أثارت زيارة الدكتور رفعت السعيد، أمين عام حزب التجمع المصري للمغرب، شهية بعض الأقلام لتجديد اتهاماتها للحركة الإسلامية المعتدلة والمؤمنة بالعمل في إطار الشرعية والوضوح بكونها حليفة للولايات المتحدةالأمريكية، لا لشيء إلا لكون الدكتور الضيف أعاد لأذهانهم على حد تعبير عبد اللطيف جبرو تصريح الرئيس الأمريكي بوش عند زيارته الأخيرة لتركيا القائل الهدف من سياسة أمريكا في المنطقة هو أن يتم تعميم تجربة حكم الإسلاميين المعتدلين في أنقرة على كل بلدان الشرق الأوسط . وأضاف صاحب عمود كلام الصباح على صفحات جريدة الأحداث المغربية: هكذا يريد الأمريكان في كل مكان في المشرق أو المغرب فتح المجال أمام من يسمونهم ب الإسلاميين المعتدلين والرهان عليهم كبديل سياسي غير ديمقراطي يساهم في إضعاف الدولة ويقطع الطريق أمام كل بديل ديمقراطي حقيقي، فهل أدركوا في مصر بأن الوقت حان للانتقال إلى مرحلة سياسية جديدة تفضح تحالف الماريكان مع المهربين الدينيين، كما حصل في عهد جمال عبد الناصر؟. وفي السياق نفسه، نشرت الاتحاد الاشتراكي يوم الخميس الماضي محاضرة للضيف المصري المذكور ألقاها بمراكش تحت عنوان الديمقراطية في الفكر الإسلامي رؤى متناقضة تطرق في الجزء الأخير منها إلى تجربة الإخوان المسلمين الذين يتهمهم بالتحالف مع الأمريكان وموقف مؤسسها الشيخ حسن البنا- الذي اتهمه بدوره بالتحالف يومها مع هتلر والفاشيين- من التعددية الحزبية ومن الدستور، فضلا عما سبق أن قاله عن عدم مراجعة الجماعة لأفكارها.التلفيقات المغرضة والاتهامات المجانية في حق الإسلاميين المعتدلين بشكل عام على صفحات جريدة الأحداث المغربية، تجعل المتابع يطرح سؤال: هل يؤمن ويعي هؤلاء الناس ما يكتبون ويقولون؟ أم أنهم يقصدون إلقاء الكلام على عواهنه تضليلا وتحريفا للحقائق وتغطية على تحالف حقيقي ومكشوف بين من يسمون أنفسهم بتيار الليبراليين الجدد وبين ما يطرحه المتطرفون داخل الإدارة الأمريكية (أنظر ما ورد في تقرير راند والدور المرسوم لهذا الخط ممن يسمون أنفسهم بالحداثيين).وفي ما يلي ثلاث ملاحظات أساسية نقف من خلالها على أسلوب التلفيق والتناقضات التي ترمي الإسلاميين بتهمة التحالف مع أمريكا، وفي الوقت نفسه تدافع عنماما أمريكا (هذا عنوان لمسرحية للفنان المصري المبدع محمد صبحي) وثقافتها وتكشف عن أوجه التشابه في المنطق الذي اعتمدته في محاربة ما سمته بالإرهاب، وهو المنطق القائم على استغلال أحداث قامت بها بعض المجموعات المتطرفة التي لا نشك في أنها استعملت أو على الأقل وظفت أعمالها الخرقاء من أجل شن حرب على الإسلام والثقافة الإسلامية ومناهج التعليم الديني والمسلمين والشعوب الإسلامية، وحتى بعض الأنظمة الحليفة للولايات المتحدة مثل المملكة العربية السعودية، ومن أجل فرض النموذج الأمريكي في المنطقة والمضي في أجندة سياسية كانت مخططة قبل أحداث الحادي عشر من شتنبر المشؤومة. الملاحظة الأولى: أن الدكتور رفعت السعيد مختص في الافتراء على الشهيد حسن البنا وخاصة في موضوع التعددية الحزبية، وهو الاختصاص الذي وقف عليه بعض الباحثين من خلال تتبع كتابات ومداخلات رفعت السعيد. ففي الرسالة نفسها التي ينقل عنها الدكتور السعيد أي مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي نجد أن حسن البنا كان دوما مع الشورى ومع اختيار ممثلي الأمة عبر الانتخاب مرسيا موقف التيار الأساسي والرئيسي في الحركة الإسلامية في ما يخص الشورى فيقول في ص363 إن الدعائم التي يقوم عليها نظام الحكم الإسلامي ثلاث : مسؤولية الحاكم ، وحدة الأمة ، احترام إرادتها وهذا وحده من كلام البنا يدحض كل أقوال السعيد. ويقول البنا أيضا في رسالة المؤتمر الخامس (ص274 من الرسائل) : إن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستوري التي تتلخص في المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها وعلى الشورى واستمداد السلطة من الأمة، وعلى مسؤولية الحكام أمام الشعب ومحاسبتهم على ما يعملون من أعمال، وبيان حدود كل سلطة من السلطات... أما النقد الذي يوجهه البنا إلى الأحزاب فموجه إلى حالة حزبية في مصر أهلكت الحرث والنسل والتي هي ليست أكثر من سلسلة انشقاقات أحدثتها خلافات شخصية بين نفر من أبناء الأمة.. وأنه قد انعقد الإجماع على أن هذه الأحزاب لا برامج لها ولا مناهج ولا خلاف بينها في شيء أبدا إلا في الشخصيات (مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي، رسائل البنا ، ص374). وبالنسبة للنصوص التي ينقلها الدكتور السعيد عن البنا في هذا المجال في أكثر من مناسبة، فهي ليست دقيقة وأحيانا غير واردة في مصدرها الأصلي ، فهو ينقل أكثر من مرة عن البنا أنه يعتبر التعددية قرين الكفر فالوحدة جزء أساسي في حياة المجتمع الإسلامي لا يتساهل فيها بحال، والإسلام يعتبر الخلاف فرقة والفرقة قرين الكفر، في حين أن النص الأصلي للبنا يقول: وأما عن وحدة الأمة ، فقد أبانت أن الإسلام الحنيف يفترضها افتراضا ويعتبرها جزءا أساسيا في حياة المجتمع الإسلامي لا يتساهل فيه بحال ، إذ أنه يعتبر الخلاف والفرقة قرين الكفر ، كما قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين) أي بعد وحدتكم متفرقين ، وكما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم وجوه بعض فعبر بكلمة الكفر عن الفرقة والخلاف ، وأن يضرب بعضهم وجوه بعض (مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي، رسائل البنا، ص 372).وهكذا يتضح أن المقصود بالخلاف والفرقة هو الصراع والتقاتل ، أما في التعددية وتعدد الآراء فيقول البنا: إن الخلاف في الفرعيات أمر ضروري لا بد منه إذ إن أصول الإسلام آيات وأحاديث وأعمال تختلف في فهمها وتصورها العقول والأفهام . لهذا كان الخلاف واقعا بين الصحابة أنفسهم وما زال كذلك وسيظل إلى يوم القيامة ثم يشيد البنا بحكمة الإمام مالك الذي قال: فإذا حملتهم أي الناس على رأي واحد تكون فتنة وحسب البنا أيضا : ليس العيب في الخلاف ولكن العيب في التعصب للرأي والحجر على عقول الناس وآرائهم (رسالة المؤتمر الخامس ، من رسائل البنا، ص 252 أما ذروة التشويه والتحريف فتبدو في استشهاد رفعت السعيد في العديد من محاضراته ومقالاته عندما يقول إنه لا مانع لدى البنا من أن يكون هناك انتخاب لأهل الشورى بشرط حاسم ومحدد (إن أهل الشورى يكونون إما من رجال الدين وإما من الرجال المتمرسين على القيادة مثل رؤساء العائلات والقبائل ولا