التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مجلسا النواب والدولة في ليبيا يستغربان تدخل الخارجية الليبية في لقائهم في المغرب    الرجاء يحقق فوزًا ثمينًا على شباب المحمدية بثلاثية نظيفة    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظرية مؤامرة أم مخططات تاريخية مفعلة؟
نشر في هسبريس يوم 23 - 08 - 2010


نصوص للتأمل:
" ألا تبحث الأنظمة عن استمداد الشرعية من الخارج بما أنها فقدتها من شعوبها ؟ لماذا اختار "أوباما" مصر بالذات لإلقاء خطابه مع أن نظامه لا يلتقي مع النظام المصري ولا أي نظام عربي آخر في أية قيمة من قيم الديمقراطية..." (المقال)
" نشرت مجلة "executive intelligent research project " التي تصدرها وزارة الدفاع الأمريكية في يونيو 2003، مشروع "Bernard Louis " الذي جمع مقترحاته حول تقسيم الشرق إلى أكثر من ثلاثين دويلة إثنية ومذهبية لحماية المصالح الأمريكية وإسرائيل، ويتضمن المخطط تجزئة العراق إلى ثلاث دويلات، وإيران إلى أربعة، وسوريا إلى ثلاث، والأردن إلى دويلتين، ولبنان إلى خمس دويلات، وتجزئة السعودية إلى عدة دويلات... إلخ. ويرى "Bernard Louis" أن كل الكيانات ستشلّها الخلافات الطائفية والمذهبية، والصراع على النفط والمياه والحدود والحكم، وهذا ما سيضمن تفوق إسرائيل في الخمسين عاما القادمة على الأقل" د. أحمد سعيد نوفل..وللإشارة فبرنارد لويس هو المستشرق الأمريكي المتخصص في دراسة التاريخ الإسلامي وتفاعل المسلمين مع الغرب.
" إن مناصب الشغل لدينا، ونمط حياتنا، وحريتنا وأيضا حرية الدول الصديقة لنا عبر العالم، ستتأثر سلبيا إذا ما سقط أكبر مخزون للنفط في العالم بين يدي صدام حسين " وهذا التصريح لجورج بوش الأب عام 1990 في استجواب مع إذاعة فرنسية هو الذي جعل المفكر المغربي وعالم المستقبليات المهدي المنجرة يتنبأ بغزو العراق من طرف أمريكا.
" الأمة الأمريكية هي الأمة الضرورية التي لايمكن الإستغناء عنها..إننا في درجات عالية، وبالتالي ، فإننا نرى أبعد مما تراه الأمم الأخرى" ( ما دلين أولبرايت) " بحكم تقدمه الكبير فإن الغرب مؤهل لتغريب وغزو شعوب جديدة " (سلفيو برلسكوني). د.المهدي المنجرة.
" تولت نخبة من المثقفين الأمريكيين التأسيس لأفضلية القيم الأمريكية في البيان الذي أصدرته عقب أحداث 11 شتنبر، والذي كان الغرض منه الإستدلال الأخلاقي على وجوب محاربة "الإرهابيين" وقد وضحنا كيف أن المسلمات الأخلاقية التي انبنى عليها هذا الإستدلال (...) ليست مبادئ كونية غير نسبية نظرا إلى أنها تتضمن مفاهيم فيها تحكم وتصنع ، ولا هي مبادئ متسقة غير متناقضة نظرا إلى أنها لا تكفي في استنتاج كل القيم المتضاربة المعمول بها داخل المجتمع الأمريكي..." د. طه عبد الرحمان.
