مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    مؤتمر الطب العام بطنجة: تعزيز دور الطبيب العام في إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    السلطات البلجيكية ترحل عشرات المهاجرين إلى المغرب    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    وفاة رجل أعمال بقطاع النسيج بطنجة في حادث مأساوي خلال رحلة صيد بإقليم شفشاون    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«علبة الأسماء» للكاتب والمبدع محمد الأشعري : رواية الإشكاليات
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 27 - 03 - 2015

تعد رواية علبة الأسماء للكاتب المغربي محمد الأشعري من الروايات المغربية التي استطاعت أن تجسد الخطاب الروائي الجديد من كل الجوانب السردية التي تؤسس لهذا الخطاب،وهي البصمة الأدبية الإبداعية الثالثة في عالم السرد ،حيث تضاف إلى البصمتين السابقتين بصمة جنوب الروح وبصمة القوس والفراشة ،وهي كلها بصمات نوعية جديدة أسهمت في رفع قيمة السرد العربي عامة والسرد المغربي خاصة. وقد عودنا الكاتب أن يجعل الأدب المغربي شعرا وسردا ذا مكانة فنية عالية تفرض الذات الإبداعية المغربية بصفتها صوتا أدبيا وثقافيا يشارك باعتراف الجميع في تأسيس الخطاب الأدبي العربي المعاصر منذ سنوات السبعين من القرن الماضي.ولعل فوز روايته القوس والفراشة بجائزة البوكر العربية دليل على تميز كتاباته السردية إلى جانب الكتابة الشعرية ،فمحمد الأشعري من المبدعين العرب الذين استطاعوا تشكيل رؤيتهم الفنية المنزاحة عن السائد والمألوف ،والقائمة أساسا على مفهوم التجريب بصفته رحلة تكون وسيرورة متكاملة من الحلقات الإشكالية والأطر المحددة لمرتكزات التأسيس الروائي والبحث الفني عن التجذر في التاريخ والمجتمع والثقافة والسياسة ومجموع العناصر التي تصنع منظومة القيم المرجعية لقطر المغرب. وتناقش دلاليا وجماليا كل الإشكاليات المغربية والعربية المرتبطة بالإنسان في علاقته بمجتمعه وحضارته وفكره وذوقه ومستقبله،تلك العلاقة التي تتراوح بين الماضي والحاضر والمستقبل على المستويات جميعها،كما تحدد مفهوم الكتابة الأدبية المعاصرة المنفتحة على المرجعيات المتعددة والموظفة توظيفا معاصرا مختلفا عن التوظيف الجمالي السابق.فرواية علبة الأسماء يتشكل خطابها من تعددية اللغة والرؤية والمحكي والواقع
والعلاقات والخطابات لتضعنا أمام مجموعة من تحولات القيم والعلائق التي رافقت الإنسان المغربي سنوات السبعين و الثمانين من المدينة إلى السجن ومن السجن إلى المدينة حكيا وحياة.كما جعلت الكاتب الحالم والمواطن الواعي والسجين المشاكس والسياسي المحنك والفقيه المهادن والفنان الموهوب والموظف المتعب بقضايا الناس يعبرون عن تجربة الإنسان المغربي وما عرفته من إجهاز على القيم الإنسانية في صراع غير متكافئ بين سلطة طامعة في الحكم وبين شعب يبتغي التحليق مثل الطفل مصطفى في الرواية»علبة الأسماء».
