العربي بن مبارك، أو الجوهرة السوداء، هو أول لاعب مغربي يطأ الملاعب الإسبانية، وأول مغربي التحق بالدوري الفرنسي، حيث بدأ اللعب لفريق نادي مارسيليا في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي... نال عدة ألقاب، وساهم في تحقيق عدة بطولات للفرق التي لعب معها، وكان يحظى بتقدير خاص من الملك الراحل محمد الخامس، ثم الملك الراحل الحسن الثاني في ما بعد. وقد قال في حقه بعض الفرنسيين: «بيعوا برج إيفيل وأرض فرنسا ولا تبيعوا العربي بن مبارك». - كيف كانت طفولة والدك العربي بن مبارك؟ > ولد والدي في مدينة الدارالبيضاء سنة 1917، نشأ يتيما، ولم يكمل دراسته بسبب ولعه بالكرة، وفي صباه احترف مهنة النجارة في المدينة القديمة، وكان يمارس كرة القدم في دروب البيضاء رغم رفض جدته التي كانت تحثه على تركها، إلا أنه كان مغرما بها إلى درجة الجنون. لقد كان فنانا في هذه اللعبة وخلق الفرجة بمهاراته المتعددة، وهذا ما جعل صيته يصل إلى «لكحل» وهو أحد المهتمين بالكرة الذي اكتشفه، ومن هنا جاءت انطلاقته في عالم كرة القدم. - هل كان طفلا مدللا؟ > يمكن أن نتحدث عن الدلال إذا عاش الطفل في أحضان والديه وكانت حالته الاجتماعية ميسورة، لكن في حالة والدي فإن يتمه واضطراره للعمل وهو صغير من أجل جلب قوته اليومي يقدم أصدق صورة عن الحياة التي عاشها العربي بن مبارك لم يكن مدللا بالمرة. - وكيف استطاع أن يقنع جدته التي ربته بالتخلي عن الدراسة وممارسة كرة القدم؟ > كانت جدته ترفض كلية فكرة تخليه عن الدراسة والعمل في سن صغيرة. لكن الأمر كان أقوى من إرادتها، فوالدي كان يلعب كرة القدم في أحياء المدينة القديمة، وقد ظل يهمل الدراسة إلى أن انقطع عنها نهائيا، فلم تجد العائلة سبيلا إلى منعه من ذلك. طريق الشهرة - كيف بدأ مشوار الشهرة؟ > ساهم والدي في تكوين فريق بسيط بالحي أطلق عليه اسم «الوطن»، وكانت انطلاقته من خلال المباريات التي كانت تنظم بين فرق الأحياء، ومن خلالها وصل صيته إلى المهتمين أنذاك والباحثين عن اللاعبين المميزين بالرغم من قلتهم في ذلك الوقت، وهكذا برز العربي بن مبارك، ولعب لصالح «اليسام» آنذاك وتوالت الإغراءات، وأصبح والدي يختار ويرفض العروض التي تقدم له، وكان دائما يقول: «رزقي في رجلي» وهو من يقبل أو يرفض. - وهل بدأت شهرته داخل المغرب أم بعد التحاقه بالملاعب الأوربية؟ > بدأت مسيرته الكروية مع نادي الاتحاد المغربي، وفي الموسم الكروي 1938و1939التحق بنادي اولمبيك مارسيليا ليكون بذلك أول عربي تطأ رجلاه ملاعب أوربا، وتألق بهذا النادي ووقع له 12 هدفا، واحتلت مارسيليا الرتبة الثانية خلف نادي سيت، كما حمل القميص الفرنسي ضد المنتخب الإيطالي في دجنبر 1938، وبعد توقف دام 5 سنوات في الدوري الفرنسي بحكم الحرب العالمية الثانية عادت الحياة إلى الدوري الفرنسي، فعاد والدي إلى التباري، ولكن هذه المرة صحبة نادي stade de paris، وفي الموسم الكروي 1945/1946 ساهم في صعود ناديه الباريسي إلى قسم الصفوة ليحتل بعدها المرتبة الخامسة في أول موسم، كما قاده إلى التألق في الدوري الفرنسي بعد أن كان ناديا مغمورا، وكنتيجة لذلك توالت عليه العروض من شتى الفرق، لكنه فضل عرض نادي أتليتيكو مدريد، فاختير كأحد اشهر لاعبي الوسط الهجومي بهذا النادي، وأحرز معه اللقب في السنوات الموالية، وفي نهاية الموسم الكروي 1952/1953 غادر والدي العاصمة مدريد عائدا إلى نادي اولمبيك مارسيليا، بل اعتبر أحد أساطير الكرة في أاتليتيكو مدريد بعد أن قاد ناديه لاحراز أول لقب، وهو الذي شكل إلى جانب السويدي كارلسون أقوى خط هجوم في بداية الخمسينيات. - من أطلق عليه لقب الجوهرة السوداء؟ > أطلق عليه المتتبعون لرياضة كرة القدم لقب الجوهرة السوداء la perle noire. كما أطلق الإسبان على ثنائية والدي وكارلسون هجوم الكريسطال. - هل عاد مباشرة إلى المغرب بعد اعتزاله كرة القدم؟ > بالطبع وكانت عودته إلى المغرب أول خطوة خطاها بعد اعتزال، وبعد ذلك بدأ يدرب نادي الاتحاد الرباطي، ثم النجم البيضاوي. أب محافظ - بعيدا عن الملاعب، ما هي أهم طباع والدك؟ > كان والدي رحمه الله إنسانا بمعنى الكلمة، محافظا في كل شيء، ومتدينا ومستقيما. - هل يعني ذلك أنه لم يدخن أو يشرب الخمر في حياته؟ > اجل، وهذا ما كان يثير استغراب الفرنسيين والاسبان. - كيف كان يعاملكم؟ > كان إنسانا صارما وقاسيا شيئا ما، ولذلك كنت أخاف منه كثيرا. - لم يكن أبا حنونا؟ > كان حنونا جدا وعطوفا، لكنه في نفس الوقت كان جديا وصارما. - متى تزوج؟ > تزوج سنة 1941، من والدتي رحمها الله، وأنجب منها ذكرين، لكنها توفيت أثناء ولادة أختي الوحيدة التي لم تر النور. - كيف كانت علاقته بوالدتك؟ > لا أذكر جيدا طبيعة هذه العلاقة نظرا إلى صغر سني. لكنه كان رجلا متحملا لمسؤولياته، وكان حنونا، يقدر المرأة جيدا ويعرف كيف يتعامل معها. - وهل تزوج مرة ثانية؟ > نعم حيث ارتبط بفتاة أوربية اسمها «لويزات»، وهي ابنة رئيس الملعب الفرنسي لويس سان لوران، وهو من نبلاء فرنسا، وقد أعلنت في ما بعد إسلامها على يد جلالة الملك محمد الخامس رحمه الله، واختار لها اسم مليكة. - هل أنجبت منه؟ > نعم أنجبت لي أخا لكنه توفي في حادث مؤلم وأخت لازلت على علاقة بها إلى حد اليوم. - هل تخلى عنكم والدكم بعد زواجه الثاني؟ > لا بل انتقلت أنا وأخي للعيش معه بفرنسا، وبالرغم من أن زوجته لم تستطع تعويضنا عن والدتنا، فإننا استفدنا منها الكثير في تعليمنا، لأنها كانت حنونة جدا. - هل اشتكيتم يوما من أمر أحسستم فيه بظلم والدكم؟ > لم تكن لدينا الجرأة للتعبير عن سعادتنا أو تعاستنا، فقد كان والدي صارما جدا، وتسبب في خلق فراغ كبير أبعدنا عن بعضنا البعض. - ومن تسبب في هذا الوضع؟ > والدي كان سببا مباشرا نظرا إلى سفره الطويل والمستمر والذي أثر سلبا على حياتنا، فقد اعتدنا العيش بدون والد، كما تأثرت من ذلك زوجته أيضا. - يقال إن والدك كان رجلا عنيدا؟ > كان يصر على رأيه، ولا يسمح لأحد بمناقشته، وفي مقابل ذلك كان حنونا ويعطف على الكل، ولذلك فالمعادلة كانت صعبة. - هل كان سعيدا في حياته؟ > نعم كان سعيدا جدا، وفخورا بما وصل إليه. - وكيف كانت أحواله المادية؟ جيدة > وهل كان بخيلا؟ بالعكس. فقد كان يقرض المال لكل من قصده، وكان يعيش اليوم ليومه ويصرف كل ما لديه. - هل ترك لكم ثروة بعد مماته؟ > للأسف استثمر أمواله لشراء حوالي 7.5 هكتارات بالمحمدية لم نحصل عليها إلى حد الساعة بالرغم من أن كل الوثائق التي بحوزتنا تؤكد ملكيتنا لها كورثة شرعيين لوالدي. - ومن حرمكم من ذلك؟ > لقد استولت ليراك على أرضنا وأقامت عليها مشروعا سكنيا لاعادة ايواء قاطني مدن الصفيح، فطرقنا كل الأبواب ولم يتبق لنا إلا مقابلة الملك محمد السادس لاسترجاع حق رياضي كبير منح المغرب الكثير والكثير، وشرف بلده عالميا، وكان محترما ومازال من طرف القصر. كما ترك محلا لصنع الحلويات وبعض الشقق، لقد كان يرفض إيداع أمواله بالبنوك لأنه كان يعتبرها حراما. مواقف طريفة - تحدثت عن صرامة والدك. هل تذكر حادثة كان فيها والدك قاسيا معك؟ > اذكر مرة عندما ضبطني ألعب مع أقراني في الحي، فعاقبني بخلع حذائي وأجبرني على ارتداء حذاء بلاستيكي، وأمرني بالذهاب إلى المدرسة عقابا لي على لعبي في الحي وترك الدراسة، وقد أثر ذلك على نفسيتي كثيرا. إضافة إلى ذلك فقد كان عندما يغضبه شيء في الشارع يصب غضبه علينا مباشرة. - وهل ظلما أحد يوما ما؟ > أذكر أنه صفع ذات مرة أحد الحكام، بعد أن اعتدى الحكم على فريق المحمدية الذي كان يدربه. إن صرامة أبي وكرهه للنفاق لم تخدم مصالحه، وقد كانت صراحته تغضب الناس منه. - ما هي أهم الطرائف التي عاشها والدك؟ > كان والدي يستخدم المصطلحات الكروية حتى في حياته العائلية، وكان رجل نكتة بالدرجة الأولى، كما كان يحب أكل الكسكس ويكور لقمة الكسكس ويمررها بين يده ويرميها في فمه وكأنه يقذف بالكرة في وجه حارس المرمى، لقد كان يخلق المتعة دائما في حياته. - هل حرمك يوما من شيء أحببته؟ > نعم حرمني من ممارسة كرة القدم واحترافها. - ما هي أسعد اللحظات في حياة والدك؟ > يوم ولادة ابني وليد، حيث تبناه، وأحبه كثيرا وهو من أطلق عليه اسم وليد. أما أتعس اللحظات فكانت يوم توفيت زوجته مليكة. - بماذا كان يوصيكم والدكم؟ > كان يوصينا بالحفاظ على الصلاة والصراحة والاخلاص في كل شيء، وكان يصر على الاجتهاد في الدراسة والاستقامة والابتعاد عن المحرمات والنوم باكرا وبأن نكون قنوعين. - هل أحببت والدك رغم كل ذلك؟ > أحبه وأفتخر به كثيرا، ولكن كنت أخافه دائما عندما أقصده، وكنت أتساءل: «هل أنا فعلا كما يحب أن يراني والدي»، لقد كنت أحس دائما بأن شيئا ما ينقصني، وهذا ما جعلني أعامل أولادي معاملة مغايرة، واعتبرهم أصدقائي. - إلى أي حد خدمكم اسم العربي بن مبارك؟ > ترك لنا والدي اسما شرفنا ولازال وسط كل من يعرفه، فقد خدمنا معنويا أكثر منه ماديا، كما أنه ترك لنا ورثة كرويين، كابني حسام الذي أخذ عن جده الكثير وهو يهوى الكرة جد الجنون. علاقته بمحمد الخامس - كيف كانت علاقته بالقصر؟ > كانت علاقة احترام، فقد كان الملك الراحل محمد الخامس رحمه الله يعامله كابن له. وقد عامله الملك الحسن الثاني رحمه الله بكل احترام، لكنه كان يكره استغلال علاقاته لتحقيق أهدافه، وكان يقول لنا دائما: العلاقات علاقات والعمل عمل. - هل كانت لديه هوايات أخرى غير كرة القدم؟ > الذي لا يعرفه الجميع أن والدي لعب أكثر من رياضة، فقد كان ملاكما، وكان يلعب مع الوداد صباحا كرة السلة، وفي المساء يلعب مع فريق «اليسام» لكرة القدم. - وهل كان يستمع إلى الموسيقى؟ > نعم، وكان يحب أغاني محمد عبد الوهاب وخصوصا «اجري اجري اجري وصلني اوام وصلني» كما كان يحب لعب «الضامة» كثيرا، - هل كان يحب القراءة؟ > بالرغم من أن والدي لم يتمم دراسته، فإنه كان عصاميا، وقد قرأ كتبا كثيرة عن الدين والسياسة وأخرى متنوعة، وكان كلما تحدث يخيل للجالسين معه أنه مفت أو عالم، وقد أجاد التحدث بلغات مختلفة نظرا إلى انتقاله من نادي إلى آخر. - هل كان ذواقا للطبخ المغربي؟ > نعم وكان يحب الكسكس كثيرا، كما كان يجيد طبخ بعض الأكلات كالباذنجان المحشو والباييلا الإسبانية. .