واشنطن ترفض توقيف نتانياهو وغالانت    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    اعتقال موظفين ومسيري شركات للاشتباه في تورطهم بشبكة إجرامية لتزوير وثائق تسجيل سيارات مهربة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    بورصة البيضاء تنهي التداولات ب "انخفاض"    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظرية مؤامرة أم مخططات تاريخية مفعلة؟
نشر في هسبريس يوم 23 - 08 - 2010


نصوص للتأمل:
" ألا تبحث الأنظمة عن استمداد الشرعية من الخارج بما أنها فقدتها من شعوبها ؟ لماذا اختار "أوباما" مصر بالذات لإلقاء خطابه مع أن نظامه لا يلتقي مع النظام المصري ولا أي نظام عربي آخر في أية قيمة من قيم الديمقراطية..." (المقال)
" نشرت مجلة "executive intelligent research project " التي تصدرها وزارة الدفاع الأمريكية في يونيو 2003، مشروع "Bernard Louis " الذي جمع مقترحاته حول تقسيم الشرق إلى أكثر من ثلاثين دويلة إثنية ومذهبية لحماية المصالح الأمريكية وإسرائيل، ويتضمن المخطط تجزئة العراق إلى ثلاث دويلات، وإيران إلى أربعة، وسوريا إلى ثلاث، والأردن إلى دويلتين، ولبنان إلى خمس دويلات، وتجزئة السعودية إلى عدة دويلات... إلخ. ويرى "Bernard Louis" أن كل الكيانات ستشلّها الخلافات الطائفية والمذهبية، والصراع على النفط والمياه والحدود والحكم، وهذا ما سيضمن تفوق إسرائيل في الخمسين عاما القادمة على الأقل" د. أحمد سعيد نوفل..وللإشارة فبرنارد لويس هو المستشرق الأمريكي المتخصص في دراسة التاريخ الإسلامي وتفاعل المسلمين مع الغرب.
" إن مناصب الشغل لدينا، ونمط حياتنا، وحريتنا وأيضا حرية الدول الصديقة لنا عبر العالم، ستتأثر سلبيا إذا ما سقط أكبر مخزون للنفط في العالم بين يدي صدام حسين " وهذا التصريح لجورج بوش الأب عام 1990 في استجواب مع إذاعة فرنسية هو الذي جعل المفكر المغربي وعالم المستقبليات المهدي المنجرة يتنبأ بغزو العراق من طرف أمريكا.
" الأمة الأمريكية هي الأمة الضرورية التي لايمكن الإستغناء عنها..إننا في درجات عالية، وبالتالي ، فإننا نرى أبعد مما تراه الأمم الأخرى" ( ما دلين أولبرايت) " بحكم تقدمه الكبير فإن الغرب مؤهل لتغريب وغزو شعوب جديدة " (سلفيو برلسكوني). د.المهدي المنجرة.
" تولت نخبة من المثقفين الأمريكيين التأسيس لأفضلية القيم الأمريكية في البيان الذي أصدرته عقب أحداث 11 شتنبر، والذي كان الغرض منه الإستدلال الأخلاقي على وجوب محاربة "الإرهابيين" وقد وضحنا كيف أن المسلمات الأخلاقية التي انبنى عليها هذا الإستدلال (...) ليست مبادئ كونية غير نسبية نظرا إلى أنها تتضمن مفاهيم فيها تحكم وتصنع ، ولا هي مبادئ متسقة غير متناقضة نظرا إلى أنها لا تكفي في استنتاج كل القيم المتضاربة المعمول بها داخل المجتمع الأمريكي..." د. طه عبد الرحمان.
