يواصل مسلسل «سقوط الخلافة» تألقه ونجاحه كاشفا عن أن الأسباب التي أودت بالخلافة العثمانية وسقوط إمبراطوريتها، ليست بعيدة عما يحدث في العديد من الدول الآن، مؤكدا أن المؤامرات التي حيكت لها لم تكن خارجية فقط بل داخلية أيضا. وما أشبه الليلة بالبارحة حيث لم يختلف التربص الغربي والصهيوني بالعالمين العربي والإسلامي، وإن اختلف المراد من وراء تربصه، وأن تمزيق الإمبراطورية العثمانية طبخ على نار هادئة وبدأ جزءا جزءا وانتهى باتفاقية «سايكس بيكو» التي رسمت الخارطة الجديدة للعالم العربي والإسلامي. المؤلف الكاتب يسري الجندي يؤكد أنه لم يهدف من وراء المسلسل إلى إنصاف فترة مهمة من تاريخ العرب والمسلمين فقط، بل رمى إلى التنبيه بخطر الديون الخارجية والتآمر الخارجي والداخلي، والتحذير من الضعف والتهاون في امتلاك القوة، قوة التقدم والتطور، القوة السياسية والفكرية والاقتصادية.. وقال «هذا هو درس الدولة العثمانية وكل عصر». الجندي لا يقدم في مسلسله تاريخا جافا وإن التزمت أحداثه بالوقائع، بل تاريخا دراميا مفعما بروح حياة، بشر حقيقيون، من لحم ودم وأحاسيس ونزعات فيها الخير والشر والحب والكره والغيرة، نجح المخرج الأردني محمد عزيزية والمنتج العراقي محسن العلي في بلورته عبر نسيج واسع من الفنانين المشاركين: عباس النوري في دور السلطان عبدالحميد، سميحة أيوب في شخصية والدة السلطان مراد وعبدالرحمن أبو زهرة في شخصية جلال الدين باشا، وأشرف عبدالغفور في دور رشدي باشا، وأحمد ماهر في دور عبدالله النديم، وأحمد عبدالحليم في دور جمال الدين الأفغاني، وعبدالعزيز مخيون فى دور برهان. وعلى الرغم من تميز الأداء المصري متجليا بشكل خاص في أداء أبو زهرة وعبدالغفور ومخيون وسميحة أيوب، إلا أن أداء الفنان السوري عباس النوري كان لافتاً بقوة، حيث يلعب شخصية السلطان عبدالحميد الثاني باقتدار من يعيش مأزقا وطنيا وإنسانيا خاصا وعاما في ذات الوقت. الجندي الذي حاول انصاف السلطان عبدالحميد، رأى أن الرجل ظلم وأن ما شنه الغرب عليه من هجوم شرس اتهمه فيه أنه دموي، كان زائفا ووراءه الانتقام منه لأنه كان يقاوم سقوط الخلافة ويقف ضد السطو على ولايات الخلافة، والأهم من ذلك تنبهه المبكر لخطورة الحركة الصهيونية ورفضه القطعي والحاسم السماح لليهود باستيطان فلسطين، على الرغم من الإغراءات الغربية والصهيونية بتغطية ديون الدولة العثمانية كاملة ودعم كل مشاريعه لاستعادة قوة الدولة. وحرص الجندي على التأكيد على أن المسلسل يحظى بمتابعة مصرية وعربية هائلة، وأن الدراما التاريخية غالبا ما تجد هذا الإقبال الكبير من الجمهور. وقال «دراميا المسلسل لا يستند إلى العوامل التاريخية فقط، بل يقيم بناء دراميا يعتمد بشكل أساسي على النسيج الحي».