تنطلق كتابة الرواية من مفهوم الوعي المديني «والمقصود به هو فكر المدينة التي تعيش تحولاتها بواسطة عمليات التحديث الذي يدخل دائما في حوار إشكالي بين الماضي والحاضر، وهو الحوار الذي يفضي إلى تغيير علاقات الثقافة وأدوات إنتاج المعرفة في المجتمع،الأمر الذي يؤدي إلىنتاج رؤية مدنية واعدة لعالم صاعد ترمز إليه المدينة المتحولة وتجسد ملامحه.ويلزم عن ذلك تصور المدينة بوصفها وعاء سياسيا واجتماعيا وثقافيا وإبداعيا لتعدد الأجناس والأعراق والطبقات والمعتقدات والثقافات وأنواع الإبداع المختلفة.وتصبح صورها في أذهان ساكنيها تأكيدا لدورها في صياغة هذه الأذهان وصياغة وعيها انطلاقا من تباين الأذهان المتأثرة بالأمكنة والحغرافيات .ولذلك يصل الوعي المديني بين نواتج التغير في التركيب السكاني والتخطيط العمراني والتشكيل المعماري،كما يصل بينها وغيرها من مظاهر التغير الإيكولوجي المرتبط بعمليات تحديث المدينة،تلك العمليات التي سرعان ما يتولد منها نزوع حداثي يغدو سمة للوعي المديني وعلامة عليه.كما يؤكد ذلك الناقد جابر عصفور. وهي المدينة التي تحمل ثقافة متعددة الخطابات والفنون،نتيجة اختلاف العقليات والأذواق والأفكار، كل هذا يتأتى من المرجعيات التاريخية
والإثنوغرافية والسوسيولوجية التي تخضع للثوابت أحيانا،وللتحولات أحيانا أخرى، فعلبة المدينة بقدامتها وحداثتها التي تتخذ جزءا كبيرا من فضاء الرواية،تحدد مستويات الوعي عند الشخصيات التي تشكل هذا الفضاء،وهي الشخصيات المشكلة للحياة المدنية بكل مراتبها الاجتماعية والأجناسية والعرقية الأصيلة والدخيلة،مثل ريتشارد الانجليزي وثريا بركاش وعدنان البوهالي وعماد وسيدي محمد بيدرو وشيمرات و بديعة ،ويتمظهر الوعي في الإحساس الجمعي بنتائج العيش المتمدن الذي يتشكل من القلق والهدوء،من الألم والفرح،من الضحك والبكاء،من الهزل والجد،من الخير والشر،من القسوة والليونة،من الجسد والروح ،وكذلك يتمظهر في ثقافة الناس المقيمين بالمدينة،هؤلاء الناس الذين يعيشون في تناقض اجتماعي طبقي ، الذين يشكلون الذاكرة الموريسكية عبر علبة العائلات ذات الأصول الأندلسية ،التي تتشبث بثقافتها وعاداتها وفنونها، ويوجد ذلك في القسم الأول من الرواية المعنون ب»الطفل الذي تبع النوارس «،وأولئك الناس الذين يوجد السجن في ذواتهم وواقعهم وعاشوا مرارته وقساوته وأُلْفَته ،الذين يسعون إلى التعبير عن عذابات ومعاناة السجن المغربي سياسيا ونفسيا واجتماعيا وفكريا في نموذج سجن لعلو من خلال القسم الثاني من الرواية المعنون ب»الكورال».وفي نفوس الشخصيات المسجونة الرئيسة منها والعابرة مثل ثريا وخديجة ومالك ولهبيل وطارق والبودالي والخرموزي وآخرين،وكل هؤلاء يشيرون إلى مسألة عميقة متعلقة بالسجناء المغاربة بكل مراتبهم وتياراتهم وأفكارهم وهي المسالة التي تلتقي مع قول الكاتب المناضل ناظم حكمت بلسان أحد شخصيات روايته الحياة جميلة يا صاحبي»عندما قال لقد أدركونا يا منور فنحن الاثنين في السجن أنا داخل الجدران وأنت خارجها ولكن ما هو أسوأ من ذلك أن نحمل هذا السجن في أنفسنا»،وهذا يلتقي مع ما قاله السارد في حديثه عن أبَّا عُمَر»طور أبا عمر نظرية تقول بان الشخص الوحيد الذي يطل حيا في هذا القبر،هو الشخص الذي تسكنه فكرة الهرب،لأن الهرب هو روح السجين»(ص108).
