إذا كانت عملية الاقتراع تحدد مختلف عمليات التصويت وطرق احتساب الأصوات الخاصة بكل مرشح في عملية انتخابية معينة. فان الحديث عن الاقتراع يحيل كذلك على حالة تصويت مجلس على قرار معين.فيما يرتبط في اللغة المتداولة بالتصويت عن طريق الأوراق. وقد يكون الاقتراع أحاديا ( التصويت لمرشح واحد)، أو باللائحة ( التصويت للائحة مرشحين)،أو أغلبيا من دور واحد أو دورين، أو نسبيا، أو مختلطا يجمع بين النظامين الاغلبي والنسبي. وتبقى الأنظمة الانتخابية مجموعة من العمليات والمعايير والمواصفات التي تشمل أنماط الاقتراع، توزيع المقاعد بمختلف المجالس، وكذلك العناصر الأساسية المرتبطة بالنظام السياسي (عدد الأحزاب السياسية،مدى استقرار الحكومة القائمة).وبالتالي فالنظام الانتخابي أو نمط الاقتراع يعبر بالضرورة عن توجه وأهداف سياسيين. فإذا كان النظام النسبي هو الأكثر تعبيرا عن أصوات المواطنين، فانه لا يسمح في المقابل بضمان استقرار الحكومة عكس النظام الاغلبي الذي يعطي ضمانات اكبر للاستقرار الحكومي كما هو الحال بفرنسا وبريطانيا. إذا كان نمط الاقتراع يسمح بالمرور من مرحلة احتساب الأصوات إلى مرحلة توزيع المقاعد وتعيين المنتخبين، فان النظام الانتخابي يتأسس على مجموعة من محددات العملية الانتخابية برمتها وآثارها على الحياة السياسية (التأثير على تنظيم الأحزاب السياسية، التناوب على الحكم، الخ). وإذا كان الكفاح المستمر من اجل إرساء أنظمة انتخابية وتوسيع مجالاتها قد حقق إجماعا حول مبدأ التصويت العام الحر في الديمقراطيات التمثيلية، فان الاختلاف قد بقي قائما حول أنماط الاقتراع التي تتحكم في تحديدها مجموعة من المعطيات المرتبطة بالتاريخ السياسي للدولة،مدى الحاجة إلى التمثيلية،وآراء الأحزاب السياسية ومواقفها. وبالتالي فأنماط الاقتراع تبقى قابلة للتحول تبعا للسياق التاريخي للدولة وتطور نظامها السياسي كما هو الحال بفرنسا التي ارتبط فيها الحق في التصويت بتطور مفهوم المواطنة. فإذا كان دستور 1971 قد اقر حق التصويت فانه قد جعله في المقابل مرتبطا بمبدأ المواطنة التي ظلت مرتبطة بالمعيار الضريبي، وبالتالي أصبح هذا الشرط عامل إفساد لمبدأ المساواة بين المواطنين إلى حدود سنة 1814 حيث تم توسيع مجال الحق في التصويت بشروط كذلك ارتبطت بالدخل والسن وأقصت المرأة.فأصبح يشترط لممارسة حق التصويت أن يتعدى سقف الأداء الضريبي السنوي عتبة 300 فرنك، فيما كان اكتساب حق الترشيح مشروطا بتجاوز عتبة الألف فرنك فرنسي، وبالتالي لم يكن حجم الكتلة الناخبة يتجاوز المائة ألف. في سنة 1820، مرر لويس الرابع عشر قانون التصويت المزدوج الذي يسمح للناخبين الأكثر غنى بالتصويت مرتين في الانتخابات التشريعية.بعد 1830 ، وفي أفق إرساء وتقوية السلطة السياسية للبورجوازية، تم تخفيض العتبة الضريبية التي تسمح باكتساب الحق في التصويت إلى 200 فرنك فرنسي فيما خفضت العتبة الضريبية التي تسمح باكتساب الحق في الترشيح إلى 500 فرنك فرنسي. وبالتالي كان من الضروري انتظار ثورة 1848 من اجل فرض نمط الاقتراع العام الذي بقي منقوصا كذلك بسبب حصره في الرجال البالغين من العمر 21 سنة. وهو ما فتح المجال لأول مرة في تاريخ فرنسا لممارسة 9 ملايين فرنسي لحقهم في التصويت بمناسبة انتخابات 1848 في ظل إقصاء النساء وفئات اجتماعية معينة كالجنود وسكان المخيمات. غير أن قانون 31 ماي 1850، قد عاد من جديد للتضييق على مبدأ الاقتراع العام من خلال إقصاء العديد من اللوائح الانتخابية واشتراط الإقامة لثلاث سنوات قصد اكتساب حق التصويت مما جعل 30 في المائة من المواطنين الفرنسيين يفقدون حقهم في التصويت . وقد أتى قانون 29 يوليوز 1913، الذي كان يهدف إلى إرساء سرية نزاهة عملية التصويت ومعها مختلف العمليات الانتخابية ليفرض استعمال المظروف الانتخابي وإلزامية المرور من المعزل مع منع وضع أي علامة مميزة تدل على هوية المصوتين. ليستمر الوضع إلى حدود سنة 1944 ، حيث تمكنت النساء أخيرا من الحصول على الحق في التصويت ولينخفض بعدها سن التصويت إلى 18 سنة مع حلول سنة 1975 . وبالتالي، كان على فرنسا انتظار أكثر من قرن ونصف لترسي مبدأ « إنسان/ صوت» الذي يسمح بمشاركة جميع المواطنين على قدم المساواة ويمكن بالتالي من إرساء نظام الديمقراطية التمثيلية.