اعتبر "Nixon" في كتابه تيار القومية العربية تيارا رجعيا لأنه يحلم بالوحدة العربية، والتيار الثاني وصفه بالتقدمي لأنه ربط العالم الإسلامي بالغربي سياسيا واقتصاديا أي استتبعه والتيار الثالث نعته بالمخيف لأن " هؤلاء الأصوليون ينطلقون من الماضي لكن عيونهم على المستقبل ، هؤلاء ليسوا محافظين بل هم ثوار، يريدون الإسلام دينا ودولة، ويريدون تطبيق الشريعة الإسلامية، ويريدون بعث الحضارة الإسلامية من جديد" وهو يدعو حلف الأطلنطي لمواجهة هذا التيار. ( أنظر كتاب: Nixon " Victory Without War " ، وهناك بعد آخر لهذا الخوف وهو الموقع الجغرافي للعالم الإسلامي والثروات التي يحظى بها ، والتي باعها الحكام اليوم للأسف واستفادت منها عصابات المافيا دون الشعوب المقهورة التي ترزح تحت الفقر وتلهى بالسفاسف !
سئل وزير خارجية إيطاليا – وهو رئيس المجموعة الوزارية الأوربية ويتحدث باسم أوربا- ما المبرر لوجود حلف الأطلنطي بعد انتهاء حلف وارسو ؟ فأجاب : "المواجهة القادمة مع العالم الإسلامي". ثم سئل : وما السبيل لوقف هذه المواجهة ؟ أجاب : " أن يقبل الآخر بالنموذج الغربي" .
" لقد استطاع النشاط التعليمي والثقافي عن طريق المدارس العصرية والصحافة وتعليماتنا الخاصة أن يترك في المسلمين - ولو من غير وعي منهم - أثرا جعلهم يبدون في مظهرهم العام لا دينيين إلى حد بعيد.ولا ريب أن ذلك هو اللب المثمر في كل ما تركت محاولات الغرب لحمل العالم الإسلامي على حضارته من آثار. فالواقع أن الإسلام كعقيدة وإن لم يفتقد إلا قليلا من أهميته وسلطانه. ولكن الإسلام كقوة مسيطرة على الحياة الإجتماعية قد فقد مكانه " المستشرق الإنجليزي Gibb في كتابه "wheither islam".وانظر ما قاله Lord LIOLYD في مذكراته "Egypt since Cromer"، وكتابات أخرى يضيق بها المجال..
" لقد اعتقد نفر من البريطانيين وعلى رأسهم "كينشز" أن من شأن ثورة العرب على الأتراك أن تتيح الفرصة لإنجلترا كي تنتصر على تركيا...لذلك تركوا الحركة العربية تولد وتنمو وتمتد بعد أن استحصلوا من الحكومة البريطانية على وعد صريح بمساندتها وتغذيتها ودعهما..." وأمور أخرى في كتاب : أعمدة الحكمة السبعة / لورانس العرب.
" إن الغرب والفكر الشائع في الغرب يرى أن الإسلام هو العدو الجديد ، لأن الإسلام أثبت أنه حالة استثنائية في مقاومة العلمنة...ومن ثم فإن الإسلام هو التحدي الوحيد أمام الثقافة الغربية التي تتصف بالشك والتحلل واللاأدرية " مجلة "شؤون دولية" التي تصدر في لندن ملف: الإسلام والماركسية ، والإسلام والمسيحية / يناير 1990م
"...وتحول العالم الإسلامي العربي إلى هامش للأمن الإقتصادي والسياسي والعسكري للغرب كل ذلك ناهيك عن الغزو الثقافي لمحو الهوية..ومعركة الهوية هي الأخطر لأن الأمة إذا فقت هويتها فقدت الإستقلال في إرادتها ولن تقاوم حتما بل تستسلم... لقد أعلن الغرب عن سقوط امبراطورية الشر الشيوعية والإسلام سيكون هو العدو الجديد... لقد أفلح الغرب في أن يجعل بلادنا تيارات فكرية وجمعيات وأحزابا وجامعات وبعثاث ومدارس تسك عقولا منمطة وفق النموذج الغربي...ليكون استسلام الأمة استسلاما أدبيا ! " (المقال)
"...الطرق الصوفية لها بعد استراتيجي في السياسة الدولية بتدخل الولايات المتحدة الأمريكية، هذا فضلا عن تحول التدين عند هذه الطرق إلى موالد وموائد وأوارد وخضوع للشيخ والتزام ب"إشاراته الربانية " و "تخطيطه الإلاهي"... نحن نتحدث هنا عن إيديولوجيا سياسية خطيرة تتبناها الطرق وتقدمها قربانا للأنظمة والحكومات "أنظر التفاصيل في مقالي : الدور السياسي والإستراتيجي للطرق الصوفية.
