كان للنساء الشواعر في تاريخ الأدب العربي دور كبير في الارتقاء بالشعر وبالثقافة الشعرية العربية. ولدينا مصنّفات كبيرة لعلماء كبار تحدّثوا فيها عن إبداعات المرأة، منها "بلاغات النساء" لابن طيفور في القرن التاسع الميلادي. و"العقد الفريد" لابن عبد ربه. و"الإماء الشواعر" للأصفهاني و"النساء الشواعر" للمرزباني. بغضّ النّظر عن الكتب المصنّفة عن النساء والتي جاءت في ذكر أحوالهنّ الاجتماعية ومحاسنهن دون الاهتمام بالجانب الأدبي الإبداعي. وكذلك المصنّفات العديدة التي لم تهتم بفكر المرأة بل اهتمّت بالمرأة والجسد الأنثوي في النّص الفقهي بغطاء الدّين والمقدّس، والتي هي كتب جنسية أكثر ممّا هي أدبية فنّية. وفي العصر الحديث نجد كذلك مؤلّفات قيّمة اهتمّت بإبداعات المرأة ككتاب "أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام" لعمر رضا كحالة، وهو في خمسة أجزاء، وكتاب "مصادر الأدب النسائي في العالم العربي الحديث" لجوزيف توفيق زيدان. وكما كانت المرأة الشاعرة حاضرة في الإنتاجات الشعرية للشعراء، كان الرّجل كذلك حاضراً في إنتاجات المرأة الشاعرة. فقد كان هناك تبادل الشعر بين ليلى الأخييلية وتوبة، وبين بثينة وقيس بن الملوّح وغيرهم. إن دراسة الخطاب الشعري النسائي العربي عبر عصوره الأدبية يقتضي التوقّف عند تجارب فردية لشاعرات كبيرات حضي إنتاجهن بشهرة واسعة على امتداد العصور. ففي عصر ما قبل الإسلام والعصر الإسلامي نجد أن العديد من الشعراء الكبار استفادوا من التجارب الشعرية للشاعرات العربيات في الجاهلية وصدر الإسلام. فالشاعر العربي الكبير أبو نواس يقول: (ما قلت الشعر حتى رويت لستين امرأة منهن الخنساء وليلى)، وقول أبي تمام (لم أنظم شعراً حتى حفظتُ سبعة عشر ديواناً للنساء خاصة..). وقد ازدهر شعر الرّثاء مع الخنساء الشاعرة المخضرمة التي يعدّها النقّاد أشعر شواعر العرب وأشهرهن. وإن كان شعر الخنساء لا يمكن تلخيصه في غرض الرثاء فحسب. لأن الخنساء في نظري شاعرة الوجود والحياة. وهذا ما نجده في قصائدها التي تعبّر عن حياة القبيلة وهمومها وآمالها ورؤيتها للحياة والوجود والعدم. إلا أن العديد من النّقّاد القدماء لم يُدوّنوا إلا ما جادت به قريحة المرأة في شعر الرّثاء. فكأن المرأة لا تتقن إلا البكاء والنّواح. ومن شهيرات النّساء أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق التي كانت شاعرة وناقدة ولها منتدى أدبي يؤمّه الشعراء. وكذلك كانت سكينة بنت الحسين بن علي شاعرة وناقدة تُحكِّم الشعراء، كما كان بيتها أيضاً نادياً أدبياً يؤمّه المثقفون من الأدباء والشعراء. بالإضافة إلى الشاعرات الصوفيات كرابعة العدوية شاعرة الزّهد والعشق والحبّ الإلاهي. والتي بقيت أسيرة حبّ الخالق الذي قالت عنه: حبيبٌ ليس يعدله حبيبُ/ وما لسواه في قلبي نصيبُ /حبيبٌ غاب عن بصري وشخصي/ ولكن عن فؤادي ما يغيبُ. وهكذا مثّلت رابعة العدوية مذهباً متفرّداً في العشق والزّهد. وفي العصر الأموي ازدهر شعر الغزل العفيف مع ليلى الأخييلية التي كانت ناقدة وشاعرة نظمت في العشق كما نظمت في الرثاء. واستفاد من تجربتها العديد من الشعراء، كما أشاد بشعرها الفرزدق وأبو نواس وأبو تمّام. ونظراً لرقيّ الحضارة في العصر العبّاسي والتّمازج الثقافي فقد برعت المرأة الشاعرة في نسج قصائدها، ولم تعد سجينة غرض الرّثاء بل نظمت في عدّة أغراض منها الغزل والمديح والزّهد وغيرها. واهتمّت المرأة خاصّة بالمديح. يرى ابن المعتز أن المرأة نظمت أيضاً في المديح من خلال ما يوحي به الإنتاج الشعري للنساء الشاعرات، فيرى أن لها (في الخلفاء والملوك المدائح الكثيرة). وقد ازدهر شعر الغزل نتيجة اتّساع رقعة الدولة العباسية وكثرة الجواري والقيان وتشجيع الخلفاء لفنون الأدب والشعر والغناء. وقد كان للخلفاء العباسيين دراية بالشعر وخاصّة الخليفة المهدي وكذلك الرشيد والمأمون الذي عُرف عنهم اهتمامهم بتثقيف الجواري وتعليمهن أصول الشعر والغناء. ومن أشهر جاريات العصر العبّاسي جارية المأمون عُريب التي كانت شاعرة مجيدة ومغنية موهوبة. ونجد أن عليةُ بنت المهدي نظمت في غرض الغزل الذي كان مقتصراً على الرجال دون النساء. وفي الأندلس ازدهرت الصّالونات الأدبية والتي هي فكرة عربية قبل أن تكون أوروبية، حيث كانت المرأة تُجالس الرّجال وتُناظرهم في صالونها الأدبي. ومن أهمّ الصالونات صالون فضل العبيدية، وحفصة الركونية، وسارة الحلبية. وأشهرهنّ ولادة بنت المستكفي ملهمة ابن زيدون. هذه الصالونات التي عملت على الارتقاء بالشعر وبالثقافة الشعرية العربية. وفي عصر النهضة العربية والتّفاعل الثقافي العربي مع أوروبا في مصر وبلاد الشام في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهرت شاعرات رائدات في الشعر والإبداع عموماً. ومع تغيّر البيئة الثقافية بزغت إلى السطح العديد من الصالونات الأدبية لشاعرات مرموقات كصالون ألكسندر الخوري، وأماني فريد، وكوليت خوري، وجورجيت عطية، ومريانا مراش،وماري عجمي وعائشة التيمورية ونظلة الحكيم وغيرهنّ. وأشهرهنّ مي زيادة التي اشتهرت بصالونها الأدبي الذي كان يؤمّه كبار العلماء والمثقفين والأدباء بما فيهم طه حسين، ومصطفى صادق الرافعي، وأمين الريحاني، وعباس محمود العقاد، وسليمان البستاني، وعبد القادر المازني. ولا ننسى أن نذكر الشاعرة الكبيرة نازك الملائكة التي أرّخت لبداية مرحلة شعرية جديدة. بالإضافة إلى العديد من الشاعرات كفدوى طوقان، ولميعة عباس، وسلمى الخضراء الجيوسي، وسعاد الصباح، وحبيبة البورقادي وغيرهن. ونتوقّف عند شاعرات العصر الرّاهن وما يمثّله شعرهنّ من بوح وعاطفة وتمرّد للمرأة الشاعرة على تقاليد المجتمع والتقاليد الفنّية للقصيدة المعاصرة. * من دراسة لم تنشر بعد