أجواء باردة.. توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    القصة الكاملة لخيانة كيليان مبابي لإبراهيم دياز … !    حادثة سير مروعة بطنجة تودي بحياة فتاتين وإصابة شابين    الشاذر سعد سرحان يكتب "دفتر الأسماء" لمشاهير الشعراء بمداد الإباء    إصابة عنصر من القوات المساعدة بحروق خطيرة في حريق سوق بني مكادة بطنجة    المغرب ينجح في توقيف فرنسي من أصل جزائري مبحوث عنه دولياً في قضايا خطيرة    المغرب يعود إلى الساعة القانونية    التحولات الهيكلية في المغرب.. تأملات في نماذج التنمية والقضايا الاجتماعية الترابية" محور أشغال الندوة الدولية الثانية    الأسير الإسرائيلي الذي قَبّل رأس مقاتلين من "القسام" من أٌصول مغربية (فيديو)    افتتاح أخنوش رفقة ماكرون للمعرض الدولي للفلاحة بباريس يشعل غضب الجزائر    تذكير للمغاربة: العودة إلى الساعة القانونية    نهضة بركان يحسم لقب البطولة بنسبة كبيرة بعد 10 سنوات من العمل الجاد    فيروس غامض شبيه ب"كورونا" ينتشر في المغرب ويثير مخاوف المواطنين    مقتل شخص وإصابة عناصر شرطة في "عمل إرهابي إسلامي" في فرنسا    التعادل يحسم مباراة آسفي والفتح    الجيش والرجاء يستعدان ل"الكلاسيكو"    اختتام رالي "باندا تروفي الصحراء" بعد مغامرة استثنائية في المغرب    منتخب أقل من 17 سنة يهزم زامبيا    توقيف عميد شرطة متلبس بتسلم رشوة بعد ابتزازه لأحد أطراف قضية زجرية    الملك محمد السادس يهنئ العاهل السعودي    في أول ظهور لها بعد سنة من الغياب.. دنيا بطمة تعانق نجلتيها    انطلاق مبادرة "الحوت بثمن معقول" لتخفيض أسعار السمك في رمضان    توقعات أحوال الطقس ليوم الاحد    أخنوش يتباحث بباريس مع الوزير الأول الفرنسي    تجار سوق بني مكادة يواجهون خسائر كبيرة بعد حريق مدمر    المغرب بين تحد التحالفات المعادية و التوازنات الاستراتيجية في إفريقيا    السينما المغربية تتألق في مهرجان دبلن السينمائي الدولي 2025    مسؤول أمني بلجيكي: المغرب طور خبرة فريدة ومميزة في مكافحة الإرهاب    الرئيس الفرنسي يعرب عن "بالغ سعادته وفخره" باستضافة المغرب كضيف شرف في معرض الفلاحة بباريس    عجز الميزانية قارب 7 ملايير درهم خلال يناير 2025    "البيجيدي" مستاء من قرار الباشا بمنع لقاء تواصلي للحزب بالرشيدية    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    مساءلة رئيس الحكومة أمام البرلمان حول الارتفاع الكبير للأسعار وتدهور الوضع المعيشي    "الصاكات" تقرر وقف بيع منتجات الشركة المغربية للتبغ لمدة 15 يوما    مشروع قرار أمريكي من 65 كلمة فقط في الأمم المتحدة يدعو لإنهاء الحرب في أوكرانيا دون الإشارة لوحدة أراضيها    رئيسة المؤسسة البرازيلية للبحث الزراعي: تعاون المغرب والبرازيل "واعد" لتعزيز الأمن الغذائي    في حضور أخنوش والرئيس الفرنسي.. المغرب ضيف شرف في المعرض الدولي للفلاحة بباريس    رفض استئناف ريال مدريد ضد عقوبة بيلينغهام    بين العربية والأمازيغية: سعيدة شرف تقدم 'الواد الواد' بحلة جديدة    إحباط تهريب مفرقعات وشهب نارية وتوقيف شخص في ميناء طنجة المتوسط    الكوكب المراكشي يبحث عن تعزيز