تكون الانتخابات مقبولة إلا إذا أسفرت عن اختيار أناس من هذين الصنفين). هكذا يورد السعيد في العديد من كتاباته نقلا عن البنا مدخلا زيادات غير واردة في كلام البنا من مثل (ولا تكون الانتخابات مقبولة إلا إذا).. مع أن هذه الجملة ليست واردة مطلقا عند البنا ، بل إن النص كله من بنات أفكار السعيد واختراعه ، أما النص الأصلي للبنا فهو على الشكل التالي : وأما عن احترام رأي الأمة، ووجوب تمثيلها واشتراكها في الحكم اشتراكا صحيحا ، فإن الإسلام لم يشترط استبانة رأي أفرادها جميعا في كل نازلة ، وهو المعبر عنه في الاصطلاح الحديث بالاستفتاء العام.. ولكنه اكتفى في الأحوال العادية بأهل الحل والعقد ولم يعينهم بأسمائهم ولا بأشخاصهم ، والظاهر من أقوال الفقهاء ووصفهم إياهم أن هذا الوصف ينطبق على ثلاث فئات هم: 1 الفقهاء المجتهدون الذين يعتمد على أقوالهم في الفتيا واستنباط الأحكام. 2 وأهل الخبرة في الشؤون العامة. 3 ومن لهم نوع قيادة أو رئاسة في الناس كزعماء البيوت والأسر وشيوخ القبائل ورؤساء المجموعات. فهؤلاء جميعا يصح أن تشملهم عبارة أهل الحل والعقد . ولقد رتب النظام النيابي الحديث طريق الوصول إلى أهل الحل والعقد بما وضع الفقهاء الدستوريون من نظم الانتخاب، وطرائقه المختلفة والإسلام لا يأبى هذا التنظيم ما دام يؤدي إلى اختيار أهل الحل والعقد (مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي، رسائل البنا، ص377).( انظر مقالا منشورا بموقع قدس واي تحت عنوان إرهاب المثقفين ضد الإسلاميين وهوتعقيب على مداخلة لرفعت السعيد بملتقى الحوار العربي الثوري الديموقراطي). الملاحظة الثانية: ومن جهة ثانية وحتى إذا تجاوزنا القراءة التعسفية التي يمارسها السعيد على نصوص البنا بل التشويه لهذه النصوص وغياب الأمانة العلمية التي تتجلى في الإضافة والبتر ونسبة ما لم يقله إليه وعلى افتراض أنه كان ضد التعددية السياسية والحزبية، أفلم يكن الفكر الشمولي الذي يحذر منه رفعت السعيد ومن يسمون أنفسهم بالحداثيين يومها موضة في الفكر السياسي العربي بشكل عام؟ وأين كان موقع الشيوعيين والفكر اليساري عامة والفكر القومي الاشتراكي الذي كان آنذاك متأ ثر ا بالتوجهات الماركسية اللينينية من الديموقراطية ومن التعددية ؟ ألم تكن آنذاك بدعة بورجوازية ليبراليين أكثر من الليبراليين الأصليين ، وأميركيين أكثر من الأمريكان؟ ولماذا وقف عند نقطة واحدة في المسار الفكري للحركة الإسلامية ولم يفعل ذلك مع الشيوعيين واليساريين السابقين؟ لماذا ركز ويركز دائما في مقالاته وكتبه كما يفعل أمثاله وتلامذته في المغرب في الهجوم على الحركة الإسلامية على تلك النقطة ويقف عندها ويركز كما يركز نظراؤه في المغرب على بعض النتوءات والتعبيرات السلبية من بعض المجموعات الصغيرة التي يعاني منها الإسلاميون المعتدلون أنفسهم الذين يتلقون من المتطرفين باسم الدين تهم العمالة والجبن والخيانة وما إلى ذلك من القاموس الطويل العريض تماما كما يتلقونها من الاستئصاليين و المتطرفين باسم الحداثة والديمقراطية؟. لماذا سكت ويسكت عن ماضي الحركة اليسارية والشيوعية التي تربى في أحضانها ويسكت عن تاريخ العنف الثوري و الأحمر، كما سكت تلامذته بالمغرب عن تاريخ الانقلابات والمؤامرات، وتحقير الدين واتهامه بالرجعية والتخلف وخاصة في الجامعات، وتقديس الاتحاد السوفياتي لدرجة أن الشيوعيين في العالم العربي يخرجون بالمظلات المطرية إذا سقط المطر في موسكو، وغير ذلك كثير مما تمت مراجعته بشكل كلي أو جزئي؟ وكذلك فعل كثير من الإسلاميين سواء في المغرب حيث راجع كثير من أبناء الشبيبة الإسلامية أفكارهم وتوجهاتهم من عقلية الصدام إلى عقلية المشاركة ومن السرية والانغلاق إلى العلنية والانفتاح والشرعية، أو في مصر وأخص بالذكر جماعة الإخوان المسلمين التي ظلمها الدكتور رفعت السعيد مرتين الأولى حينما افترى على مرشدها بنسبة ما لم يقله إليه، والثانية عندما ركز على ماضيها ووقف في الكلام عنها عند مرحلة من مراحل تطور فكرها السياسي بانتقائية غير علمية ولا موضوعية، دون التطرق للاجتهادات والتجديدات التي طرأت على توجهاتها وبرنامجها الفكري والسياسي. إننا ونحن نطرح هذه التساؤلات لا نقدس فكر حسن البنا ولا فكر الإخوان فنحن واعون بالظروف التاريخية الخاصة بمصر والنتوءات التي خرجت من الإخوان كانت لها ظروفها التاريخية وخاصة ظروف القمع الجهنمي التي سلطت على الإخوان، ونذكر على سبيل المثال ما نقل عن حسن البنا في انتقاد التنظيم الخاص الذي قال عنه حين ارتكب بعض التجاوزات وقام ببعض الممارسات خارج توجيه القيادة ليسوا إخوانا ولا مسلمين ولو عاش حسن البنا إلى يومنا هذا لكان له فكر آخر ولراجع كثيرا من اجتهاداته ومواقفه وهو الذي نقل عنه أنه كان في الأيام الأخيرة من حياته يقول لو استقبلت من أمري ما استدبرت لعدت بالإخوان إلى عصر المأثورات (يقصد التركيز على العمل التربوي والدعوي). وفي هذا السياق أشار عصام العريان وهو أحد كبار قياديي الجماعة في حوار له مع موقع شفاف الشرق الأوسط بتاريخ 14غشت الماضي، إلى أن الإخوان يقومون بمراجعات مستمرة على كافة الأصعدة، قائلا:من هذه المراجعات التي ظهرت: دعاة لا قضاة وهو البحث الذي أعدته مجموعة من الإخوان تحت إشراف لجنة حددها المرشد الثاني المستشار حسن الهضيبي رحمه الله، وكان ذلك داخل السجون لمواجهة أفكار ظهرت في صفوف بعض الإخوان أساؤوا فيها فهم وتفسير بعض القضايا المتعلقة بالتكفير والموقف من الحاكم وغيرها. مواقف متعددة من المجتمع والنظام واستخدام العنف وغيرها استقرت عليها الجماعة واعتمدت الأصول التي انطلقت فيها الدعوة في العمل السلمي والدعوي والتربوي ونبذ العنف نهائيا وعدم الصدام مع الحكومات والعمل في إطار الدستور والقانون والتعاون مع كل القوى السياسية في سبيل الإصلاح الشامل، وقد التزمت الجماعة بذلك طوال ثلاثين عاماً من مسيرتها، وإعلان مواقف واضحة من قضايا شغلت الناس والعاملين للإسلام وإصدار ذلك في بيانات ورسائل معتمدة من الجماعة حول: الأقليات والموقف من الأقباط في مصر، والشورى والتعددية في المجتمع المسلم، و المرأة في المجتمع المسلم: دورها ووظيفتها وحقوقها. وأضاف العريان وقد صدرت رسالة تحمل الموضوعين الأخيرين في مارس 1994م، وكان فيها تحوّل جديد في رؤية الجماعة حول السماح بالتعددية الحزبية والقبول بها حيث أثبتت التجارب أن أخطر ما تواجهه الأمة هو الاستبداد، وفي الثانية القبول بأحقية المرأة في المشاركة في الترشيح والتصويت في الانتخابات العامة وتولي الوظائف العامة كافة باستثناء موقع الإمامة العظمى. موضحا أن تلك المراجعات تمت وتتم من وحي عقيدة الجماعة وإيمانها ومن فكرتها الإسلامية ورؤيتها للتطبيق العملي في المجتمعات الإسلامية دون ضغوط أو تدخلات.