قدمت اللجنة النيابية لتقصي الحقائق حول أحداث مخيم أكديم إيزيك ومدينة العيون يوم الأربعاء الماضي، تقريرها حول هذه الأحداث. وقد قدم أحمد الزيدي مقرر هذه اللجنة التقرير أمام أعضاء الغرفة الأولى، وكان أعضاء اللجنة قد اجتمعوا يوم الثلاثاء الماضي من الساعة التاسعة صباحاً إلى الواحدة صباحاً من اليوم الموالي، حيث تمت مناقشة مشروع التقرير بالتفصيل، قبل أن يصادق أعضاء اللجنة بالإجماع على مضمون التقرير. وبعد استعراض الأحداث التي شكلت من أجلها اللجنة، قدمت اللجنة قراءة في مضمون هذه الأحداث، والتي شكلت أرضية لخلاصات وتوصيات اللجنة. واعتبر التقرير أن السماح بإقامة المخيم وتركه يكبر كان خطأ تدبيريا بكل المقاييس أمنياً واجتماعياً وسياسياً، ووقف أعضاء اللجنة من خلال العديد من القرائن والأدلة على ارتباط مجموعة كانت متواجدة داخل المخيم بالجزائر والبوليساريو، حيث تم تأطير هذه المجموعة عبر الزيارات المتتالية لمخيمات تندوف على مدى حوالي سنة ونصف، وقد بينت وسائل الاتصالات اللاسلكية ذات التقنية العالية، والتي تم حجزها بالمخيم إلى جانب العثور على عملات أجنبية من قبل الدينار الجزائري والأورو والدولار، أكدت ارتباط هذه المجموعة فعلا بهذه الجهات الأجنبية المذكورة إلى جانب جهات أخرى. واعتبر التقرير أن فئة من ساكنة العيون احتجت لمطالب اجتماعية وللحيف الذي مسها لعدم استفادتها من السكن والشغل وبطائق الإنعاش الوطني، حيث ظلت تنتظر إنصافها على مدى ثلاثة عقود، وهي تتفرج على اختلالات تدبير الشأن المحلي وتفشي الزبونية في توزيع المنافع الممنوحة للساكنة، مما شكل لديها إحباطاً مافتئ يتغذى بتناسل الأخبار المتواترة حول هذه السلوكات ويسجل تقرير لجنة تقصي الحقائق أن مناخ التنافر الحاصل بين الوالي ورئيس المجلس البلدي للعيون، نتيجة التباين في فهم الاختصاصات، أسهم في تعقيد التعامل مع الأزمة الاجتماعية التي أدت إلى أحداث المخيم بدل البحث في تناسق للخروج من هذه الأزمة التي باتت أخطاؤها محدقة بالمصالح العليا للبلاد، وسجل التقرير أيضاً الاختلالات التي شهدتها بعض القطاعات وتناسل التقارير عن خروقات في مجال الحكامة المحلية من قبيل توزيع حوالي 1900 بقعة أرضية وحوالي 900 من بطائق الإنعاش، إضافة إلى خروقات في مجال السكن، والتزوير في مجال المحافظة العقارية، للاستحواذ على الملك العمومي وامتيازات في مجال الصيد البحري وغيرها، جعل الأجواء مشحونة بالاحتقان وسهل عملية التعبئة للالتحاق بالمخيم. وسجلت اللجنة أن هناك انتقادات في المقابل للوالي السابق بتهميش دور المجلس البلدي والانفراد بالقرار والتصرف في الميزانيات المتعلقة بالمواد الغذائية المدعمة والخاصة بالجهة إلى غير ذلك. وطالبت لجنة التقصي بتعميق البحث وفتح تحقيق بخصوص تمويل المخيم، وتوفير اللوجستيك الكامل له عبر إمداده بانتظام بالمواد الغذائية، وتوفير المحروقات لأسطول من الشاحنات والسيارات ذات الدفع الرباعي والتغطية الهاتفية، وتوفير السيولة لشباب من المفروض أنه جاء للبحث عن شغل. وسجل التقرير أن نظام الامتيازات والريع كانت له انعكاسات على مجموع النسيج الاقتصادي والاجتماعي بهذه المنطقة، حيث عمق الفوارق الاجتماعية، وساهم في إشاعة ثقافة الربح السريع عوض ثقافة الإنتاج. إنه نظام يناقض أهداف الدولة في التنمية والتضامن والتحديث والانسجام الاجتماعي. وكانت اللجنة قد تشكلت في 27 نونبر 2010 