موقعه في الصدارة عبر بوابة خريبكة ورجاء بني ملال يتربص به    متابعة الرابور "حليوة" في حالة سراح    استثمار "بوينغ" يتسع في المغرب    السحب تحبط تعامد أشعة الشمس على وجه رمسيس الثاني    تحقيق في رومانيا بعد اعتداء عنيف على طالب مغربي وصديقته    الصين تطلق أول نموذج كبير للذكاء الاصطناعي مخصص للأمراض النادرة    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    دراسة: هذه أفضل 4 أطعمة لأمعائك ودماغك    رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    "ميزانية المواطن".. مبادرة تروم تقريب وتبسيط مالية جهة طنجة للساكنة    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«علبة الأسماء» للكاتب والمبدع محمد الأشعري : رواية الإشكاليات
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 27 - 03 - 2015

تعد رواية علبة الأسماء للكاتب المغربي محمد الأشعري من الروايات المغربية التي استطاعت أن تجسد الخطاب الروائي الجديد من كل الجوانب السردية التي تؤسس لهذا الخطاب،وهي البصمة الأدبية الإبداعية الثالثة في عالم السرد ،حيث تضاف إلى البصمتين السابقتين بصمة جنوب الروح وبصمة القوس والفراشة ،وهي كلها بصمات نوعية جديدة أسهمت في رفع قيمة السرد العربي عامة والسرد المغربي خاصة. وقد عودنا الكاتب أن يجعل الأدب المغربي شعرا وسردا ذا مكانة فنية عالية تفرض الذات الإبداعية المغربية بصفتها صوتا أدبيا وثقافيا يشارك باعتراف الجميع في تأسيس الخطاب الأدبي العربي المعاصر منذ سنوات السبعين من القرن الماضي.ولعل فوز روايته القوس والفراشة بجائزة البوكر العربية دليل على تميز كتاباته السردية إلى جانب الكتابة الشعرية ،فمحمد الأشعري من المبدعين العرب الذين استطاعوا تشكيل رؤيتهم الفنية المنزاحة عن السائد والمألوف ،والقائمة أساسا على مفهوم التجريب بصفته رحلة تكون وسيرورة متكاملة من الحلقات الإشكالية والأطر المحددة لمرتكزات التأسيس الروائي والبحث الفني عن التجذر في التاريخ والمجتمع والثقافة والسياسة ومجموع العناصر التي تصنع منظومة القيم المرجعية لقطر المغرب. وتناقش دلاليا وجماليا كل الإشكاليات المغربية والعربية المرتبطة بالإنسان في علاقته بمجتمعه وحضارته وفكره وذوقه ومستقبله،تلك العلاقة التي تتراوح بين الماضي والحاضر والمستقبل على المستويات جميعها،كما تحدد مفهوم الكتابة الأدبية المعاصرة المنفتحة على المرجعيات المتعددة والموظفة توظيفا معاصرا مختلفا عن التوظيف الجمالي السابق.فرواية علبة الأسماء يتشكل خطابها من تعددية اللغة والرؤية والمحكي والواقع
والعلاقات والخطابات لتضعنا أمام مجموعة من تحولات القيم والعلائق التي رافقت الإنسان المغربي سنوات السبعين و الثمانين من المدينة إلى السجن ومن السجن إلى المدينة حكيا وحياة.كما جعلت الكاتب الحالم والمواطن الواعي والسجين المشاكس والسياسي المحنك والفقيه المهادن والفنان الموهوب والموظف المتعب بقضايا الناس يعبرون عن تجربة الإنسان المغربي وما عرفته من إجهاز على القيم الإنسانية في صراع غير متكافئ بين سلطة طامعة في الحكم وبين شعب يبتغي التحليق مثل الطفل مصطفى في الرواية»علبة الأسماء».