من أبعاد الرواية ليس كل من يعيش في المدينة ،إنه هادئ وغير متعب،بل للمدينة أسئلتها المتعبة التي لا يستطيع المواطن الذي يقطنها أن يجد أجوبة مقنعة للحياة المتمدنة،كل علبة تفضي إلى علبة أخرى،وكل سؤال يؤدي إلى سؤال آخر،كما عند شخصية رحمة في حديثها مع أبا عمر وبلسان السارد» فتسأل وهي ترضعه ،وتسأل وهي تنظفه،وتسأل وهي تداعبه،وتفرح بابتسامتها الأولى ،ثم بضحكته الناشئة.تسأل محتارة ساخرة منكرة أو فقط متظاهرة بأنها لا تعرف،أو تعرف ،ولكن ليس على وجه اليقين،أو متيقنة ولكنها لا تريد أن تقول «(الرواية ص112) ، فعلبة الأسماء علبة الأسئلة الكبرى وعلبة المدينة صورة للماضي المفقود و «للحداثة المعطوبة» بإشكالياتها ولانهائية أسئلتها وأجوبتها.حيث تتقاطع مشاهد الأزقة والساحات والمقاهي والحوانيت والمنازل والوجوه والروائح والأصوات بمدينة الرباط لتشكل فضاء خصوصيا وإيقاعا خاصا هو نفسه جوهر المدينة الرباطية المؤسس على الجمالية والقبح في الوقت نفسه،ويتأتى ذلك من خلال جوهر العلاقة اليومية مع المدينة،,إن شئنا معنى المدينة المغربية في نموذج الرباط ،الذي يشكل الفضاء المديني لا بوصفه فضاء يمكن رسم حدوده الطبوغرافية كما هي في الواقع الفعلي وإنما بوصفه عالما من القيم والأفكار التي تمكن من الحديث عن سرد للمدينة ممتلك لأشكال معينة من الكتابة والتخييل. وليس غريبا أن تكون مدينة الرباط مرآة للحياة المغربية العامة،ففيها تقع الأحداث الحاسمة المؤثرة،وعلى صفحتها تنعكس كذلك-أول ما تنعكس الأحداث الخارجية.وقد مر المغرب خلال سنوات الثمانين من القرن الماضي بأحداث كثيرة ملأت حياة المدينة بالحركة وغيرت من وجهها السياسي والاجتماعي ،فأتيح للروائي بذلك نوع من الارتباط بها،عبر تفاعله مع التغيرات السياسية والسوسيوثقافية التي شهدتها مدينة الرباط ،وهي المدينة العاصمة التي ينشغل بها السياسي والمثقف والمتدين والمؤرخ ،لأنها مدينة المتناقضات والإشكاليات المجتمعية التي يعيش فيها الجمال إلى جانب القبح والعكس صحيح.فعلبة المدينة تبين أن رواية محمد الأشعري نص سردي منفتح على الثنائيات الوجودية والحضارية والإنسانية والنفسية والجمالية والفكرية،ثنائيات تتسم بالضدية أحيانا،وبالانسجامية أحيانا أخرى.فهي رواية الإشكاليات .
أبدع الكاتب علبة الأسماء ليؤكد مسيرة كتابته السردية المتوكئة على الكتابة بالألم والأمل وبالتخييل والواقع وبالصراع بين سلطة السياسة وسلطة المخزن وبتجربة الحياة والموت غير المتشابهة في الواقع والحلم والأفق،وبالمتناقضات الاجتماعية المستنبطة من المجتمع المغربي وبالإشكاليات الفلسفية والإيديولوجية الموجودة عند المثقف والسياسي والفقيه والمواطن العادي.
