اللغة المستعملة في الإعلام السمعي البصري الوطني الرياضي وخاصة الإذاعي في الآونة الأخيرة يحتاج أكثر من وقفة ومن لحظات تأمل عميقة، بالنظر لما يصيب قاموسنا اللغوي العربي الغني والمتنوع عن طريقه من «اختراقات» متواصلة ومسترسلة - ربما عن غير قصد - تنذر بأن إرثنا اللغوي لا محالة إلى زوال، إذا ما استمر الحال بمثل ما هو عليه، وإذا لم يتم الوعي بخطورة المرحلة التي لازال ينفتح فيها الفضاء السمعي البصري الوطني على محطات إذاعية جديدة.. أغنت، فعلا، المجال السمعي وحققت طفرة نوعية في مقاربة الكثير من المواضيع التي كانت في ما مضى في حكم الطابو، مهتبلة ظرفية الانفتاح التي تعيشها بلادنا في مختلف الأصعدة والمجالات ، لكنه اهتبال كان على حساب تراجع خطير للغة العربية أو لنقل على حساب لغة عربية دارجة راقية، عشنا معها، ولسنين طويلة، أجمل اللحظات - ولازالت - مع الإذاعة المركزية بالرباط وإذاعة طنجة الجهوية.. التي كانت أمسياتها الليلية وبرامجها الهادفة تشد الانتباه إلى حين يتبين الخيط الأبيض من الأسود من الفجر، بسلستها وطلاقتها التي تنفذ بسرعة إلى الأعماق، وسيلتها في ذلك لغة بسيطة صادقة، تحترم المتعارف عليه، وتجتهد في ما يفيد ويغني الحقل اللغوي الإعلامي والمجتمعي.. إلى درجة اعتبرت لدى الكثيرين مدارس ينهلوا من معينها اللغوي سماعا دون اللجوء إلى فصل أو كتاب.. كان ذلك، ولازال، من منطلق الإعداد والتهيئ الجيد المهيكل للبرامج المرتكز على سلوك مواضيع جادة وتنشيط ملم بأدق التفاصيل وضيوف أكفاء وشهادات وتدخلات تبحر في السياق وتحترم المقال والمقام.. هذا المكتسب نعتبره، بل يعتبره الكثير من المتتبعين وخاصة المهووسين بالمجال الأثيري ببلادنا، اختفت الكثير من عناصره اليوم في الإذاعات الوليدة، حيث اختلط لدى بعضها الحابل بالنابل.. فتوقف المستمع عند ذبذبة من ذبذباتها غالبا ما يصدم بما يتناول فيها من تعابير مستعملة، لا هي منتمية إلى اللغة العربية الفصحى، ولا هي دراجة مغربية متعارف عليها، ولا هي لغة أخرى معترف بها .. هي مزيج لغوي أو تراكيب لغوية هجينة سوقية يعف مستعملوها أن «يلغوا» به أمام ذويهم وأسرهم .. فماذا لو كان المقام على أثير يمتد مداه إلى آلاف الكيلومترات، وماذا لو كانت الذاكرة الصغيرة البرئية، مستعدة لالتقاط ما يتفوه به على أنه النموذج «اللغوي» المحتذى والأسلوب الأمثل، خاصة وأن الفضاء الإذاعي أصبح مفتوحا على مصراعية لمن هب ودب بحجة انتهاج إعلام القرب، إذ أصبحنا نسمع أشكالا وألوانا من التعابير ما أنزل الله بها من سلطان، وأفظع من ذلك أن بعضا من يدعى بالمنشطين، وخاصة في مجال التذيع الرياضي يقبضون على نفس «البوصلة» اللغوية ويزيدون في سرعة «الإسهال» اللغوي.. ولا حول و لا قوة إلا بالله !