في دروب الحي المحمدي نشأ عبد الحق، وفي ازقتها تعلم كيف ينسل من بين انياب الموبيقات. وفي ظلالها تعلم ان الحياة تتطلب الجهد والصبر. لم يكن عبد الحق يدرك يوما انه سيكون اسما كبيرا في عالم الرياضة الوطنية. بدأ مسيرته الرياضية الأولى في صفوف القلعة البيضاء (الطاس). وتدرج عبد الحق في فئاتها الصغرى، ثم فتح بابا آخر ليطل على عالم الملاكمة. على خشبة الحي، بدأ هذا الفتى الاسمر يصارع من أجل اسم، من اجل مكانة، من اجل مستقبل لا يستقيم الا مع الاقوياء. هكذا كانت اطلالته الاولى، وبدأ المشوار ، ليصبح ممثلا للمغرب في المحافل العربية والقارية والدولية. رغم قصر القامة وضعف البنية، تمكن عبد الحق من الوصول الى القمة، وذلك بفضل اسم صنع كل اسماء الملاكمة انه المدرب الزروكي، الذي رفع الملاكمة المغربية الى الأعالي بفضل اصراره وبحثه ودعمه للملاكمين البسطاء. الملاكمة اصلا تحتضن ابناء الهوامش، ابناء الفقراء، ابناء الذين لاظلال لهم سوى ظل الصبر والعناد. في المحافل الدولية كان عشيق والاخ الاصغر محمد، خير ممثلين للملاكمة المغربية، كلما صعدا الي الحلبة، والا كانت لهما الكلمة الأخيرة. واجها الملاكمين الاقوياء من كوبا ومن مانغوليا ومن الشرق البعيد. ورغم البون الشاسع في الاستعداد والامكانيات، كان الاخوة عشيق يقفون مثل الحديد. الملاكمة هي رياضة الصبر والقدرة على التحمل، فحين نرى الامكانيات المادية والتأطيرية المتوفرة اليوم، حين نرى عدد السفريات والخرجات والمعسكرات التي يستيفد منها الملاكمون المغاربة، نصاب بالذهول ونحن امام النتائج المحصل عليها. ايام عشيق لم يكن ذلك متوفرا بالمرة، واتذكر هنا المدرب السابق للمنتخب المغربي موتسولوف حين قال: كفى من الملاكمة التي تلعب في الكراج (الحانوت). كان عبد الحق و حيدا يتدرب في السكة الحديدية قرب سوسيكا (احد الاحياء العميقة، بالحي المحمدي)، كان يجري قرب القطارات، ويقوم بتقوية العضلات اعتمادا عى حديد السكة الحديدية، هكذا كان عشيق رجل التحديات، رجل يضع حدا لكل مامن شأنه أن يخرجه الى خارج النتائج غير المرضية. في أولمبياد سيول 88، سافر عشيق حاملا حلما خبأه تحت ضلوعه. لم يحكيه لأحد، فالجميع كان يقول، ان الملاكمة المغربية رحلت الي سيول من اجل المشاركة، فالحضور هناك يكفي، المهم ان الملاكمة المغربية حاضرة. وكانت المفاجأة، حين خرج عبد الحق رافعا تحديا لا مثيل له ، اعطى وجهه ولحمه للضربات القاسية، كنا وقتها نتابع اصراره، وكنا نتمنى ان لا يسقط بالضربة القاضية. تابع عبد الحق مسيرته الاقصائية بنجاح، أذهل كل املغاربة، ووصل الى نصف النهاية، لكن خانته اليد وانسحب واكتفى بالبرونزية. والحق ان عبد الحق كان يستحق اكثر. حين عاد كان الاحتفال والاحتفاء، ولم تمر سوى اسابيع قليلة حتى وجد نفسه وحيدا يعانق ميداليته النحاسية. اتذكر جيدا، حين كان عبد الحق يزوروني باستمرار في مقر الجريدة، حين اشتغل وقتها كعامل بسيط في مركز الحليب بزنقة الأمير عبد القادر، بفضل تدخلات الرئيس السابق المرحوم بليوط بوشنتوف. لم يكن عبد الحق راضيا علي وضعه الاجتماعي. فالاجرة الشهرية التي كان يتقاضها لم تكن لتكفي ولم تكن لتصون كرامته. ظل عشيق مطالبا بالانصاف، وكانت جريدة الاتحاد الاشتراكي وقتها لسان الملاكمين والرياضيين الذين لا حول ولا قوةلهم. عشيق اليوم، بعد تجربة طويلة وغنية، يتابع مسيرته كمؤطر ومدرب وموجه، مازال حاضرا في كل القلوب، لان اسمه صنعه من تراب الحي المحمدي الذي لفه واحتضنه صغيرا الى أن اصبح اسما كبيرا.