لكن الدكتور رفعت السعيد اختار رياضة القفز على الحقائق التي يمارسها العلمانيون المتطرفون والمتحولون من الشيوعية إلى المريكانية ببراعة لقول ما يحب أن يقول لا ما يجب أن يقال، وهذا مثال بسيط جدا من بين أمثلة كثيرة من القفزات ، وإذا ما تحدثوا عن تلك الاجتهادات تحدثوا عنها بعقلية تآمرية وسموها تغييرا للعهود والجلود. أما اتهامه لحسن البنا بالتحالف مع الفاشيين وأن هناك وثائق تدل على أنه تلقى منهم الأموال ، وأنه أشاع بأن هتلر قد أسلم وسمى نفسه الحاج محمد هتلر فلا تعدو أن تكون مستملحات شيوعية، ودليلا على التهريج السياسي الذي يلجأ له الاستئصاليون في مناقشة خصومهم من الإسلاميين المعتدلين الذين ينافسونهم في الميدان علنا وبالشرعية وبالآليات الديمقراطية. الثانية: يقول بعض رموز ما يسمى بالليبراليين الجدد بأن الإسلاميين المعتدلين متحالفون مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، دون أن يرف لهم جفن والحاصل أنهم والمتنفذين في الإ دارة الأمريكية وجهان لعملة واحدة يحملون نفس المقاربة اتجاه الإسلام والإسلاميين بمعنى أنهما هم المتحالفون مع الولاياتالمتحدة بصريح ما يكتبون وما نشر في جريدة الأحداث المغربية وفي ما يلي بعض النماذج من الاعترافات. 1 قول رئيس الرابطة الجامعية الأمريكية شاكر النابلسي وأبرز وجوه تيار الليبراليين الجدد (علمانيون متطرفون) الذي حدد لنفسه مهام من بينها مهمة الدفاع عن الشيطان أن أمريكا هي ليل ونهار العرب ، وأن الثقافة الأمريكية انتشرت في العالم العربي لأنها قوية و لأن الثقافة العربية ضعيفة، وانه ليس من العيب أن نأخذ ثقافة الآخر الأمريكي ما دامت ثقافته تتماشى مع العصر، بل من الضروري أن نتنازل عن ثقافتنا مقابل الثقافات الأخرى، وأن الثقافة الأمريكية لم تنتشر في العالم العربي بحد السيف كما تم نشر ثقافات أخرى عبر التاريخ. وأن الثقافة الأمريكية انتشرت في العالم كله وأصبحت ثقافة عالمية تنتشر بذاتها وبحب الناس لها. وأن أمريكا لم تستخدم أساطيلها وبارجاتها وجيشها لنشر ثقافتها. العالم هو الذي يقبل على الثقافة الأمريكية ويلاحقها. وأن أمريكا مقصرة جداً بحق ثقافتها من حيث عدم بذل مجهود كبير لنشرها. قوة الثقافة الأمريكية ومصداقيتها تجعلها ذات دفع ذاتي وقوة ذاتية مشيرا إلى أن الثقافة العربية ثقافة هشة، لأنها تعتمد في معظمها على اجترار الماضي، وعلى الثابت لا المتحول، وعلى الاتباع لا الابتداع. ويضيف النابلسي في التسبيح بحمد ماما أمريكا: والأمريكيون الآن يحاولون تعبيد طريق الحداثة العامة أمام العرب من خلال بوابة بغداد ويجدون صدا ورفضا، ونأمل أن ينجحوا ونأمل هذه المرة أن لا يفوت العرب قطار الحداثة العامة كما فاتتهم من قبل( يقصد هجمة نابليون وحملات المبشرين الأمريكيين في أواخر القرن الثامن عشر). 