من 13 عضواً، وحددت كسقف زمني لاشتغالها 45 يوما، علما بأن القانون يعطيها أجلا قانونيا 6 أشهر كأقصى حد لإنهاء أشغالها. وقد تسلم رئيس مجلس النواب عبد الواحد الراضي التقرير بعد ظهر يوم الأربعاء الماضي، وبذلك أنهت اللجنة مهمته، وقرر رئيس المجلس باتفاق مع أعضاء المكتب ورؤساء الفرق، إحالة التقرير على الجلسة العامة مساء نفس اليوم. التقرير لم يكتف بالتدقيق في جرد الأحداث، بل ذهب إلى العمق لرصد الأسباب الاقتصادية والتدبيرية والاختلالات التي كانت مصدر الاحتجاجات التي أدت إلى هذه الأحداث. في ظاهرة غير مسبوقة انشغل الرأي العام الوطني بما وقع يوم ثامن نونبر 2010 من اصطدامات وأحداث رهيبة ، كانت ضواحي مدينة العيون ، ثم أطراف المدينة نفسها مسرحا لها. شكل هذا الحدث صدمة في نفوس الساكنة . بل ولدى كافة المغاربة أينما وجدوا ، لم يكن مصدر الصدمة الحركة الاحتجاجية الاجتماعية في منطلقها ، فحرية التعبير بمختلف الأشكال السلمية ظلت حقا مشاعا بين كل المغاربة، بل إن مصدر الهزة الصادمة للجميع كان هو هذه الأفعال الإجرامية الشنيعة ممثلة في أعمال الذبح ، والقتل ، والتشويه بجثث الضحايا ، في مجتمع مغربي مشبع بقيم الإنسانية النبيلة وبروح التسامح الإسلامي والحضارة الإنسانية وهو ما جسدته القيم المغربية المتأصلة في ثقافتها ،وفي طبيعة الحياة بالأقاليم الجنوبية للمملكة نفسها عبر قرون خلت . لقد تناسلت مجموعة تساؤلات مزعجة دفعة واحدة . بحثا عن خيط ناظم لفهم عمق ما جرى منها ما هو تدبيري لموضوع الاحتجاجات التي أدت إلى إحداث مخيم اكديم إيزيك ، ومنها ما يندرج في إطار إشكالية الحكامة الترابية المحلية «واختلاطها بالسياسي» في نسيج اجتماعي له خصوصياته المتميزة . وهذا ما يفترض من منطلق المسؤولية إعادة تقييم مشروع البناء والإدماج الاجتماعي والإنساني على مدى 35 سنة، في ارتباط بمدى نجاعة مؤشرات التنمية وانعكاساتها على تكافؤ الفرص لدى الساكنة في الاستفادة من مجهود الدولة ، وخاصة في مجالات السكن والشغل . ومنها ما له طابع أجرامي وإرهابي في عملية منظمة ذات مرجعيات سياسية انفصالية تخضع لمشروع تخريبي يستهدف استقرار المغرب وأنماط النمو الاقتصادي والسياسي التي يرتكز عليها . تناسلت أسئلة أيضا من قبيل تقييم المقاربة الاجتماعية المحلية نفسها ، باعتماد قيم المواطنة المسؤولة (حقوقا وواجبات) وإحلال ثقافة الكفاءة والاستحقاق بدل ثقافة الاتكالية والامتيازات والريع. أسئلة أيضا من قبيل اختلالات التأطير السياسي وخطورة توظيف النعرات القبلية والحزبية لتأجيج الفتنة على حساب قيم المواطنة والوحدة الترابية . ولم لا أسئلة أخرى من قبيل: هل الأمر مجرد خطأ في المعالجة التدبيرية للأحداث ؟ أم أن التسيب بلغ حدا من الاستهتار جعل المصالح العليا للوطن تحت رحمة تصرفات أطراف لا مسؤولة ؟ الهزة الصادمة الغير مسبوقة إذا جعلت كل المغاربة ينخرطون في حركة احتجاجية تضامنية ضد ما وقع ، وما خروج نحو ثلاثة ملايين من المغاربة من كل المناطق عبر شوارع الدارالبيضاء يوم 28 /11/ 2010 مجددين رفضهم لكل مس بوحدة واستقرار المغرب والمغاربة أيا كان مصدره إلا دليلا على هول الصدمة وإفرازاتها العنيفة . الرأي العام الوطني بمختلف تعبيراته لم يقف عند حد شجب هذه الأعمال الإرهابية التي راح ضحيتها شهداء من أفراد القوات العمومية ومدنيان اثنان، وخلفت خسائر وجروحا نفسية عميقة محليا ووطنيا ، بل إن الشجب رافقه سؤال وطني كبير ظل حاضرا بين كل الأسر المغربية . ما هي حقيقة ما وقع ؟ من المسؤول عما وقع ؟ كيف نعالج ما وقع ؟ إلى غير ذلك من تفصيلات هذا السؤال الكبير الذي يجسد حسا ومسؤولية وطنية في غاية التعقيد تهم مستقبل الوطن وتستدعي بالتالي معالجتها انخراط مختلف الأطراف ، دولة ، ومؤسسات سياسية ، وكافة مكونات المجتمع كل من موقعه. وسط تداعيات هذه الصدمة التي كانت لها أصداء داخلية متفهمة لأسلوب الاحتجاج السلمي ، وناقمة على الالتفاف عليه انفصاليا ، وفي ذات الوقت رافضة لما وقع باعتباره غريبا عن سلوك المجتمع المغربي وقيمه ، وقد اقترن سؤال إجلاء الحقيقة هنا بضرورة عدم الإفلات من العقاب وأن تأخذ العدالة مجراها الطبيعي ، بينما تراوحت الأصداء الخارجية بين متفهمة لما حدث ووضعه في إطاره الصحيح ، وأخرى انحرفت به عن الحقيقة في إصدار لأحكام وقرارات متسرعة وجائرة . من أجل النفاذ إلى عمق ما وقع ، وإطلاع الرأي العام على حقيقة الأحداث ، وانطلاقا من مسؤولياته كمؤسسة منتخبة ممثلة للشعب المغربي ، جاءت مبادرة مجلس النواب بمختلف مكوناته مستعملة حقها الدستوري في الدعوة إلى تأسيس لجنة للبحث والتقصي في إطار ما يضمنه الدستور المغربي. تشكيل اللجنة طبقا لأحكام الدستور وخاصة المادة 42 في فقرتها الأخيرة المتعلقة بتكوين لجان تقصي الحقائق . وتنفيذا لمقتضيات مواد القانون التنظيمي رقم 5.95 المتعلق بتسيير لجان تقصي الحقائق كما وقع تغييره وتتميمه بالقانون رقم 54.00 . وآخذا بعين الاعتبار مقتضيات النظام الداخلي لمجلس النواب، وخاصة المواد 167 168 169 . وبناءا على الطلب الذي تقدمت به كافة الفرق البرلمانية الممثلة بمجلس النواب ، تشعر من خلاله رئاسة المجلس بقرارها من أجل تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول الأحداث التي شهدتها مدينة العيون ومخيم « اكديم إيزيك». وبعد الإجراءات الترتيبية وفق النصوص القانونية المشار إليها أعلاه ،تم بتاريخ 27 نونبر 2010 تشكيل لجنة لتقصي الحقائق انتخبت أجهزتها وحددت عدد أعضائها في 13 عضوا يمثلون الفرق المتواجدة بمجلس النواب وفق التمثيل النسبي (الملحق رقم 1) لقد تمحورت الأسئلة الكبرى عموما حول الإشكالات التالية : ما هي الأسباب التي أدت إلى وقوع الأحداث؟ ضرورة تحديد المسؤوليات فيما وقع؟ تفكيك الوقائع والبحث عن الإجابات الواضحة من قبيل ظروف وملابسات إنشاء المخيم؟ لماذا تساهلت السلطات العمومية وهي ترى المخيم يتوسع إلى أن أصبح خارج التحكم فيه؟ ما هي تركيبة المخيم وبنيته الديموغرافية وكيف كان يمول ؟ ما هي أساليب وطرق تأطير وتنظيم المخيم واللوجستيك المعتمد ؟ ما هي شرعية ما يسمى « بتنسيقية المخيم « ؟ ما هو دور المنتخبين ؟ وما هي أسباب رفض الحوار عن طريق المنتخبين والأعيان والشيوخ ؟ وما هي ظروف تفكيك المخيم ؟ هل احترمت الإجراءات القانونية قبل القيام بعملية التفكيك من إشعار وغيره؟ ما هي الوسائل التي استعملت في عملية التفكيك؟ هل تم استعمال الذخيرة الحية ؟ كيف سقط الضحايا من القوات العمومية والوقاية المدنية ومدنيين اثنين؟ وهل كان يتوقع إقدام عناصر الشغب على القيام بعمليات إرهابية من قبيل القتل والذبح والتنكيل بجثت الضحايا؟ كيف انتقلت الأحداث إلى مدينة العيون؟ وهل اتخذت الاحتياطات لحماية الساكنة وكيف ؟ كيف تمكن المخربون من إحراق وتدمير الممتلكات العمومية؟ وكيف واجهت قوات الأمن الوضعية التي سادت العيون صبيحة يوم تفكيك المخيم 8 نونبر؟ هل كان من الضروري المخاطرة بحياة أفراد القوات العمومية وهم عزل دون توقع تعرض حياتهم للخطر ؟ هل حدثت أعمال مداهمات للمنازل؟ وهل حدثت إصابات أو وفيات في صفوف المدنيين ؟ هل احترمت المساطر في المتابعات القضائية؟ وكم عدد الموقوفين ؟ وهل هناك مختفون ؟ وهل توصلت النيابة العامة بشكايات وما هي طبيعتها ؟. وبلورت اللجنة أسئلة أخرى ذات طبيعة تتجاوز الأحداث نفسها من قبيل: ما هي طبيعة الحكامة المحلية ؟ أين تكمن الاختلالات الإدارية والمؤسساتية المبررة للحركات الاحتجاجية؟ ما هي آثار السياسات المتبعة في مجال الإدماج الاجتماعي وخاصة بالنسبة لفئة الشباب ؟ مدى فاعلية أو محدودية البنيات التقليدية للوساطة ؟ هذه نماذج فقط من الاستهداف الذي حددته اللجنة لأشغالها وجاءت الإجابات وفق المساطر القانونية بعد أداء اليمين والتقيد بأعمال السرية التامة في كافة مراحل أشغالها . فيما استعملت الوثائق المحصل عليها في تحليل المعطيات والوصول إلى الخلاصات المهام والأهداف جاء الإعلان عن تشكيل لجنة تقصي الحقائق وسط مناخ تداخلت فيه مجموعة أحداث أبانت مداولات اللجنة لاحقا بأن لها مستويين : مستوى المطالب الاجتماعية الصرفة ، وكيفية تدبيرها ، قبل أن تتحول إلى مستوى ثان ببعده الانفصالي في ارتباط مع إرهابيين وذوي سوابق . أبانت أيضا مداولات اللجنة أن هذه الأحداث تناسلت مستفيدة من مجموعة اختلالات مرتبطة بالحكامة الترابية والمحلية. وأن استغلال هذه الاختلالات وسوء تدبير الاحتجاج، شكلا وقود حركية مخيم «اكديم إيزيك» الذي أخذ يتعاظم تدريجيا إلى أن حدث الانفلات الاجتماعي والأمني مهددا بأوخم العواقب . أجندة ومنهجية اشتغال اللجنة : انطلاقا من الإطار الذي حددته لعملها اشتغلت لجنة التقصي في جلسات مرطونية استمعت خلالها إلى 122 من الشهود عبر خلاصات تمثلت في ما يقارب الستين (60)ساعة تسجيل وقسمت عملها إلى 3 محاور : 1 محور جلسات الاستماع على الصعيد المركزي. وقد شملت . وزير الداخلية والي العيون السابق ، ثلاث ولاة من الإدارة المركزية ، وزير الشؤون الخارجية والتعاون ، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة . 2 محور جلسات الاستماع في عين المكان (مدينة العيون) وشملت على الخصوص والي جهة العيون بوجدور الساقية الحمراء ، المسؤولون الذين أشرفوا على تدبير تفكيك المخيم، الوكيل العام للملك ، مدير المستشفى المدني ، مدير السجن بالعيون، رئيس المجلس البلدي بالعيون والمعارضة ، رئيس المجلس البلدي للمرسى،ممثلوا الأحزاب السياسية المتواجدة بالبرلمان ،المنظمات الحقوقية ، منظمات المجتمع المدني المتضررون مواطنون عايشوا الأحداث ، شيوخ القبائل وغيرهم (ملحق 2 ). 3 أما المحور الثالث فهم تجميع الوثائق والمعلومات الضرورية لعمل اللجنة. وانطلاقا من هذه المنهجية ، ومن أجل نجاعة أشغالها ، ارتأت اللجنة تحديد أفق مكاني للبحث ، وافق زمني ، وتم بالتوافق تحديد مدة 45 يوما مبدئيا لإنهاء أشغالها ، بينما تم التعامل مع الأفق المكاني وطبيعة البحث بحرية. إذ أن اللجنة وإن كانت قد حددت نقطة الانطلاق مبدئيا في « إنشاء مخيم اكديم إيزيك « ونقطة النهاية « تفكيك المخيم وأحداث العيون وتداعياتهما «فإن الصلاحية تركت لأعضاء اللجنة لصياغة كل الأسئلة وكل الاستفسارات التي تفرضها طبيعة المهمة ولحظية النقاش.