تنطلق كتابة الرواية من مفهوم الوعي المديني «والمقصود به هو فكر المدينة التي تعيش تحولاتها بواسطة عمليات التحديث الذي يدخل دائما في حوار إشكالي بين الماضي والحاضر، وهو الحوار الذي يفضي إلى تغيير علاقات الثقافة وأدوات إنتاج المعرفة في المجتمع،الأمر الذي يؤدي إلىنتاج رؤية مدنية واعدة لعالم صاعد ترمز إليه المدينة المتحولة وتجسد ملامحه.ويلزم عن ذلك تصور المدينة بوصفها وعاء سياسيا واجتماعيا وثقافيا وإبداعيا لتعدد الأجناس والأعراق والطبقات والمعتقدات والثقافات وأنواع الإبداع المختلفة.وتصبح صورها في أذهان ساكنيها تأكيدا لدورها في صياغة هذه الأذهان وصياغة وعيها انطلاقا من تباين الأذهان المتأثرة بالأمكنة والحغرافيات .ولذلك يصل الوعي المديني بين نواتج التغير في التركيب السكاني والتخطيط العمراني والتشكيل المعماري،كما يصل بينها وغيرها من مظاهر التغير الإيكولوجي المرتبط بعمليات تحديث المدينة،تلك العمليات التي سرعان ما يتولد منها نزوع حداثي يغدو سمة للوعي المديني وعلامة عليه.كما يؤكد ذلك الناقد جابر عصفور. وهي المدينة التي تحمل ثقافة متعددة الخطابات والفنون،نتيجة اختلاف العقليات والأذواق والأفكار، كل هذا يتأتى من المرجعيات التاريخية
والإثنوغرافية والسوسيولوجية التي تخضع للثوابت أحيانا،وللتحولات أحيانا أخرى، فعلبة المدينة بقدامتها وحداثتها التي تتخذ جزءا كبيرا من فضاء الرواية،تحدد مستويات الوعي عند الشخصيات التي تشكل هذا الفضاء،وهي الشخصيات المشكلة للحياة المدنية بكل مراتبها الاجتماعية والأجناسية والعرقية الأصيلة والدخيلة،مثل ريتشارد الانجليزي وثريا بركاش وعدنان البوهالي وعماد وسيدي محمد بيدرو وشيمرات و بديعة ،ويتمظهر الوعي في الإحساس الجمعي بنتائج العيش المتمدن الذي يتشكل من القلق والهدوء،من الألم والفرح،من الضحك والبكاء،من الهزل والجد،من الخير والشر،من القسوة والليونة،من الجسد والروح ،وكذلك يتمظهر في ثقافة الناس المقيمين بالمدينة،هؤلاء الناس الذين يعيشون في تناقض اجتماعي طبقي ، الذين يشكلون الذاكرة الموريسكية عبر علبة العائلات ذات الأصول الأندلسية ،التي تتشبث بثقافتها وعاداتها وفنونها، ويوجد ذلك في القسم الأول من الرواية المعنون ب»الطفل الذي تبع النوارس «،وأولئك الناس الذين يوجد السجن في ذواتهم وواقعهم وعاشوا مرارته وقساوته وأُلْفَته ،الذين يسعون إلى التعبير عن عذابات ومعاناة السجن المغربي سياسيا ونفسيا واجتماعيا وفكريا في نموذج سجن لعلو من خلال القسم الثاني من الرواية المعنون ب»الكورال».وفي نفوس الشخصيات المسجونة الرئيسة منها والعابرة مثل ثريا وخديجة ومالك ولهبيل وطارق والبودالي والخرموزي وآخرين،وكل هؤلاء يشيرون إلى مسألة عميقة متعلقة بالسجناء المغاربة بكل مراتبهم وتياراتهم وأفكارهم وهي المسالة التي تلتقي مع قول الكاتب المناضل ناظم حكمت بلسان أحد شخصيات روايته الحياة جميلة يا صاحبي»عندما قال لقد أدركونا يا منور فنحن الاثنين في السجن أنا داخل الجدران وأنت خارجها ولكن ما هو أسوأ من ذلك أن نحمل هذا السجن في أنفسنا»،وهذا يلتقي مع ما قاله السارد في حديثه عن أبَّا عُمَر»طور أبا عمر نظرية تقول بان الشخص الوحيد الذي يطل حيا في هذا القبر،هو الشخص الذي تسكنه فكرة الهرب،لأن الهرب هو روح السجين»(ص108).