إن علبة الأسماء رواية مغربية كتبت بمخيلة المبدعين والفنانين باختلاف أذواقهم وثقافتهم وهي التي تشكل المخيلة البشرية الإبداعية الخلاقة،مخيلة المبدع السارد،والرسام شخصية هدى ،والموسيقي الأندلسي بيدرو والغيواني شخصية السجين بصوت الكورال ،والمعماري ريتشارد، ،والروائي محمد الأشعري،وغيرهم،وهي النخب المبدعة من البشر،التي تعيش وتعمل وتحس وتدرك وتفهم وتفكر،وتناضل وتنتقد،وتتخيل في ظل هوية وجودها الفردية والمجتمعية في العالم القريب والبعيد.لكنها،وعبر مخيلتها الإبداعية،تعيد إنتاج علاقاتها مع العالم على نحو مبدع وخلاق،وهو الإنتاج الذي ،يؤدي في نهاية المطاف،إلى ولادة نصوص إبداعية متخيلة لا تتعالى على الواقع إلا من اجل مفارقته شطر إعادة خلقه وإيجاده من خلال أجناس أدبية وأعمال تشكيلية أو مجسمات معمارية.وهذا ما استطاعت الرواية أن تحققه.
لقد استعار الكاتب محمد الأشعري الواقعة التاريخية في تخيل الحكاية الروائية وأعاد تشخيص الوقائع عبر تمثل انعكاساتها على الإنسان والمجتمع.ولعل قصدية الاستعارة في ظرفية أو مرحلة بعينيها ،تعني محاولة فهم الواقع والتفكير في وجوده بأفق متخيل اجتماعي وتاريخي قادر على المحاورة والانتقاد. فالرواية تبني هويتها الأدبية وتحتفظ بها بسبب علاقتها الحميمة بالتاريخ السياسي المعاصر.حيث تحتضن أزمنة وأمكنة متميزة،وترسم أشكالا من الصراع تدور فيهما،ويكون الصراع المرسوم،الذي ميزته الأزمنة والأمكنة ،مرآة لمجتمع مغربي محدد وصورة له.انطلاقا من تجربة سياسية و اجتماعية تنتمي للمجتمع المغربي الذي له تاريخ وهوية وثقافة.فارتباط علبة الأسماء بتحولات المجتمع المغربي الواضح الخصوصية كان سببا مباشرا في إقامة علاقة حميمة بين الرواية والتاريخ،الأمر الذي جعل المعرفة الأدبية التي أنتجتها الكتابة الروائية معرفة موضوعية تلتقي مع المعرفة التاريخية وتتباين عنها في الوقت نفسه،وفي هذا اللقاء بين شكلين من المعرفة تجلت الكتابة الروائية كشكل متميز من البحث التاريخي،يبحث فيه السارد/الكاتب عن هويته وعن هوية المجتمع المغربي الذي ينتمي إليه،حيث يقوم البحث عن الهوية الذاتية أو الجماعية،وعن مسألة الحاضر والماضي،وعن مقارنة الأزمنة المتعددة التي نسجت حاضرا معينا. فمن أبعاد النص الروائي نجد ما يأتي:
-الإشارة إلى أشكال التسلط التي يعيشها الإنسان المغربي :الحلم بالسلطة.
المغرب محكوم بدرجات سلطته.
-التحكم عبر التسلط إسهام في استقرار البلد.
-القدرة على الانخراط في الحياة بالرغم من شراسة المكان.على حد تعبير الروائي محمد الأشعري.
-الرواية خرجت عن المعتاد في الحياة السياسية،حيث كل الروائيين الذين كتبوا عن تجاربهم السياسية أعطوا اهتماما للشخصيات السياسية التي رافقتهم،لكن السارد في رواية علبة الأسماء تحدث عن سجناء الحق العام بصفتهم يحملون الحقائق أكثر من السجناء السياسيين. -من أبعاد الرواية كذلك لابد من التفريق جماليا بين الكتابة السياسية المباشرة،وبين الكتابة الروائية التي تمتاح عوالمها من السياسة،فأنت تكتب عن الاعتقال ،لا يعني اعتقال جمالية السردي القائم على مكونات فنية لا يوجد إلا بها.رواية محمد الأشعري استطاعت التفريق ولم تتأثر بالظاهرة الأدبية الجديدة في السرد المغربي ،المتمحورة على بنية هيمنة السيرة السجنية السياسية المباشرة،بل قام الكاتب بتوظيف التجربة السياسية السجنية توظيفا انتقائيا وجمعيا ،وبارز ذلك من توازن الأدوار داخل علبة الأسماء بين الشخصيات المسجونة المتراوحة بين السجين السياسي وسجين الحق العام.