2 مقال لجمال هاشم نشر بجريدة الأحداث المغربية يوم الأربعاء الماضي تحت عنوانفي مواجهة الظلام: نحن وأمريكا: بين الكره الوجداني والموقف العقلاني قطران أمريكا ولا عسل الإرهابيين، حيث قال: وإذا كان دور أمريكا وقوات التحالف الدولي أساسي لإنجاح المسلسل السياسي في أفغانستان وقطع الطريق على الإرهاب الإسلاموي ... ولعل اكتشاف عدة مخابئ للأسلحة على الحدود الباكستانية الأفغانية يوضح أهمية يقظة المنتظم الدولي ، فدور أمريكا أساسي كذلك في العراق لقطع الطريق على التنظيم الإرهابي العالمي (القاعدة) الذي نقل حربه إلى العراق بعد هزيمته في أفغانستان (تم خلال الأسبوع الماضي اعتقال عدة إرهابيين من دول عربية مختلفة... إنه من السذاجة الاعتقاد أن كل ما يجري في العراق مقاومة بل هي فوضى عارمة (تدخل منظمة القاعدة، محاولة أعضاء حزب البعث الانتقام لهزيمتهم وسقوط تمثال قائدهم الذي اعتقل داخل جحر كأي فأر، صراع المواقع بين الأطياف الدينية والعرقية..) لكل هذا فوجود القوات الأمريكية والدولية لازال ضروريا إلى غاية إنهاء المسلسل السياسي، أما خروجها الآن فهو مقدمة للكارثة . ومن الواضح أن هذا الخطاب لا يختلف عن خطاب اليمين المسيحي المتطرف إذ يحاول أن يقنعنا بأن أمريكا ذهبت إلى أفغانستان من أجل تحريره من الإرهابيين ومن تنظيم القاعدة ، وإلى العراق من أجل تحريره من استبداد الديكتاتور صدام وإرساء الديمقراطية والحرية، كما يحاول أن يقنعنا بالأطروحة الأمريكية التي قالت ذات يوم بأن الشعب العراقي سيخرج لاستقبال الأمريكان بالورود، وأنها قد ذهبت من أجل تجريد نظامه من أسلحة الدمار الشامل، ونحن متفقون أن ما يجري في العراق ليس كله مقاومة بل إلى جانب الأعمال التي يقوم بها المقاومون الشرفاء توجد مؤامرة صهيونية تلعب فيها أيادي الموساد دورا كبيرا من أجل خلط الأوراق وتشويه صورة المقاومة، وتلعب فيها نفس الدور بوعي أو بوعي بعض المجموعات المغفلة أو المخترقة، وإلا من يصدق أن اختطاف الصحافيين الفرنسيين جاء من أجل نصرة الحجاب في فرنسا، في وقت كان العالم الإسلامي يستعد فيه لتخليد اليوم العالمي النصرة الحجاب، فوجد مسلمو فرنسا وأوروبا والعالم أنفسهم في موقف حرج لأنهم آنذاك سيتماهون مع القتلة الخاطفين؟ من يصدق ومن في مصلحته من العراقيين أن يستعدي فرنسا ويجرها جرا إلى الاصطفاف وراء أمريكا للتورط كما تورطت هذه الأخيرة في المستنقع العراقي؟ ولذلك فتصوير الولاياتالمتحدة في صورة المبشر بالديموقراطية والأداة التي سخرها التاريخ من أجل تحرير العالم من الأشرار بلادة سياسية بل تعبير عن استعداد كامن لدى هؤلاء للتحالف مع الشيطان ضد الوطن وأبنائه والاضطلاع بدور كرازاي وإياد علاوي مع بجاحة وقدرة كبيرتين وهذه هي سمة اليساريين والشيوعيين القدامى التائبين إلى أحضان ماما أمريكا على اللعب بالكلام والتنظير للتبعية والانبطاح. وفي هذا الصدد رأينا كيف صرح بعضهم ببجاحة أنه يفضل أن يكون ماسح أحذية في إسرائيل على أن يتعاون مع حكومة فيها إسلاميون، وكأن العداء عنده للإسلاميين من أبناء وطنه، أولى من العداء لشارون وبيريز وللصهاينة ولليمين المسيحي المتطرف داخل الإدارة الأمريكية... وما ينشره المعني بالأمر في نصف الصفحة الثالثة لمرات عديدة من إشهار لقناة الحرة التي