت إلى لهيب!! وتبدأ من الجسد الاحتجاجي وتنتهي بالمقرات الرئاسية. والحقيقة لماذا يخاف الحكم من أجساد تحترق في الشوارع إذا كانوا يصبون عليها الزيت كل يوم؟ والحقيقة أيضا، لماذا تكون الشعوب التي تملك «المحروقات» هي التي يشعر فيها أبناؤها بأنهم قابلون للاشتعال. انظروا الجزائر، انظروا تونس , وانظروا مصر. الحرائق حسب كمية المحروقات الموجودة في البلاد. كلمة الخبز مثل طلقة نارية عندما ينطق بها فم جائع. هذا ما علمنا إياه الروائي الإسباني لوبيث باتشيكو، صاحب أغنية الخبز! النار الصغيرة تطفئها الرياح الإعلامية والعواصف المؤداة، أما النيران الكبيرة، فإن الريح تزيد من تأجيجها وغلوائها.. هو ما يحدث دوما عندما تسقط الأقنعة وتبرد البلاد! وعندما ترى المواطنين يحترقون، لا شك بأن اليأس ليس هو الوحيد الذي يدفعهم إلى ذلك. بل علينا أن نفكر بأنهم خارجون من الجحيم. فهل يخرج أحد من الجحيم وهو مطفأ وبارد ومبتسم؟ وإذا كان الناس يحترقون فلأنهم يعتقدون أن تلك هي الطريقة لمواجهة الظلمات ..