اعتبر "Nixon" في كتابه تيار القومية العربية تيارا رجعيا لأنه يحلم بالوحدة العربية، والتيار الثاني وصفه بالتقدمي لأنه ربط العالم الإسلامي بالغربي سياسيا واقتصاديا أي استتبعه والتيار الثالث نعته بالمخيف لأن " هؤلاء الأصوليون ينطلقون من الماضي لكن عيونهم على المستقبل ، هؤلاء ليسوا محافظين بل هم ثوار، يريدون الإسلام دينا ودولة، ويريدون تطبيق الشريعة الإسلامية، ويريدون بعث الحضارة الإسلامية من جديد" وهو يدعو حلف الأطلنطي لمواجهة هذا التيار. ( أنظر كتاب: Nixon " Victory Without War " ، وهناك بعد آخر لهذا الخوف وهو الموقع الجغرافي للعالم الإسلامي والثروات التي يحظى بها ، والتي باعها الحكام اليوم للأسف واستفادت منها عصابات المافيا دون الشعوب المقهورة التي ترزح تحت الفقر وتلهى بالسفاسف !
سئل وزير خارجية إيطاليا – وهو رئيس المجموعة الوزارية الأوربية ويتحدث باسم أوربا- ما المبرر لوجود حلف الأطلنطي بعد انتهاء حلف وارسو ؟ فأجاب : "المواجهة القادمة مع العالم الإسلامي". ثم سئل : وما السبيل لوقف هذه المواجهة ؟ أجاب : " أن يقبل الآخر بالنموذج الغربي" .
" لقد استطاع النشاط التعليمي والثقافي عن طريق المدارس العصرية والصحافة وتعليماتنا الخاصة أن يترك في المسلمين - ولو من غير وعي منهم - أثرا جعلهم يبدون في مظهرهم العام لا دينيين إلى حد بعيد.ولا ريب أن ذلك هو اللب المثمر في كل ما تركت محاولات الغرب لحمل العالم الإسلامي على حضارته من آثار. فالواقع أن الإسلام كعقيدة وإن لم يفتقد إلا قليلا من أهميته وسلطانه. ولكن الإسلام كقوة مسيطرة على الحياة الإجتماعية قد فقد مكانه " المستشرق الإنجليزي Gibb في كتابه "wheither islam".وانظر ما قاله Lord LIOLYD في مذكراته "Egypt since Cromer"، وكتابات أخرى يضيق بها المجال..
" لقد اعتقد نفر من البريطانيين وعلى رأسهم "كينشز" أن من شأن ثورة العرب على الأتراك أن تتيح الفرصة لإنجلترا كي تنتصر على تركيا...لذلك تركوا الحركة العربية تولد وتنمو وتمتد بعد أن استحصلوا من الحكومة البريطانية على وعد صريح بمساندتها وتغذيتها ودعهما..." وأمور أخرى في كتاب : أعمدة الحكمة السبعة / لورانس العرب.
" إن الغرب والفكر الشائع في الغرب يرى أن الإسلام هو العدو الجديد ، لأن الإسلام أثبت أنه حالة استثنائية في مقاومة العلمنة...ومن ثم فإن الإسلام هو التحدي الوحيد أمام الثقافة الغربية التي تتصف بالشك والتحلل واللاأدرية " مجلة "شؤون دولية" التي تصدر في لندن ملف: الإسلام والماركسية ، والإسلام والمسيحية / يناير 1990م
"...وتحول العالم الإسلامي العربي إلى هامش للأمن الإقتصادي والسياسي والعسكري للغرب كل ذلك ناهيك عن الغزو الثقافي لمحو الهوية..ومعركة الهوية هي الأخطر لأن الأمة إذا فقت هويتها فقدت الإستقلال في إرادتها ولن تقاوم حتما بل تستسلم... لقد أعلن الغرب عن سقوط امبراطورية الشر الشيوعية والإسلام سيكون هو العدو الجديد... لقد أفلح الغرب في أن يجعل بلادنا تيارات فكرية وجمعيات وأحزابا وجامعات وبعثاث ومدارس تسك عقولا منمطة وفق النموذج الغربي...ليكون استسلام الأمة استسلاما أدبيا ! " (المقال)
"...الطرق الصوفية لها بعد استراتيجي في السياسة الدولية بتدخل الولايات المتحدة الأمريكية، هذا فضلا عن تحول التدين عند هذه الطرق إلى موالد وموائد وأوارد وخضوع للشيخ والتزام ب"إشاراته الربانية " و "تخطيطه الإلاهي"... نحن نتحدث هنا عن إيديولوجيا سياسية خطيرة تتبناها الطرق وتقدمها قربانا للأنظمة والحكومات "أنظر التفاصيل في مقالي : الدور السياسي والإستراتيجي للطرق الصوفية.