ناقشت مسألة صدام الحضارات ونظرية المؤامرة مع أخت كريمة التي أشكر لها اهتمامها بموضوع قلما تهتم به فتاة مغربية، فكان ذلك داعيا لكتابة هذا المقال..لابد وأن نستقرئ التاريخ لنفهم ما نحن بصدده لأن عزل أي قضية عن سياقها التاريخي وراهنيتها الواقعية من شأنه أن يقود إلى نوع من عمى الأفكار الشبيه بمرض عمى الألوان أو العمى الكلي الذي يجعل البعض لا يميز الظلمة الدامسة عن ضوء الشمس في رابعة النهار،لنعلم أن هذا الواقع الذي نعيشه اليوم كان جراء مخططات استعمارية تاريخية طيلة قرون وقرون من الزمان ولنميز منا من دخل في اللعبة وباع وخان ومن يقاومها، ولنضع كتابات أهل "الخيانة الثقافية" في موضعها ، ولنعلم أنه كما كان الخونة موجودين أيام أجدادنا الغارقين في الدماء المقاومين بكل ما لديهم والذين يمنع عنهم أي سلاح يقاتلون به كذلك اليوم يوجد خونة في هيأة "مثقفين" و"مفكرين" يرمقون من الدين ومن الوطن كما يمرق السهم من الرمية، في ظل ظروف تمنع عن كل منافح من أجل دينه وثقافة بلاده أي سلاح فكري يقاوم به الغزو والمسخ الثقافي بدء بمسخ التعليم ومأسسة الجهل ثم برهن الإعلام للسفاسف والإستجهال والضحك على الناس وترويج " إسلام الحلاقي" الذي لا يمس في شيء واقع الناس ومشكلاهم وتكميم أفواه الدعاة وطردهم إذا ما فضحوا الفجور السياسي في هذا البلد وخرجوا عن القاعدة - التي سطرها الحسن الثاني للعلماء في الخطاب الموجه لهم عام 1984 والتي ذكر بها أحمد التوفيق في درسه الحسني- كما حدث للدكتور رضوان بنشقرون.
ليست المؤامرة نظرية وليس هناك من مسوغ للحديث عنها أصلا، لأن المؤامرة تعني أن هناك إئتمارا في السر وتدبيرات في الخفاء، أما والغرب يعلن استعداءه للإسلام ويمارس في الواقع إبادات للمسلمين فلا نظرية ولا مؤامرة ، بل الأمر واقع مشهود يعيشه المسلمون لا على مستوى بطون الكتب والمقالات أو المشاعر والأحاسيس بل على مستوى الدماء التي نزفت وتنزف بينهم في أراضي المسلمين سواء في الشرق الأوسط أو في غيره، يعيشها المسلمون في ظل حكامهم الخونة الذين باعوا كل شيء ، حتى المياه المستعملة، ونخبهم المثقفة المرتزقة الذين يعملون على نشر الأفكار الهدامة المفرقة بينهم..ليست المسألة في موقفنا من الغرب بل هي موقف الغرب منا نحن، لا أحتاج هنا لاستعراض الرؤية الإسلامية فيما يخص الإختلاف والتعدد حتى داخل الدين نفسه بمذاهبه المعروفة بله الحضارات والثقافات، ولا استعراض الرؤية الغربية وموقفها من التعدد حتى داخل الديانة المسيحية التي قامت من أجل الإختلاف المذهبي فيه حروب طاحنة ، أو موقفها من تعدد الحضارات والثقافات الذي تعكسه بوضوح "الثقافة الكونية" المفروضة عنوة على شعوب العالم..والمعنى أن موقفنا نحن المسلمين من الآخر هو موقف قبول واعتراف بالإختلاف كما نطق به الذكر الحكيم،بينما الغرب يقف موقف استعلاء ورفض.
