احتفاء بجزء من ذاكرتنا الثقافية المشتركة ، واستحضارا لعطاءات مبدعينا وإسهامهم في إثراء رصيدنا الابداعي الوطني والعربي ، نستعيد ، في هذه الزاوية ، أسماء مغربية رحلت عنا ماديا وجسديا ، لكنها لاتزال تترسخ بيننا كعنوان للإبداعية المغربية ، وللكتابة والفن المفتوحين على الحياة والمستقبل. محمد شكري ابرز كتاب القصة والرواية في المغرب، اجتازت شهرته حدود بلاده. وذلك لقيمة كتاباته. خاصة ما يتصل بكتابة التجربة، وربط الادب بالحياة والواقع المعيش خارج شرنقة اللغة وقوانين الاستاذية الباهتة. في شهر رمضان من عام ألفين وثلاثة، لفظ انفاسه الاخيرة بعد حياة من التمرد على المجتمع وعلى الذات، وبعد حياة فيها ما فيها من التيه والاضطراب والقلق الوجودي. استلهم كتاباته من زمن الاخطاء والجرائم والهزائم والقمع والفقر والاحتقار والقبح والغباء والكرامات المهانة والحياة المضطربة. كسر الراحل الطابوهات، ووجه اللعنات وفضح مصاصي الدماء، وعايش بفعل الكتابة المهربين والمجرمين و اللصوص، وكل الخارجين عن الاعراف والقوانين . كتاباته تمزج بين المقدس والمدنس، وبين الحلال والحرام وبين الشك واليقين... كان، كما هو، يعيش فعل الكتابة كحالة مستمرة. «الخبز الحافي» و«السوق الداخلي» و«زمن الاخطاء»، و«الخيمة» و«مجنون الورد » و«وجوه» ، كتاباته آتية من البعيد لتستقر في احشاء وجداننا. كتابات تمت ترجمتها الى لغات قريبة منا وبعيدة علينا. قلم جرئ يسمي الاشياء بمسمياتها. ويقول للمخطئ انك اخطأت، وللمذنب انك اذنبت! توطدت علاقته بكتاب كبار كجون جوني وتييسي ويليام: وادرك انه قادر على الوصول الى العالمية. رافقته ذات ليلة الى برنامج «حلقة منتصف الليل» التي كانت تقدمه لور ادرلير بالقناة الفرنسية الثانية، ونال اعجاب الحاضرين بقوة صدقه وبعده عن لغة الاخشاب التي يتقنها الآخرون. عايشته متسكعا بمعية محمد خير الدين في ادغال باريس، فاكتشفت الرجل طفلا يحب الحياة والتسلية والضحك. اكتشفت الرجل متعدد التجارب، ومتعدد الرؤى ومتعدد الآفاق ومتعدد الخطابات. يفضل التنكيت وقراءة الشعر الاسباني على النميمة ولغة البصيصة. لم يكن من فصيلة المدعين كما قد يعتقد البعض. بل في اعتقادنا كان معتزا بنفسه بعيدا عن الغرور والانانية الزائدة. كانت تعجبه رياضة الملاكمة من الوزن الثقيل وقناة الحيوانات، وكتابه المفضلون لوتريامون، وجبرا ابراهيم جبرا اضافة الى محمد خير الدين الذي اطلق عليه لقب الطائر الازرق كان ايضا يعشف السينما والمسرح ويرتاح لمشاهدة افلام اورسن ويلز، ومعجب بالممثل انطوني كوين، والممثلة انامانياني. لا تستغربوا ان كانت مدينة طنجة هي مدينته المفضلة، وباريس، على حد تعبيره، جسر لابد من عبوره. وحين سألناه ذات يوم اجاب: الحرية هي ان لا يخاف من اي مشروع ينجزه، والديمقراطية هي كرامة الانسان، والقمع هو جهل الحكام، والتطرف الديني هو الجهل والاجرام، والموت وعدم والحياة صراع، والادب إعادة خلق الاشياء والكتابة اثبات الوجود، والكتاب الجيد عبقرية، والوطن هو اينما وجدت عزة حياتك والفن يلطف ماهو خشن. انه رجل استثنائي علمنا الشجاعة لقول «لا» ، علمنا بأن السجن الحقيقي يوجد في الرأس، وليس داخل الزنزانة، وعلمنا تذوق لحم الارنب. انه لذيذ مع الاصدقاء بالمناسبة، كان يسميه «المش» مرحبا بيك تاكل معايا شي طجين «دْلمش».. وداعا أيها الرجل، فلن ننساك...