ناقشت مسألة صدام الحضارات ونظرية المؤامرة مع أخت كريمة التي أشكر لها اهتمامها بموضوع قلما تهتم به فتاة مغربية، فكان ذلك داعيا لكتابة هذا المقال..لابد وأن نستقرئ التاريخ لنفهم ما نحن بصدده لأن عزل أي قضية عن سياقها التاريخي وراهنيتها الواقعية من شأنه أن يقود إلى نوع من عمى الأفكار الشبيه بمرض عمى الألوان أو العمى الكلي الذي يجعل البعض لا يميز الظلمة الدامسة عن ضوء الشمس في رابعة النهار،لنعلم أن هذا الواقع الذي نعيشه اليوم كان جراء مخططات استعمارية تاريخية طيلة قرون وقرون من الزمان ولنميز منا من دخل في اللعبة وباع وخان ومن يقاومها، ولنضع كتابات أهل "الخيانة الثقافية" في موضعها ، ولنعلم أنه كما كان الخونة موجودين أيام أجدادنا الغارقين في الدماء المقاومين بكل ما لديهم والذين يمنع عنهم أي سلاح يقاتلون به كذلك اليوم يوجد خونة في هيأة "مثقفين" و"مفكرين" يرمقون من الدين ومن الوطن كما يمرق السهم من الرمية، في ظل ظروف تمنع عن كل منافح من أجل دينه وثقافة بلاده أي سلاح فكري يقاوم به الغزو والمسخ الثقافي بدء بمسخ التعليم ومأسسة الجهل ثم برهن الإعلام للسفاسف والإستجهال والضحك على الناس وترويج " إسلام الحلاقي" الذي لا يمس في شيء واقع الناس ومشكلاهم وتكميم أفواه الدعاة وطردهم إذا ما فضحوا الفجور السياسي في هذا البلد وخرجوا عن القاعدة - التي سطرها الحسن الثاني للعلماء في الخطاب الموجه لهم عام 1984 والتي ذكر بها أحمد التوفيق في درسه الحسني- كما حدث للدكتور رضوان بنشقرون.
ليست المؤامرة نظرية وليس هناك من مسوغ للحديث عنها أصلا، لأن المؤامرة تعني أن هناك إئتمارا في السر وتدبيرات في الخفاء، أما والغرب يعلن استعداءه للإسلام ويمارس في الواقع إبادات للمسلمين فلا نظرية ولا مؤامرة ، بل الأمر واقع مشهود يعيشه المسلمون لا على مستوى بطون الكتب والمقالات أو المشاعر والأحاسيس بل على مستوى الدماء التي نزفت وتنزف بينهم في أراضي المسلمين سواء في الشرق الأوسط أو في غيره، يعيشها المسلمون في ظل حكامهم الخونة الذين باعوا كل شيء ، حتى المياه المستعملة، ونخبهم المثقفة المرتزقة الذين يعملون على نشر الأفكار الهدامة المفرقة بينهم..ليست المسألة في موقفنا من الغرب بل هي موقف الغرب منا نحن، لا أحتاج هنا لاستعراض الرؤية الإسلامية فيما يخص الإختلاف والتعدد حتى داخل الدين نفسه بمذاهبه المعروفة بله الحضارات والثقافات، ولا استعراض الرؤية الغربية وموقفها من التعدد حتى داخل الديانة المسيحية التي قامت من أجل الإختلاف المذهبي فيه حروب طاحنة ، أو موقفها من تعدد الحضارات والثقافات الذي تعكسه بوضوح "الثقافة الكونية" المفروضة عنوة على شعوب العالم..والمعنى أن موقفنا نحن المسلمين من الآخر هو موقف قبول واعتراف بالإختلاف كما نطق به الذكر الحكيم،بينما الغرب يقف موقف استعلاء ورفض.
