تفتح «المساء» صفحاتها خلال شهر رمضان لوجوه رياضية طالها الإهمال، لأسماء كبيرة صنعت يوما مجد الرياضة، وتعيش الآن كل أنواع التهميش، وتدعو كل القراء الكرام ليتذكروا بعض الرياضيين الذين طواهم النسيان، ويعيشون الآن في أوضاع مزرية بعد نهاية مسارهم الرياضي، حيث حجم الفارق كبير بين البداية والنهاية. استطاع فريق الاتحاد البيضاوي منذ تاريخ تأسيسه في أربعينيات القرن الماضي أن يشكل مزرعة لتفريخ نجوم الكرة، فقد جاء الفريق ليكمل دائرة الصراع الرياضي داخل مدينة البيضاء.. حقق الفريق شعبية كبيرة. وكان لا بد لكل راغب في دخول مجال الكرة أن يمر عبر الاتحاد البيضاوي أولا، قبل أن يلتحق بأندية أخرى. كان العربي الزاولي وحده يملك حق إعطاء الموهوبين تأشيرة الدخول إلى عالم رياضي لا يقبل بغير المبدعين. أصبح الحي المحمدي قبلة لكل اللاعبين من أحياء ومدن مختلفة. كان فريق الطاس يضم أسماء موهوبة بالفطرة، كان هناك مولاي عبد الله، نومير، المسكيني، بؤسة والغزواني... كان عبد الرحمان سقيم أحد اللاعبين الذين اختاروا فريق الاتحاد البيضاوي كنقطة انطلاق للعبور إلى مرافئ أخرى، ازداد الرجل سنة 1943 التحق بالطاس منذ الصغر، تدرج عبر الأقسام كلها، اكتشف فيه العربي الزاولي المهاجم القوي الذي بإمكانه أن يربك خطوط الدفاع، احتضنه الطاس، علمه أولى مبادئ اللعبة ودعاه ليكمل بتقنيات الموهبة شخصيته الرياضية، وحين التحق مولاي عبد الله بفريق الفتح الرباطي كان سقيم هو البديل المميز الذي بإمكانه أن يعطي لخط الهجوم شحنة قوية، وجد اللاعب نفسه في قسم الكبار يبدع، ويوقع مع الطاس على لقاءات ممتعة، ولكن الرجاء سمع بمواهب الرجل، تفرج عليه فبعث بمن يأتيه بأوراقه من فريق الاتحاد البيضاوي في صفقة استطاع فريق الحي المحمدي بفضلها أن يبني يوما سور ملعبه، فلم يكن من السهل أن تلعب لفريق الرجاء المثقل بالأسماء الكبيرة التي عبرت شعبيتها كل الأرجاء. تأسس فريق الرجاء البيضاوي سنة 1949 ، على يد العديد من الزعماء كالمحجوب بن الصديق والمعطي بوعبيد وبن أبادجي، ومعهم كان العاشق الكبير للرياضة، مثقف عصره، الأب جيكو الرجل الذي أقسم أن يخلق فريقا داخل البيضاء يتقاسم مع الوداد شعبيته الكبيرة، وأخلص الرجل في وعده، الأب جيكو، الذي تحفظ اسمه كل جماهير الكرة، وكان حظ سقيم كبيرا أن يتدرب على يد المدرب الذي أحبه كثيرا وتعلم منه مناهج أخرى. «في نهاية الخمسينيات، تعلقت كباقي أبناء الحي بكرة القدم، مارستها مع فرق الأحياء، لكن طموحي كان يتجاوز ملاعب الحي، شجعني كثيرون على الالتحاق بفريق الاتحاد البيضاوي، وكنا ندرك جميعا أن العربي الزاولي وحده القادر على توقيع بطاقة العبور إلى عالم الكرة المستديرة، كان يميز بين اللاعبين بنظرة واحدة فقط، وابتسم لي الحظ كثيرا، حظيت بثقة المدرب الكبير، ولعبت في صفوف الاتحاد، تدرجت عبر كل الفئات، وتشاء الصدف أن يلتحق مولاي عبد الله، اللاعب الذي كان يعتبر واحدا من نجوم المرحلة بفريق الفتح الرباطي لأتحمل بعدها المهمة. وبعد سنتين فقط في قسم الكبار جاء فريق الرجاء راغبا في خدماتي، سعدت يومها كثيرا، فليس من السهل أبدا أن تضمن لنفسك مكانا في بيت الرجاء،.كان الفريق يضم في فترة الستينيات أسماء جيدة. عليوات، حمان، غاندي، عماني، كعزة وغيرهم.. تحت إشراف المدرب الرائع الأب جيكو». اعتمد فريق الرجاء البيضاوي على المتعة في الأداء، وأسلوب «دقة، دقة»، واستطاع بفضل الثنائيات الجميلة أن يكسب شعبيته الكبيرة، لقد كانت الفرجة تساوي عنده عشرات الألقاب، اهتم بجانب الإبداع، والتقنيات الكبيرة، حقق لجماهير الكرة المتعة التي لا تقارن، ومضى جيل من المبدعين بلا ألقاب. «لم يكن فريق الرجاء البيضاوي يوما يبحث عن الألقاب كشرط أساسي، كان همه أولا أن يخلق مدرسة متميزة في كرة القدم الوطنية، مدرسة تعتمد أسلوب الفرجة وإمتاع الجماهير بالقنطرة الصغيرة. والثنائيات الفريدة، وأصبح الجمهور يحضر إلى الملعب من أجل الاستمتاع الذي كان يحققه الفريق الأخضر حتى وإن غابت النتائج». استطاع عبد الرحمان سقيم بفضل قوته البدنية، وتسرباته الجيدة أن يربك كل دفاعات الخصوم، في وقت كانت فيه كل الأندية تملك خطوط دفاع قوية، ففي سطات كان السليماني وفي فاس كان مولاي ادريس، كان كل فريق يضم أجود اللاعبين. واستمر مسار سقيم داخل الرجاء طويلا، حقق شعبيته، ونال احترام الجميع، وأنهى حكايته مع الكرة ببعض الذكريات التي يحكيها لجيل جديد، لا يعرف شيئا عن المواهب القديمة. وقد كان لسقيم شرف المناداة عليه لحمل القميص الوطني، لكنه أنهى كل شيء في فترة الاستعداد بعد صراع مع أحد اللاعبين، اشتغل في قسم التسويق والتصدير، وحصل على التقاعد، والآن يحمل الرجل بعض كتب الأعشاب وبعض الصور القديمة التي تحفظ سنوات المجد الذي مضى، يقوم بتدليك أرجل اللاعبين بالمجان، ولكنه يبكي كلما تذكر تجاهل الرجاء الذي لم ينصفه يوما، ولم يقدم له الدعوة ليحضر معه أعراس الكرة. واستطاع سقيم رغم مرارة التجاهل والإقصاء أن يخلد اسمه في تاريخ الكرة المغربية بفضل ثلاثة أبناء، لاعب في بلجيكا، واثنان يشكلان دعائم أساسية في فريق شباب المسيرة.