لقد أعلن الغرب موقفه الواضح من الإسلام وقام بغزو أرض المسلمين وتقتيلهم وذبحهم وإبادتهم أفنتساءل بعد ذلك هل هناك مؤامرة أم لا ؟
إن صراع الشرق والغرب صراع قديم ليس وليد اليوم أو وليد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لقد غزا الإغريق والرومان بلاد الشرق، وزحف الرومان إلى شمال إفريقيا، وحتى قبل ميلاد الرسول الكريم عرفت الجزيرة العربية محاولة للغزو ممثلة في غزوة الفيل، ونذكر هنا أن الفتوحات الإسلامية إنما كانت من أجل تحرير الشرق وشمال إفريقيا من الإحتلال ، ووقت هذه الفتوحات لم تدر أية حرب مع جيش إسلامي وشعب من شعوب هذه البلدان بل دارت ضد بقايا الهيمنة الإغريقية والرومانية التي مسخت هويات الشعوب التي احتلوها، وحتى الديانة النصرانية في مصر آنذاك كانت مضطهدة يتوارى أهلها في الكهوف والجبال لولا المسلمون فأعادوهم لبيوتهم وردوا إليهم كنائسهم التي كانت مغتصبة من البيزنطيين. ثم بعد أن حررت البلاد من هيمنة الإغريق والرومان جاء الغرب من جديد بحروبه الصليبية كي يستعيد الهيمنة، ثم بعد انهزام الصليبيين وفتح القسطنطينية التي سيطر عليها البيزنطيون من قبل محمد الفاتح الذي بشر به حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال قبل 800 عام :" لتفتحن القسطنطينية على يد رجل" ، ودخول المسلمين إلى البوسنة والهرسك بعد عشر سنوات من هذا الفتح ، أخذ الغرب يركز جهوده لاقتلاع المسلمين فكان سقوط غرناطة وإخراج المسلمين من الأندلس عام 1492 ميلادية، وفي نفس العام بدأت " رحلة كريستوف كولمبس" الذي قصد الإلتفاف حول العالم وفي سفينته مسلمون مكبلون ليكونوا دليله ومترجمين له في حملته الإستكشافية ، لكنه أخطأ طريقه فاتجه نحو أمريكا "العالم الجديد" ، ثم بعده حملة "فاسكو دغاما" الذي اكتشف رأس الرجاء الصالح عام 1497 م كل هذا بعد 5 سنوات من سقوط غرناطة، وعندما ذهب البرتغاليون إلى الهند كانت الهند آنذاك إسلامية ، ولقد أدرك المماليك في مصر الخطورة الإستراتيجية التي يبتغيها الغرب فخرجت الجيوش المملوكية لتقاتل البرتغاليين في الهند ، لكنها هزمت بعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح بأقل من سبع سنوات أي عام 1405، والعثمانيون أدركوا الخطر الإستراتيجي الملتف بالعالم الإسلامي بعد هزيمة الجيوش المملوكية فكان أن ضموا هذا الكيان الإسلامي الضعيف عسكريا، ولم ينته التفاف البرتغاليين على المسلمين بل توجهوا نحو الفلبين التي كانت بلادا إسلامية ودخلها "ماجلان" الذي مات في قتاله ضد المسلمين.