لقد أعلن الغرب موقفه الواضح من الإسلام وقام بغزو أرض المسلمين وتقتيلهم وذبحهم وإبادتهم أفنتساءل بعد ذلك هل هناك مؤامرة أم لا ؟
إن صراع الشرق والغرب صراع قديم ليس وليد اليوم أو وليد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لقد غزا الإغريق والرومان بلاد الشرق، وزحف الرومان إلى شمال إفريقيا، وحتى قبل ميلاد الرسول الكريم عرفت الجزيرة العربية محاولة للغزو ممثلة في غزوة الفيل، ونذكر هنا أن الفتوحات الإسلامية إنما كانت من أجل تحرير الشرق وشمال إفريقيا من الإحتلال ، ووقت هذه الفتوحات لم تدر أية حرب مع جيش إسلامي وشعب من شعوب هذه البلدان بل دارت ضد بقايا الهيمنة الإغريقية والرومانية التي مسخت هويات الشعوب التي احتلوها، وحتى الديانة النصرانية في مصر آنذاك كانت مضطهدة يتوارى أهلها في الكهوف والجبال لولا المسلمون فأعادوهم لبيوتهم وردوا إليهم كنائسهم التي كانت مغتصبة من البيزنطيين. ثم بعد أن حررت البلاد من هيمنة الإغريق والرومان جاء الغرب من جديد بحروبه الصليبية كي يستعيد الهيمنة، ثم بعد انهزام الصليبيين وفتح القسطنطينية التي سيطر عليها البيزنطيون من قبل محمد الفاتح الذي بشر به حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال قبل 800 عام :" لتفتحن القسطنطينية على يد رجل" ، ودخول المسلمين إلى البوسنة والهرسك بعد عشر سنوات من هذا الفتح ، أخذ الغرب يركز جهوده لاقتلاع المسلمين فكان سقوط غرناطة وإخراج المسلمين من الأندلس عام 1492 ميلادية، وفي نفس العام بدأت " رحلة كريستوف كولمبس" الذي قصد الإلتفاف حول العالم وفي سفينته مسلمون مكبلون ليكونوا دليله ومترجمين له في حملته الإستكشافية ، لكنه أخطأ طريقه فاتجه نحو أمريكا "العالم الجديد" ، ثم بعده حملة "فاسكو دغاما" الذي اكتشف رأس الرجاء الصالح عام 1497 م كل هذا بعد 5 سنوات من سقوط غرناطة، وعندما ذهب البرتغاليون إلى الهند كانت الهند آنذاك إسلامية ، ولقد أدرك المماليك في مصر الخطورة الإستراتيجية التي يبتغيها الغرب فخرجت الجيوش المملوكية لتقاتل البرتغاليين في الهند ، لكنها هزمت بعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح بأقل من سبع سنوات أي عام 1405، والعثمانيون أدركوا الخطر الإستراتيجي الملتف بالعالم الإسلامي بعد هزيمة الجيوش المملوكية فكان أن ضموا هذا الكيان الإسلامي الضعيف عسكريا، ولم ينته التفاف البرتغاليين على المسلمين بل توجهوا نحو الفلبين التي كانت بلادا إسلامية ودخلها "ماجلان" الذي مات في قتاله ضد المسلمين.