-ترمز الرواية إلى صوت الهوية المغربية المتميز بالتعدد في إطار الوحدة،فشخصيات الرواية ولغاتها وأفكارها وأجناسها وأعراقها من شمال المغرب إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه تحمل هذه الخصوصية وتؤكدها ، فهناك المغربي العربي والمغربي الأمازيغي والمغربي اليهودي والمغربي الأندلسي والمغربي الموريسكي،كلهم يلتقون في واقعهم ويختلفون في انتمائهم القبلي أو العرقي .شيمرات والفقيه أمزميز وثريا ومالك وعماد وبديعة ولهبيل ،كلهم بشكلون الصوت الهوياتي المغربي المتميز،بالرغم من اختلاف جنسهم وعرقهم وثقافتهم ولغتهم.
- تتأسس اللغة السردية في علبة الأسماء على المفهوم الباختيني للرواية القائل إنها ظاهرة متعددة الأسلوب واللسان والصوت،حيث يعثر المحلل على بعض الوحدات الأسلوبية اللامتجانسة التي توجد أحيانا،على مستويات لسانية مختلفة وخاضعة لقواعد لسانية متعددة.
- تناقش الرواية الأحداث السياسية التي عانى منها المواطن المغربي بكل أطيافه سنوات السبعين والثمانين المسماة بسنوات الجمر والرصاص،والجمر في الرواية هو الاعتقال والظلم والتعذيب والقهر،بينما الرصاص يتجلى في أفعال المخزن والسلطة والأوامر التي تؤدي إلى الاستشهاد والقتل والموت السريع والبطيء.
ومن المواضيع الجديدة التي تتحدث عنها الرواية تستحق البحث والدراسة مستقبلا بجرأة تخترق السائد والمألوف هناك موضوع الجسد الحاضر بقوة في الرواية،من خلال إرادة الجسد في أن يكون ويتصير ويتمظهر ويتموضع في فضاء العالم لكي يصل نشيده ونداؤه إلى الوجود،أو إيصال صوته إلى الآخرين,حيث يخطو الجسد بكينونته نحو الآخر لكي يحقق وجوده،وتراه يكرس التواصل قصد استجابة الآخر له بالتمنع أو الرضا،وبإزاحة الغموض عن موجودية الأشياء والكائنات أو حتى بإثارة سؤال»الآخر/المتلقي»عن الجسد،أو إثارة الأخير لأسئلته.فلا وجود للجسد إلا ب»الآخر»الذي من دونه سيبقى الجسد كينونة افتراضية تعيش كمونها في خبايا ودياجير عالم دامس الظلام،عالم غير مرئي،سواء كان هذا»الآخر»شيئا تكوينيا يدخل في بناء الجسد أم بؤرة تلق يأمل بأسرها خطاب الجسد،والممتمثل أساسا في جسد ثريا وباقي أدواره بين شخصيات الرواية الأحرار منهم والسجناء.
وفي الختام،يقال إن النص الناجح هو النص الذي ينتج لنا قراء عديدين بإشكالياته وبأطروحاته وبجمالياته وبآفاقه،وهذا ما حققته رواية علبة الأسماء للكاتب العربي المتمكن العميق الأستاذ محمد الأشعري،فهنيئا لك أيها المبدع المثقف بهذه التجربة الروائية التي تجعلنا دوما ننتظر كتابتك الممتعة والمفيدة.
-ألقيت هذه الشهادة النقدية بمناسبة حفل توقيع رواية «علبة الأسماء»للكاتب والمبدع محمد الأشعري، المنظم من لدن مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية ،بتعاون مع فرع وجدة لاتحاد كتاب المغرب ،يوم السبت7فبراير2015 بوجدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.