«حق الإضراب مضمون وسيبين قانون تنظيمي، الشروط والإجراءات، التي يمكن معها ممارسة هذا الحق ». هذه هي مقتضيات الدستور في موضوع حق الإضراب، حيث أقر الحق، وعلق شروط وإجراءات ممارسته إلى حين صدور قانون تنظيمي يحدد كيفية استعمال هذا الحق، والإجراءات اللازمة لإخراجه إلى الواقع. مناسبة الحديث في هذا الموضوع، هي الإضراب العام الماراطوني، الذي لجأ إليه موظفو كتابة الضبط، بجميع المحاكم، عن طريق المركزيات النقابية التي تمثلهم، بغاية إرغام الحكومة على الاستجابة لدفتر المطالب. وقد فتح وزير العدل جلسات حوار مع ممثلي المضربين، زادت عن عشرين جلسة، تحققت خلالها بعض المكاسب، منها ما له صبغة اجتماعية، وما تعلق بتحسين الوضعية المادية، التي لم تقنع المضربين ربما نظراً لتواضعها ولطبيعتها المؤقتة. كما أن مشروع النظام الأساسي الخاص بهيئة كتابة الضبط، الذي يشكل مطلباً جوهرياً في مقدمة المطالب التي تناضل من أجلها المركزيات النقابية، الممثلة لموظفي كتابة الضبط، هذا القانون الأساسي أعلن السيد وزير العدل بصفة رسمية، أنه يأخذ مساره التشريعي ، في تناغم مع رغبات النقابات. هذه التطورات تؤكد أن الوضعية العامة لموظفي كتابة الضبط، أصبحت نقطة في جدول أعمال الحكومة، ممثلة في وزارة العدل عن طريق الإنصات الجدي للمطالب، والبرلمان بغرفتيه عن طريق مساءلة السادة النواب والمستشارين للحكومة عما أعدته من قرارات عملية، استجابة لمطالب موظفي كتابة الضبط في المجالات التشريعية والمالية، تنفيذاً للتوجيه الملكي، الذي يدعو الحكومة إلى « ...أن تنظر في مراجعة وضعيتهم المادية، ووضع نظام أساسي محفز لموظفي كتابة الضبط، وجعل ذلك ضمن المحور الأول للإصلاح، المتعلق بدعم ضمانات الاستقلالية » . وكان من المفترض أن يواجه اهتمام وزارة العدل بانشغالات كتابة الضبط، ودينامية الحوار الجارية باستمرار، والبحث الدؤوب عن إمكانيات الاستجابة لما هو ممكن من المطالب بصفة آنية، بتفهم المضربين، وتعليق الإضراب والعودة إلى العمل ولو بصفة مؤقتة، مما قد يخلق بيئة طبيعية، ويعطي لوزارة العدل فسحة زمنية لالتقاط الأنفاس، وترتيب الأوضاع، دون إكراه أو محاولة استغلال، بتوظيف هامش الحرية - على تواضعه المتوفر ببلادنا، بطريقة تعسفية. ذلك أن استمرار الإضراب، بالطريقة التي يتم بها، والآثار السلبية المترتبة عنه، نتيجة التوقف عن العمل لمدة شهرين، خلقت خسارة مالية تجاوزت ثلاثين مليون درهم، وهي أموال عامة مصدرها جيوب المواطنين بطبيعة الحال. هذا بالإضافة إلى أن الإضراب، بالطريقة التي ينفذ بها، قد يشكل مساً بحقوق المواطنين وحرياتهم، لأن الإضراب الطويل الأمد يفوت على المتقاضين، كثيراً من الحقوق والحريات، التي لا يمكن الحفاظ عليها إلا بواسطة قرارات قضائية، هذه القرارات لا يمكن إصدارها في ظل إضراب مستمر لكتابة الضبط، جعل عمل القضاء معطلاً. ويجب التنبيه، والتذكير بمسؤولية، ودون مغازلة، أو دغدغة عواطف - أنه إذا كان الإضراب حقاً مشروعاً، لتحقيق غايات مشروعة، لفئة خاصة، فلا يجب أن يصبح تعسفاً مضراً بمصالح اجتماعية عامة، ضرورة حمايتها والحفاظ عليها مشروعة أيضاً، ومن الواجب أن يستحضر الجميع أن الأجر هو مقابل العمل، واستمرار التوقف عن العمل بطريقة قد تصبح تعسفية، يجعل توقيف الأجر مبرراً أيضاً تجنباً لتشجيع الإثراء بلا سبب، وهذا الموقف لا يلغي الاعتراف بالوضعية الصعبة التي يعيشها موظف كتابة الضبط، إلا أنه يجب الأخذ بمنطق خذ وطالب، باعتبار أن ما لا يدرك كله، لا يترك بعضه.