بعد ذلك جاء "بونابرت" و"فريزر" إلى قلب العالم الإسلامي ، واحتلت الجزائر عام 1830م، ثم عدن عام 1838، ثم تونس عام 1881م، ثم مصر 1882م، ثم ليبيا عام 1911م، ثم الغرب عام 1912م، ثم اتفاقية "سيكس بيكو" التي عمت بها البلوى عام 1916م، ثم سقوط الدولة العثمانية عام 1924م. تم الغزو واستنزاف الثروات وتحول العالم الإسلامي العربي إلى هامش للأمن الإقتصادي والسياسي والعسكري للغرب كل ذلك ناهيك عن الغزو الثقافي لمحو الهوية..ومعركة الهوية هي الأخطر لأن الأمة إذا فقت هويتها فقدت الإستقلال في إرادتها ولن تقاوم حتما وهو مانجده اليوم للأسف، ثلة ممن يعيشون بين ظهرانينا يمجدون المستعمر وما انفكوا يستوردون منه مع الطائرات والحواسيب و الإبر وسراويل الجينز المفروكة في المؤخرة المفاهيم والمناهج وتفننات الطعن في الإسلام من أحابيل الشبهات الملونة ! هذا ناهيك عن الغزو الفكري الذي رفع المستشرقون رايته محاولين تشكيك المسلمين في عقيدتهم وإزاحة الإسلام عن الدولة تمهيدا لإزاحته عن الحياة الخاصة للأفراد وهو الأمر الذي بدأنا نسير إليه من خلال ظواهر تطفو على السطح حتى أصبح من الشباب الآن من لديه حساسية من الإسلام يسب الله والدين ويهزأ به وهو ذو الأمية الثقافية بالكاد استطاع فك الحرف ، ويحسب أن المشكلات الفكرية إنما تحل بالحفظ والإستنساخ والإستظهار ! للأسف تعليمنا الممسوخ يخرج شبابا يقوم بما أسميه الإندمار الذاتي أو الإنظلام الذاتي، وليس في جعبته أي شيء ولم يتعلم من كل تلك السنين سوى فك الحرف بله أن يواكب التطورات أو يناقش وفق ضوابط المعرفة وأصول الإستدلال، إذا قرأ سطرين قرأهما وسماعات الموسيقى الصاخبة في أدنيه ثم بعدها يخرج متوهما أنه مثقف..وهذه هي النهاية !
لقد أعلن الغرب عن سقوط امبراطورية الشر الشيوعية والإسلام سيكون هو العدو الجديد.. سئل وزير خارجية إيطاليا – وهو رئيس المجموعة الوزارية الأوربية ويتحدث باسم أوربا- ما المبرر لوجود حلف الأطلنطي بعد انتهاء حلف وارسو ؟ فأجاب : "المواجهة القادمة مع العالم الإسلامي". ثم سئل : وما السبيل لوقف هذه المواجهة ؟ أجاب : " أن يقبل الآخر بالنموذج الغربي". أي أنه إن لم نقاوم النموذج الغربي فسيكون حلف الأطلنطي موجها ضدنا !
لقد أفلح الغرب في أن يجعل بلادنا تيارات فكرية وجمعيات وأحزابا وجامعات وبعثاث ومدارس تسك عقولا منمطة وفق النموذج الغربي، ووفق المناهج الغربية ليكون استسلام الأمة استسلاما أدبيا. ولطالما لعب الغرب على قضية الأقليات منذ الغزو الصليبي ، والحركة الصهيونية نفسها كانت مخططا غربيا وإلا فاليهود تعايشوا مع المسلمين في ألفة عجيبة ويذكر المفكر المصري محمد عمارة أن الأجرومية العبرية كانت على نحو الأجرومية العربية وتأثر عروض الشعر العبري بعروض الشعر العربي، وفلاسفة اليهود كانوا تلامذة فلاسفة المسلمين ، بمعنى أن اليهود لم يشهدوا اندماجا إلا في الحضارة الإسلامية ، وذكر "ول ديورانت" أن محاكم التفتيش الإسبانية طالت اليهود أيضا إلى جانب المسلمين بل وحتى بعض المسيحيين المتهمين بالهرطقة. فالأقليات كانت دائما بمثابة أحابيل يعول عليها الغرب لتفتيت المسلمين، ففي العراق لعبوا على الطائفية الدينية وعلى العرقية فكان من السنة من والى الأمريكيين وكذلك من الشيعة وكان من الكرد والعرب مثل ذلك، ويعولون على النعرات القومية من عربية وأمازيغية، فمن العرب والأمازيغ من هو ضد المخططات الغربية وفي القيادات المغاربية الإسلامية عرب و أمازيغ ومن هم من يتملق للصهاينة جهارا ويسب الإسلام والمسلمين وكأنه شيطان حريص على إشعال فتيل الحروب الأهلية..