من أبعاد الرواية ليس كل من يعيش في المدينة ،إنه هادئ وغير متعب،بل للمدينة أسئلتها المتعبة التي لا يستطيع المواطن الذي يقطنها أن يجد أجوبة مقنعة للحياة المتمدنة،كل علبة تفضي إلى علبة أخرى،وكل سؤال يؤدي إلى سؤال آخر،كما عند شخصية رحمة في حديثها مع أبا عمر وبلسان السارد» فتسأل وهي ترضعه ،وتسأل وهي تنظفه،وتسأل وهي تداعبه،وتفرح بابتسامتها الأولى ،ثم بضحكته الناشئة.تسأل محتارة ساخرة منكرة أو فقط متظاهرة بأنها لا تعرف،أو تعرف ،ولكن ليس على وجه اليقين،أو متيقنة ولكنها لا تريد أن تقول «(الرواية ص112) ، فعلبة الأسماء علبة الأسئلة الكبرى وعلبة المدينة صورة للماضي المفقود و «للحداثة المعطوبة» بإشكالياتها ولانهائية أسئلتها وأجوبتها.حيث تتقاطع مشاهد الأزقة والساحات والمقاهي والحوانيت والمنازل والوجوه والروائح والأصوات بمدينة الرباط لتشكل فضاء خصوصيا وإيقاعا خاصا هو نفسه جوهر المدينة الرباطية المؤسس على الجمالية والقبح في الوقت نفسه،ويتأتى ذلك من خلال جوهر العلاقة اليومية مع المدينة،,إن شئنا معنى المدينة المغربية في نموذج الرباط ،الذي يشكل الفضاء المديني لا بوصفه فضاء يمكن رسم حدوده الطبوغرافية كما هي في الواقع الفعلي وإنما بوصفه عالما من القيم والأفكار التي تمكن من الحديث عن سرد للمدينة ممتلك لأشكال معينة من الكتابة والتخييل. وليس غريبا أن تكون مدينة الرباط مرآة للحياة المغربية العامة،ففيها تقع الأحداث الحاسمة المؤثرة،وعلى صفحتها تنعكس كذلك-أول ما تنعكس الأحداث الخارجية.وقد مر المغرب خلال سنوات الثمانين من القرن الماضي بأحداث كثيرة ملأت حياة المدينة بالحركة وغيرت من وجهها السياسي والاجتماعي ،فأتيح للروائي بذلك نوع من الارتباط بها،عبر تفاعله مع التغيرات السياسية والسوسيوثقافية التي شهدتها مدينة الرباط ،وهي المدينة العاصمة التي ينشغل بها السياسي والمثقف والمتدين والمؤرخ ،لأنها مدينة المتناقضات والإشكاليات المجتمعية التي يعيش فيها الجمال إلى جانب القبح والعكس صحيح.فعلبة المدينة تبين أن رواية محمد الأشعري نص سردي منفتح على الثنائيات الوجودية والحضارية والإنسانية والنفسية والجمالية والفكرية،ثنائيات تتسم بالضدية أحيانا،وبالانسجامية أحيانا أخرى.فهي رواية الإشكاليات .
أبدع الكاتب علبة الأسماء ليؤكد مسيرة كتابته السردية المتوكئة على الكتابة بالألم والأمل وبالتخييل والواقع وبالصراع بين سلطة السياسة وسلطة المخزن وبتجربة الحياة والموت غير المتشابهة في الواقع والحلم والأفق،وبالمتناقضات الاجتماعية المستنبطة من المجتمع المغربي وبالإشكاليات الفلسفية والإيديولوجية الموجودة عند المثقف والسياسي والفقيه والمواطن العادي.