بعد ذلك جاء "بونابرت" و"فريزر" إلى قلب العالم الإسلامي ، واحتلت الجزائر عام 1830م، ثم عدن عام 1838، ثم تونس عام 1881م، ثم مصر 1882م، ثم ليبيا عام 1911م، ثم الغرب عام 1912م، ثم اتفاقية "سيكس بيكو" التي عمت بها البلوى عام 1916م، ثم سقوط الدولة العثمانية عام 1924م. تم الغزو واستنزاف الثروات وتحول العالم الإسلامي العربي إلى هامش للأمن الإقتصادي والسياسي والعسكري للغرب كل ذلك ناهيك عن الغزو الثقافي لمحو الهوية..ومعركة الهوية هي الأخطر لأن الأمة إذا فقت هويتها فقدت الإستقلال في إرادتها ولن تقاوم حتما وهو مانجده اليوم للأسف، ثلة ممن يعيشون بين ظهرانينا يمجدون المستعمر وما انفكوا يستوردون منه مع الطائرات والحواسيب و الإبر وسراويل الجينز المفروكة في المؤخرة المفاهيم والمناهج وتفننات الطعن في الإسلام من أحابيل الشبهات الملونة ! هذا ناهيك عن الغزو الفكري الذي رفع المستشرقون رايته محاولين تشكيك المسلمين في عقيدتهم وإزاحة الإسلام عن الدولة تمهيدا لإزاحته عن الحياة الخاصة للأفراد وهو الأمر الذي بدأنا نسير إليه من خلال ظواهر تطفو على السطح حتى أصبح من الشباب الآن من لديه حساسية من الإسلام يسب الله والدين ويهزأ به وهو ذو الأمية الثقافية بالكاد استطاع فك الحرف ، ويحسب أن المشكلات الفكرية إنما تحل بالحفظ والإستنساخ والإستظهار ! للأسف تعليمنا الممسوخ يخرج شبابا يقوم بما أسميه الإندمار الذاتي أو الإنظلام الذاتي، وليس في جعبته أي شيء ولم يتعلم من كل تلك السنين سوى فك الحرف بله أن يواكب التطورات أو يناقش وفق ضوابط المعرفة وأصول الإستدلال، إذا قرأ سطرين قرأهما وسماعات الموسيقى الصاخبة في أدنيه ثم بعدها يخرج متوهما أنه مثقف..وهذه هي النهاية !
لقد أعلن الغرب عن سقوط امبراطورية الشر الشيوعية والإسلام سيكون هو العدو الجديد.. سئل وزير خارجية إيطاليا – وهو رئيس المجموعة الوزارية الأوربية ويتحدث باسم أوربا- ما المبرر لوجود حلف الأطلنطي بعد انتهاء حلف وارسو ؟ فأجاب : "المواجهة القادمة مع العالم الإسلامي". ثم سئل : وما السبيل لوقف هذه المواجهة ؟ أجاب : " أن يقبل الآخر بالنموذج الغربي". أي أنه إن لم نقاوم النموذج الغربي فسيكون حلف الأطلنطي موجها ضدنا !
لقد أفلح الغرب في أن يجعل بلادنا تيارات فكرية وجمعيات وأحزابا وجامعات وبعثاث ومدارس تسك عقولا منمطة وفق النموذج الغربي، ووفق المناهج الغربية ليكون استسلام الأمة استسلاما أدبيا. ولطالما لعب الغرب على قضية الأقليات منذ الغزو الصليبي ، والحركة الصهيونية نفسها كانت مخططا غربيا وإلا فاليهود تعايشوا مع المسلمين في ألفة عجيبة ويذكر المفكر المصري محمد عمارة أن الأجرومية العبرية كانت على نحو الأجرومية العربية وتأثر عروض الشعر العبري بعروض الشعر العربي، وفلاسفة اليهود كانوا تلامذة فلاسفة المسلمين ، بمعنى أن اليهود لم يشهدوا اندماجا إلا في الحضارة الإسلامية ، وذكر "ول ديورانت" أن محاكم التفتيش الإسبانية طالت اليهود أيضا إلى جانب المسلمين بل وحتى بعض المسيحيين المتهمين بالهرطقة. فالأقليات كانت دائما بمثابة أحابيل يعول عليها الغرب لتفتيت المسلمين، ففي العراق لعبوا على الطائفية الدينية وعلى العرقية فكان من السنة من والى الأمريكيين وكذلك من الشيعة وكان من الكرد والعرب مثل ذلك، ويعولون على النعرات القومية من عربية وأمازيغية، فمن العرب والأمازيغ من هو ضد المخططات الغربية وفي القيادات المغاربية الإسلامية عرب و أمازيغ ومن هم من يتملق للصهاينة جهارا ويسب الإسلام والمسلمين وكأنه شيطان حريص على إشعال فتيل الحروب الأهلية..