يكفي أن نعرف من كان وراء حروف تيفيناغ ، إنهم الفرنكفونيون والأمازيغ لطالما رضوا بالحرف العربي في الكتابة وهو أجمل وأحسن من تلك الحروف المسمارية، وأنا أمازيغي شلح لا أكتب الأمازيغية إلا بالحرف العربي حتى اضطر لتلك المسامير ! ومسألة التنصير ليست أبدا مرتبطة بالحرية الدينية وينبغي قراءتها في سياقها التاريخي ، وتحدث الدكتور عمارة عن مؤتمر بكلورادو في الولايات المتحدة سنة 1978 تضم 47 بحثا تقول وثائقه :" إنه عندما بدأ التنصير كان هدفه تنصير المسلمين" ، وهو الذي يحدث على أرض الواقع. بل إن الجامعات الأمريكية في القاهرة وبيروت وإسطنبول قامت على أساس تنصير المسلمين، وإحياء الكنائس الشرقية "العظام الناشفة" كما يقولون من أجل تنسيق عملية التنصير بينهم وبين الكنائس المحلية. وهذا ليس كلاما من عندنا بل هو موجود وموثق في كتاباتهم.
لن أطيل في الحديث عن الحركات النسوية التي ما جاءت لتحرير المرأة بل هي أداة غربية واضحة في إطار عملية التفكيك التي تشن على العالم الإسلامي بدل الحروب، يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله " والعالم الغربي الذي ساند الدولة الصهيونية- التي تحاول تفكيك العالم الإسلامي سياسيا وحضاريا- يساند بنفس القوة حركات التمركز حول الأنثى ، في بلادنا...فالعالم الغربي الذي أخفق في عملية المواجهة العسكرية المباشرة مع العالم الثالث في مقاومته يعود إلى تماسكها، الذي يعود بدوره إلى وجود بناء أسري قوي، لا يزال قادرا على توصيل المنظومة القيمية، والخصوصيات القومية إلى أبناء المجتمع، ومن ثم يمكنهم الإحتفاظ بذاكرتهم التاريخية، وبوعيهم بثقافتهم وهويتهم وقيمهم...وإذا كانت الأسرة هي اللبنة الأساسية في المجتمع، فإن الأم هي اللبنة الأساسية في الأسرة، ون هنا تركيز النظام العالمي الجديد على قضايا الأنثى ! فالخطاب المتمركز حول الأنثى هو خطاب تفكيكي...وهو خطاب يهدف إلى توليد القلق، والضيق والملل ، وعدم الطمأنينة في نفس المرأة ، عن طريق إعادة تعريفها ! بحيث لا يمكن أن تتحقق هويتها إلا خارج إطار الأسرة !وإذا انسحبت المرأة من الأسرة تآكلت الأسرة وتهاوت ! وتهاوى معها أهم الحصون ضد التغلغل الإستعماري والهيمنة الغربية !" . ثم لنتساءل بعد هذا مالذي جلبه هذا التيار للمرأة المغربية والعربية بوجه عام غير تصدير المؤخرات والخروج سافرة عارية، ماذا غير التمرد ؟ المرأة العالمة والمفكرة والمثقفة على العين والرأس، حقوق المرأة في تعليم مواكب للعصر والمشاركة بفعالياتها بما لايضر بالمجتمع على عيوننا..لقد ربطوا حقوقها وحريتها وتحررها بالإنحلال والتحلل وأصبح لدى الأطفال أمهات متصابيات متقنات ل "التبرهيش" بكل ألوانه والمساواة مع الرجل علموها أنها ركوب المغامرات الجنسية وافتراض الصراع بما يدمر علاقة الجنسين ودونكم المحاكم ملأى بقضايا زوجية لأتفه الأسباب !