إن علبة الأسماء رواية مغربية كتبت بمخيلة المبدعين والفنانين باختلاف أذواقهم وثقافتهم وهي التي تشكل المخيلة البشرية الإبداعية الخلاقة،مخيلة المبدع السارد،والرسام شخصية هدى ،والموسيقي الأندلسي بيدرو والغيواني شخصية السجين بصوت الكورال ،والمعماري ريتشارد، ،والروائي محمد الأشعري،وغيرهم،وهي النخب المبدعة من البشر،التي تعيش وتعمل وتحس وتدرك وتفهم وتفكر،وتناضل وتنتقد،وتتخيل في ظل هوية وجودها الفردية والمجتمعية في العالم القريب والبعيد.لكنها،وعبر مخيلتها الإبداعية،تعيد إنتاج علاقاتها مع العالم على نحو مبدع وخلاق،وهو الإنتاج الذي ،يؤدي في نهاية المطاف،إلى ولادة نصوص إبداعية متخيلة لا تتعالى على الواقع إلا من اجل مفارقته شطر إعادة خلقه وإيجاده من خلال أجناس أدبية وأعمال تشكيلية أو مجسمات معمارية.وهذا ما استطاعت الرواية أن تحققه.
لقد استعار الكاتب محمد الأشعري الواقعة التاريخية في تخيل الحكاية الروائية وأعاد تشخيص الوقائع عبر تمثل انعكاساتها على الإنسان والمجتمع.ولعل قصدية الاستعارة في ظرفية أو مرحلة بعينيها ،تعني محاولة فهم الواقع والتفكير في وجوده بأفق متخيل اجتماعي وتاريخي قادر على المحاورة والانتقاد. فالرواية تبني هويتها الأدبية وتحتفظ بها بسبب علاقتها الحميمة بالتاريخ السياسي المعاصر.حيث تحتضن أزمنة وأمكنة متميزة،وترسم أشكالا من الصراع تدور فيهما،ويكون الصراع المرسوم،الذي ميزته الأزمنة والأمكنة ،مرآة لمجتمع مغربي محدد وصورة له.انطلاقا من تجربة سياسية و اجتماعية تنتمي للمجتمع المغربي الذي له تاريخ وهوية وثقافة.فارتباط علبة الأسماء بتحولات المجتمع المغربي الواضح الخصوصية كان سببا مباشرا في إقامة علاقة حميمة بين الرواية والتاريخ،الأمر الذي جعل المعرفة الأدبية التي أنتجتها الكتابة الروائية معرفة موضوعية تلتقي مع المعرفة التاريخية وتتباين عنها في الوقت نفسه،وفي هذا اللقاء بين شكلين من المعرفة تجلت الكتابة الروائية كشكل متميز من البحث التاريخي،يبحث فيه السارد/الكاتب عن هويته وعن هوية المجتمع المغربي الذي ينتمي إليه،حيث يقوم البحث عن الهوية الذاتية أو الجماعية،وعن مسألة الحاضر والماضي،وعن مقارنة الأزمنة المتعددة التي نسجت حاضرا معينا. فمن أبعاد النص الروائي نجد ما يأتي:
-الإشارة إلى أشكال التسلط التي يعيشها الإنسان المغربي :الحلم بالسلطة.
المغرب محكوم بدرجات سلطته.
-التحكم عبر التسلط إسهام في استقرار البلد.
-القدرة على الانخراط في الحياة بالرغم من شراسة المكان.على حد تعبير الروائي محمد الأشعري.
-الرواية خرجت عن المعتاد في الحياة السياسية،حيث كل الروائيين الذين كتبوا عن تجاربهم السياسية أعطوا اهتماما للشخصيات السياسية التي رافقتهم،لكن السارد في رواية علبة الأسماء تحدث عن سجناء الحق العام بصفتهم يحملون الحقائق أكثر من السجناء السياسيين. -من أبعاد الرواية كذلك لابد من التفريق جماليا بين الكتابة السياسية المباشرة،وبين الكتابة الروائية التي تمتاح عوالمها من السياسة،فأنت تكتب عن الاعتقال ،لا يعني اعتقال جمالية السردي القائم على مكونات فنية لا يوجد إلا بها.رواية محمد الأشعري استطاعت التفريق ولم تتأثر بالظاهرة الأدبية الجديدة في السرد المغربي ،المتمحورة على بنية هيمنة السيرة السجنية السياسية المباشرة،بل قام الكاتب بتوظيف التجربة السياسية السجنية توظيفا انتقائيا وجمعيا ،وبارز ذلك من توازن الأدوار داخل علبة الأسماء بين الشخصيات المسجونة المتراوحة بين السجين السياسي وسجين الحق العام.