يكفي أن نعرف من كان وراء حروف تيفيناغ ، إنهم الفرنكفونيون والأمازيغ لطالما رضوا بالحرف العربي في الكتابة وهو أجمل وأحسن من تلك الحروف المسمارية، وأنا أمازيغي شلح لا أكتب الأمازيغية إلا بالحرف العربي حتى اضطر لتلك المسامير ! ومسألة التنصير ليست أبدا مرتبطة بالحرية الدينية وينبغي قراءتها في سياقها التاريخي ، وتحدث الدكتور عمارة عن مؤتمر بكلورادو في الولايات المتحدة سنة 1978 تضم 47 بحثا تقول وثائقه :" إنه عندما بدأ التنصير كان هدفه تنصير المسلمين" ، وهو الذي يحدث على أرض الواقع. بل إن الجامعات الأمريكية في القاهرة وبيروت وإسطنبول قامت على أساس تنصير المسلمين، وإحياء الكنائس الشرقية "العظام الناشفة" كما يقولون من أجل تنسيق عملية التنصير بينهم وبين الكنائس المحلية. وهذا ليس كلاما من عندنا بل هو موجود وموثق في كتاباتهم.
لن أطيل في الحديث عن الحركات النسوية التي ما جاءت لتحرير المرأة بل هي أداة غربية واضحة في إطار عملية التفكيك التي تشن على العالم الإسلامي بدل الحروب، يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله " والعالم الغربي الذي ساند الدولة الصهيونية- التي تحاول تفكيك العالم الإسلامي سياسيا وحضاريا- يساند بنفس القوة حركات التمركز حول الأنثى ، في بلادنا...فالعالم الغربي الذي أخفق في عملية المواجهة العسكرية المباشرة مع العالم الثالث في مقاومته يعود إلى تماسكها، الذي يعود بدوره إلى وجود بناء أسري قوي، لا يزال قادرا على توصيل المنظومة القيمية، والخصوصيات القومية إلى أبناء المجتمع، ومن ثم يمكنهم الإحتفاظ بذاكرتهم التاريخية، وبوعيهم بثقافتهم وهويتهم وقيمهم...وإذا كانت الأسرة هي اللبنة الأساسية في المجتمع، فإن الأم هي اللبنة الأساسية في الأسرة، ون هنا تركيز النظام العالمي الجديد على قضايا الأنثى ! فالخطاب المتمركز حول الأنثى هو خطاب تفكيكي...وهو خطاب يهدف إلى توليد القلق، والضيق والملل ، وعدم الطمأنينة في نفس المرأة ، عن طريق إعادة تعريفها ! بحيث لا يمكن أن تتحقق هويتها إلا خارج إطار الأسرة !وإذا انسحبت المرأة من الأسرة تآكلت الأسرة وتهاوت ! وتهاوى معها أهم الحصون ضد التغلغل الإستعماري والهيمنة الغربية !" . ثم لنتساءل بعد هذا مالذي جلبه هذا التيار للمرأة المغربية والعربية بوجه عام غير تصدير المؤخرات والخروج سافرة عارية، ماذا غير التمرد ؟ المرأة العالمة والمفكرة والمثقفة على العين والرأس، حقوق المرأة في تعليم مواكب للعصر والمشاركة بفعالياتها بما لايضر بالمجتمع على عيوننا..لقد ربطوا حقوقها وحريتها وتحررها بالإنحلال والتحلل وأصبح لدى الأطفال أمهات متصابيات متقنات ل "التبرهيش" بكل ألوانه والمساواة مع الرجل علموها أنها ركوب المغامرات الجنسية وافتراض الصراع بما يدمر علاقة الجنسين ودونكم المحاكم ملأى بقضايا زوجية لأتفه الأسباب !
