احتفاء بجزء من ذاكرتنا الثقافية المشتركة ، واستحضارا لعطاءات مبدعينا وإسهامهم في إثراء رصيدنا الابداعي الوطني والعربي ، نستعيد ، في هذه الزاوية ، أسماء مغربية رحلت عنا ماديا وجسديا ، لكنها لاتزال تترسخ بيننا كعنوان للإبداعية المغربية ، وللكتابة والفن المفتوحين على الحياة والمستقبل. يوم الرابع عشر من شهر أبريل عام سبعة وثمانين من القرن الماضي، كان الحي المحمدي في حداد، كل أصحاب السيارات داخل الحي سخروها لنقل أولاد الدرب لتشييع جنازة رجل. جيوش جرارة حركت الأقدام في نفس الاتجاه. لا حديث اليوم إلا عن فقدان هذا الأب المحبوب: بالعربي... رأى العربي الزاولي النور في بداية العشرينيات بالشياظمة ومر بالصويرة حيث اشتغل كسائق لشاحنة نقل الأسماك، ثم استقر بالدار البيضاء نهائيا ليرسم مسارا استثنائيا جديرا بألف حكاية وحكاية. مارس لعبة الكرة منذ بدايات الاستعمار، وانضم الى فريق الاتحاد البيضاوي كلاعب، ثم كمدرب، وكرئيس في المرحلة الثالثة: وكان هذا الفريق قد ولد من رحم الإرادة القوية المتشعبة بالروح الوطنية على يد مجموعة من المناضلين الوطنيين من أمثال : السيد عبد السلام بناني وامحمد العبيدي وعبد الرحمان اليوسفي. انطلق الفريق داخل حي أبلى البلاء الحسن في مواجهة الاستعمار، وكانت الخلايا من كل مكان وزاوية. ومنذ ذلك الحين، ارتبط فريق الطاس بكريان سنطرال وانتفاضته التاريخية. كان الزاولي حاضرا ومتواجدا، بل كان جزءا من تاريخ الحي الحسن الذكر. إنه رجل الأفكار ورجل الاقتراحات ورجل الحوار: والوطن فوق كل الاعتبارات. مارس الملاكمة وألعاب القوى، وتعلم اللغات الأجنبية، وكانت اللياقة والرشاقة والأناقة من شيمه، خمسون عاما في الخدمة بالتضحية ونكران الذات، سنوات وسنوات في خدمة الطاس، ولاشيء غير الطاس بالوفاء والإخلاص. رفض الإغراءات ولو من السعودية جاءت... وسعيدا كان حيى ينظم الاستعراضات الوطنية بأكثر من ألف رياضي باللون الأبيض والأبيض. آه، يا أيام زمان! أيام كان الراحل ينظم دوريات بملعب الطاس لاكتشاف المواهب الكروية. كان الملعب يمتلئ عن آخره لمشاهدة التنافس النبيل والفرجة الجميلة بين الطاقات الكروية من أبناء الحي. وكان الزاولي هو من يسهر على الاختيار... اختيار من سيحمل القميص الابيض الناصع. بعد الاختيار، يأتي دور التأطير، كان يقيس مهارة اللاعبين بطريقة توجههم نحو الكرة، وبمجرد أن يلمسوها اللمسة الأولى. مدرسة حقيقية، أو مزرعة مزهرية. أو سميها ماشئت إذا علمتَ بأن الزاولي أب وأخ أكبر وصديق ومدرب. ومعلم. ومدير وكل هذه العلاقات تملك عليه عقله، وتقوده الى الطريق الصحيح. كريما سخيا كان... يحترم الصحافة ورجال الإعلام. بيته حيث يقطن مع أفراد الأسرة ملتصق بملعب الحفرة حيث يتدرب ويلعب الأشبال أسماء.. وأسماء مرت من ها هنا، وطعمت فرقا أخرى هنا وهناك... هادئا تارة، وغاضبا تارة أخرى... ولم يكن يذبح كبش عيد الأضحى، إلا حين يتأكد بأن كل اللاعبين وأسرهم يسمعون «باع.. باع» في بيوتهم! الزاولي أعطى الكثير، وتلقى الضربات من كل حدب وصوب، وتعرض للخيانات ومشى على الطريق بسلاح قوة الإيمان يحب فريق اسمه الطاس، ووطن اسمه المغرب... آه، لو علم اليوم الحالة التي آل إليها فريقه الذي ضحى من أجله بالغالي والنفيس، لَتَحرك في قبره، كما يقول الفرنسيون... لكنه عاش شجاعا، ومات شجاعا، وبقي في أعيننا بطلا حقيقيا لولا السيجارة الملعونة التي وضعت حدا لحياته بعد خمس وستين عاما من استنشاق هواء الإرادة القوية، والعمل الدؤوب، والغيرة على الفريق، وعلى الكرة المنفوخة بالبرد في هذا البلد الجميل... فوداعا يا العربي! فلن ننساك!