-ترمز الرواية إلى صوت الهوية المغربية المتميز بالتعدد في إطار الوحدة،فشخصيات الرواية ولغاتها وأفكارها وأجناسها وأعراقها من شمال المغرب إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه تحمل هذه الخصوصية وتؤكدها ، فهناك المغربي العربي والمغربي الأمازيغي والمغربي اليهودي والمغربي الأندلسي والمغربي الموريسكي،كلهم يلتقون في واقعهم ويختلفون في انتمائهم القبلي أو العرقي .شيمرات والفقيه أمزميز وثريا ومالك وعماد وبديعة ولهبيل ،كلهم بشكلون الصوت الهوياتي المغربي المتميز،بالرغم من اختلاف جنسهم وعرقهم وثقافتهم ولغتهم.
- تتأسس اللغة السردية في علبة الأسماء على المفهوم الباختيني للرواية القائل إنها ظاهرة متعددة الأسلوب واللسان والصوت،حيث يعثر المحلل على بعض الوحدات الأسلوبية اللامتجانسة التي توجد أحيانا،على مستويات لسانية مختلفة وخاضعة لقواعد لسانية متعددة.
- تناقش الرواية الأحداث السياسية التي عانى منها المواطن المغربي بكل أطيافه سنوات السبعين والثمانين المسماة بسنوات الجمر والرصاص،والجمر في الرواية هو الاعتقال والظلم والتعذيب والقهر،بينما الرصاص يتجلى في أفعال المخزن والسلطة والأوامر التي تؤدي إلى الاستشهاد والقتل والموت السريع والبطيء.
ومن المواضيع الجديدة التي تتحدث عنها الرواية تستحق البحث والدراسة مستقبلا بجرأة تخترق السائد والمألوف هناك موضوع الجسد الحاضر بقوة في الرواية،من خلال إرادة الجسد في أن يكون ويتصير ويتمظهر ويتموضع في فضاء العالم لكي يصل نشيده ونداؤه إلى الوجود،أو إيصال صوته إلى الآخرين,حيث يخطو الجسد بكينونته نحو الآخر لكي يحقق وجوده،وتراه يكرس التواصل قصد استجابة الآخر له بالتمنع أو الرضا،وبإزاحة الغموض عن موجودية الأشياء والكائنات أو حتى بإثارة سؤال»الآخر/المتلقي»عن الجسد،أو إثارة الأخير لأسئلته.فلا وجود للجسد إلا ب»الآخر»الذي من دونه سيبقى الجسد كينونة افتراضية تعيش كمونها في خبايا ودياجير عالم دامس الظلام،عالم غير مرئي،سواء كان هذا»الآخر»شيئا تكوينيا يدخل في بناء الجسد أم بؤرة تلق يأمل بأسرها خطاب الجسد،والممتمثل أساسا في جسد ثريا وباقي أدواره بين شخصيات الرواية الأحرار منهم والسجناء.
وفي الختام،يقال إن النص الناجح هو النص الذي ينتج لنا قراء عديدين بإشكالياته وبأطروحاته وبجمالياته وبآفاقه،وهذا ما حققته رواية علبة الأسماء للكاتب العربي المتمكن العميق الأستاذ محمد الأشعري،فهنيئا لك أيها المبدع المثقف بهذه التجربة الروائية التي تجعلنا دوما ننتظر كتابتك الممتعة والمفيدة.
-ألقيت هذه الشهادة النقدية بمناسبة حفل توقيع رواية «علبة الأسماء»للكاتب والمبدع محمد الأشعري، المنظم من لدن مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية ،بتعاون مع فرع وجدة لاتحاد كتاب المغرب ،يوم السبت7فبراير2015 بوجدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.