أي تساءل بعد هذا – وليس هذا إلا غيضا من فيوضات جارفة – عن وجود نظرية المؤامرة، وإياك لقد سقطت ضحية نظرية المؤامرة ! لسنا نحن من قال بل الغرب من قال وفعل ومارس وطبق..إن المخططات الغربية ضد العالم الإسلامي مخططات تاريخية، ولن تواريها تلك الحروب اللغوية التي تشن على المسلمين من وسائل الإعلام والتي سقط ضحيتها العديد منهم حتى أصبحوا ينكرون ما ينكره العميان من ضوء الشمس في رابعة النهار، وهذا ما كان يقصده أحد المفكرين الفرنسيين حين قال :"إن الحروب المقبلة ستكون لغوية " أي القدرة على تحقيق الأهداف المتوخاة على المستوى الدولي ينبغي أن يتم بواسطة الجذب عوض الإجبار كما جاء في عدد لمجلة " الشؤون الخارجية". إن العرب والمسلمين لهم إمكانيات ذاتية لمواجهة المشاريع الكولونيالية، لكن ماذا لو كانت الأنظمة السياسية نفسها داخلة في اللعبة ؟ ألا تبحث الأنظمة عن استمداد الشرعية من الخارج بما أنها فقدتها من شعوبها ؟ ألا تبحث الأنظمة عن استمداد الشرعية من الخارج بما أنها فقدتها من شعوبها ؟ لماذا اختار "أوباما" مصر بالذات لإلقاء خطابه مع أن نظامه لا يلتقي مع النظام المصري ولا مع أي نظام عربي آخر في أية قيمة من قيم الديمقراطية ، مع أن مصر شاركت في حصار غزة ومنع قافلة الحرية واعتقال أعضاءها ناهيك عن القهر اليومي للشعب والقمع الذي لا يغفو لكل المعارضين ! ببساطة لأن مصر تحافظ على أمن إسرائيل مع أشقاءها الخونة في الشرق الأوسط ! أين هي "القيم الكونية" المزعومة التي يريدون إهداءها لشعوب العالم، ستكون يوم يتساوى المسلم البسيط المقهور مع الإسرائيلي والأمريكي..ولا تنتظر أن يكون لأن الحقوق لا تهدى بل هي ثمرة تقديم تضحيات جسام لو تعلمون..
إن الموضوع ذو شجون وليس هذا إلا قطرة من فيوضات جارفة..
مراجع :
- دور إسرائيل في تفتيت الوطن العربي / د.أحمد سعيد نوفل /متخصص في العلوم السياسية.
- قمية القيم / د. المهدي المنجرة المفكر المغربي وعالم المستقبليات.
- إلى أين يتجه الإسلام ؟ / المستشرق الإنجليزي "جب".
- أعمدة الحكمة السبعة / لورانس العرب.
- الحق الإسلامي في الإختلاف الفكري / د.طه عبد الرحمان الفيلسوف وعالم المنطلق واللسانيات.
- نصر بلا حرب / الرئيس الأمريكي الأسبق "ريتشارد نيكسون".
- مقال :الدور السياسي والإستراتيجي للطرق الصوفية/ حفيظ المسكاوي.
- المخططات الغربية تجاه المسلمين/ د. محمد عمارة مؤرخ ومفكر إسلامي مصري.
- قصة الحضارة / ول ديورانت : المؤرخ والفيلسوف الأمريكي "ول ديورانت".
- العلمانية الشاملة والعلمانية الجزئية/د. عبد الوهاب المسيري مفكر إسلامي ومؤسس حركة "كفاية" المعارضة في مصر والمتوفى رحمه الله.
[email protected]
http://elmeskaouy.maktoobblog.com
face book: hafid elmeskaouy


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.