أي تساءل بعد هذا – وليس هذا إلا غيضا من فيوضات جارفة – عن وجود نظرية المؤامرة، وإياك لقد سقطت ضحية نظرية المؤامرة ! لسنا نحن من قال بل الغرب من قال وفعل ومارس وطبق..إن المخططات الغربية ضد العالم الإسلامي مخططات تاريخية، ولن تواريها تلك الحروب اللغوية التي تشن على المسلمين من وسائل الإعلام والتي سقط ضحيتها العديد منهم حتى أصبحوا ينكرون ما ينكره العميان من ضوء الشمس في رابعة النهار، وهذا ما كان يقصده أحد المفكرين الفرنسيين حين قال :"إن الحروب المقبلة ستكون لغوية " أي القدرة على تحقيق الأهداف المتوخاة على المستوى الدولي ينبغي أن يتم بواسطة الجذب عوض الإجبار كما جاء في عدد لمجلة " الشؤون الخارجية". إن العرب والمسلمين لهم إمكانيات ذاتية لمواجهة المشاريع الكولونيالية، لكن ماذا لو كانت الأنظمة السياسية نفسها داخلة في اللعبة ؟ ألا تبحث الأنظمة عن استمداد الشرعية من الخارج بما أنها فقدتها من شعوبها ؟ ألا تبحث الأنظمة عن استمداد الشرعية من الخارج بما أنها فقدتها من شعوبها ؟ لماذا اختار "أوباما" مصر بالذات لإلقاء خطابه مع أن نظامه لا يلتقي مع النظام المصري ولا مع أي نظام عربي آخر في أية قيمة من قيم الديمقراطية ، مع أن مصر شاركت في حصار غزة ومنع قافلة الحرية واعتقال أعضاءها ناهيك عن القهر اليومي للشعب والقمع الذي لا يغفو لكل المعارضين ! ببساطة لأن مصر تحافظ على أمن إسرائيل مع أشقاءها الخونة في الشرق الأوسط ! أين هي "القيم الكونية" المزعومة التي يريدون إهداءها لشعوب العالم، ستكون يوم يتساوى المسلم البسيط المقهور مع الإسرائيلي والأمريكي..ولا تنتظر أن يكون لأن الحقوق لا تهدى بل هي ثمرة تقديم تضحيات جسام لو تعلمون..
إن الموضوع ذو شجون وليس هذا إلا قطرة من فيوضات جارفة..
مراجع :
- دور إسرائيل في تفتيت الوطن العربي / د.أحمد سعيد نوفل /متخصص في العلوم السياسية.
- قمية القيم / د. المهدي المنجرة المفكر المغربي وعالم المستقبليات.
- إلى أين يتجه الإسلام ؟ / المستشرق الإنجليزي "جب".
- أعمدة الحكمة السبعة / لورانس العرب.
- الحق الإسلامي في الإختلاف الفكري / د.طه عبد الرحمان الفيلسوف وعالم المنطلق واللسانيات.
- نصر بلا حرب / الرئيس الأمريكي الأسبق "ريتشارد نيكسون".
- مقال :الدور السياسي والإستراتيجي للطرق الصوفية/ حفيظ المسكاوي.
- المخططات الغربية تجاه المسلمين/ د. محمد عمارة مؤرخ ومفكر إسلامي مصري.
- قصة الحضارة / ول ديورانت : المؤرخ والفيلسوف الأمريكي "ول ديورانت".
- العلمانية الشاملة والعلمانية الجزئية/د. عبد الوهاب المسيري مفكر إسلامي ومؤسس حركة "كفاية" المعارضة في مصر والمتوفى رحمه الله.
[email protected]
http://elmeskaouy.maktoobblog.com
face book: hafid elmeskaouy


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.