يعلم الجميع أنها مشروع إعلامي أمريكي مخصص لتلميع الصورة الأمريكية في أعين العالم العربي والإسلامي وقولبة العقول وفق المقاييس الأمريكية يسير في الاتجاه نفسه ويبين إلى أي حد تصل تلك القدرة الفائقة عند هؤلاء على قلب المعطف وعلى الانقلاب على كل المواقف والمبادئ. وهذه أمثلة من عشرات الأمثلة التي تؤكد بوضوح ليس بعده وضوح وبالملموس أن الحداثويين والعلمانيين الاستئصاليين متحالفون مع الإدارة الأمريكية ومشاريعها في العالم العربي والإسلامي، لكنهم آثروا الهروب إلى الأمام بعقلية فترة الحرب الباردة وتلفيق التهمة للحركة الإسلامية المعتدلة والمشاركة في الحياة السياسية العربية بشكل عام. الملاحظة الثالثة : إن الحداثويين والعلمانيين المتطرفين بالمغرب بما فيهم ذوي الماضي الشيوعي مع الإدارة الأمريكية، قد اعتمدوا المقاربة نفسها في مواجهة ما يسمونه بالإرهاب مع اختلاف في الوسائل والأشكال. فالولاياتالمتحدةالأمريكية كما هو معلوم، قد اتخذت من أحداث 11 شتنبر الإرهابية- التي أدانتها الحركة الإسلامية المعتدلة بقوة- مبررا لهجوم الكاسح على العالم العربي و الإسلامي بحجة محاربة الإرهاب والضغط عليه، والتدخل السافر في شؤونه الداخلية بعيدا عن كل شعارات الديمقراطية والقيم الإنسانية والمواثيق والشرعية الدولية مستغلة ذلك لإعادة ترتيب الخريطة العالمية التي تتوافق ومصالحها الاستراتيجية. وتحولت في معركتها تلك من الحرب على الإرهابيين و المتطرفين إلى محاربة الإسلام نفسه وشيطنته، والتنقيص منه والتضييق على المسلمين بجريرة قلة قليلة ما كان ليكون لها شأن لولا دعم الإدارة الأمريكية لها في وقت سابق. وقد أثبتت الوقائع فيما بعد أن واشنطن استغلت أحداث 11 شتنبر المشؤومة كذريعة من جهة ليس فقط للقضاء على بن لادن وتياره الذي تمرد وانقلب عليها (هذا إذا كانت جادة في ذلك لأن كل المؤشرات تدل على أن بن لادن، مثله مثل الزرقاوي يبقى مسألة أساسية ووظيفية في السياسة الخارجية الأمريكية، وحتى لو قتل بن لادن أو أسر، فسيتم اختراع شخصية جديدة تبرر بقاء القوات الأمريكية قرب بحر قزوين، وفي الخليج، وتبرر الإنفاق على تجارة الحروب التي يتحكم فيها أساطين اليمين الأمريكي، ومن جهة أخرى لإخراج المتصهينين داخل الإدارة الأمريكية لمخططاتهم من الرفوف وصياغة نظام عالمي جديد متأمرك وتوازنات ومعادلات جديدة لا تشكل مستقبلا أي خطر على مصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية ومصالح محضونتها إسرائيل التي استغلت هي الأخرى هذه التغيرات لتضاعف من بطشها وتقتيلها للشعب الفلسطيني ونهب أرضه بالموازاة مع سحق المقاومة ومحاصرتها وقطع الدعم عنها من الدول العربية والإسلامية وخاصة الدعم المادي.بموازاة مع ذلك، وانطلاقا من المقاربة نفسها، وبالأسلوب نفسه، استثمر التيار الحداثوي والاستئصالي بالمغرب أحداث 16ماي الإرهابية لتصفية الحساب مع الحركة الإسلامية وتحديدا المعتدلة والمؤمنة بخيار المشاركة والعمل من داخل الشرعية والمشروعية من خلال حزب العدالة والتنمية، وسعوا بكل الوسائل إلى تحميله ما سموه بالمسؤولية المعنوية في ما حصل، ومحاصرته إعلاميا وسياسيا مستغلين كل علاقاتهم ومواقعهم ، كما دعوا بصريح العبارة إلى مواجهته واستئصال شأفته من الساحة السياسية المغربية بحله، بدعوى انه خطر على الديمقراطية ويزكي خطاب الإقصاء ومحاربة الفن وما إلى ذلك من الأسطوانة المشروخة التي تجلب الشفقة. كما لجؤوا ومازالوا إلى تضخيم أي حدث مرتبط بالإسلاميين أو رأي شخصي يدلي به أحد رموز الحزب أو حركة التوحيد والإصلاح، وخلقوا محاكم تفتيش بجلباب حد اثوي بل إنهم تحول ويا للعجب من شيوعيين واشتراكيين إلى منافحينعن المذهب المالكي، ومنظرين في ما ينبغي أن يكون عليه الحقل الديني!!. والملاحظ أن حرب العلمانيين المتطرفين والاستئصالييين انتقلت من استهداف الإسلاميين كخصم فكري وسياسي إلى استهداف مباشر لكثير من القيم والأخلاق الإسلامية وبعض الثوابت التي ميزت المغرب عبر التاريخ، وهكذا صوروا الزي الملتزم للمرأة (الحجاب) على أنه بدعة ولاعلاقة له بالإسلام وشنوا عليه حربا ضروسا، إضافة إلى التطبيع مع كثير من الموبقات كالزنى والعلاقات غير الشرعية بين الجنسين وكأنها أمر عادي من خلال ملحق من القلب إلى القلب وفوق كل ذلك هاجموا الخطباء والعلماء لا لشيء إلا لأنهم يقومون بدور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و ويلتزمون بمذهب الإمام مالك ولم يعتمدوا ما يسمونه بالمشروع الديمقراطي الحداثي مرجعا لهم في صياغة خطبهم، كما دعوا إلى فصل الدين عن الدولة في مملكة دينها الإسلام منذ قرون بدعوى أنه لاديمقراطية حقيقية بدون إقرار لائكية أو علمانية وغير ذلك مما ينشر في جريدة الأحداث المغربية في إطار منبر التنوير ومنبر الآراء وغير ذلك. خاتمة إذا كانت الإدارة الأمريكية في العمق ليست ضد الحركة الإسلامية المعتدلة، ولكنها ضد كل من يهدد مصالحها، عملا بالقاعدة الذهبية التي تحكم العلاقات الخارجية الأمريكية لا عداوة دائمة ولاصداقة دائمة ولكن مصالح دائمة ، ولا تضع بالتالي كامل بيضها في سلة واحدة، فإن الحداثويين العرب بشكل عام وفي المغرب على وجه الخصوص أمضوا للولايات المتحدةالأمريكية على بياض ووضعوا كل بيضهم في سلتها فاعتبروها المحرر بأفغانستان والعراق والمبشر بالديمقراطية في المنطقة حتى ولو جاءت بها على ظهر الدبابات وأنزلتها مع القنابل العنقودية ودرجت في دماء الآلاف وأزهقت أرواحهم البريئة مع العلم أن البلدين المذكورين مازالا يعيشان في وضع كان جاك شيراك الرئيس الفرنسي بليغا في وصفه عندما قال لقد فتحنا أبواب جهنم . فمن يا ترى المتحالف مع الأمريكان هل الحداثويون (يتامى الاتحاد السوفياتي ومكفولي واشنطن) الذين ما بقي لهم إلا التسبيح بحمد هم على ما جلبوه للعالم العربي من تنوير وحداثة وحرية وما أعطوهم من تحت الطاولة أم الإسلاميون المعتدلون الذين أدانوا مع كافة الأحرار في كل العالم ظلم الإدارة الأمريكية الذي لحق بالشعب العراقي والشعب الفلسطيني وغيرهما وانتقدوها على تحويل الحرب على الإرهاب إلى حرب على الإسلام وقاطعوا كل أنشطتها بشكل حضاري إلى أن تراجع مواقفها من المسلمين وقضاياهم وعلى رأسها القضية الفلسطينية وتحترم الشرعية والمواثيق الدولية داعين في الوقت نفسه إلى المقاومة الفكرية والثقافية لكل مشاريع الإدارة الأمريكية لمسخ المسلمين وسلخهم عن مقوماتهم الدينية والحضارية؟ محمد عيادي