احتفاء بجزء من ذاكرتنا الثقافية المشتركة ، واستحضارا لعطاءات مبدعينا وإسهامهم في إثراء رصيدنا الابداعي الوطني والعربي ، نستعيد ، في هذه الزاوية ، أسماء مغربية رحلت عنا ماديا وجسديا ، لكنها لاتزال تترسخ بيننا كعنوان للإبداعية المغربية ، وللكتابة والفن المفتوحين على الحياة والمستقبل. في وقت متأخر من الليل، اتصل بي الصديق الفنان عبد الكبير الركاكنة ليخبرني بالواقعة التي ليست لوقعتها كاذبة: با حسن مات، وعزاؤنا واحد. اجتمعت جماهير غفيرة لتوديع الفنان حسن الصقلي الى مثواه الاخير بمقبرة الشهداء، وفقدنا بهذا الرحيل المفجع هرما من أهرامات الحقل الفني ببلادنا. بلادي بلادي وان جارت علي عزيزة... والنفي بين أهلي وان ظنوا علي. هكذا نتصوره كان يتصور، هكذا كان يتكلم أمام المرآة باحثا عن طفولته البريئة. «الوطن»، الكلمة المدفونة في الاحشاء والكيان، هي بالنسبة لصاحبنا، فوق كل اعتبار الاعتبارات. حين يداهمه الحزن، كان يبحث عن بهجة في كتاب ، أو عن ألفة في طريق، وينظر الى الناس مهما كانت عيوبهم وأخطاءهم بعين الشفقة والحنان، لأنه كان يدرك ان عوامل موضوعية حالت دون تحديدهم الصحيح، ويغفر لجميع اخطاء وهفوات اهل الفن.. انه منهم وإليهم، يحبهم ويبادلونه الحب والاحترام والتقدير. حسن الصقلي هرم.. حسن موسوعة أدبية فنية نادرة.. حسن كان عاشقا للأدب من رسم وموسيقى ونحت، وكان يحب الشعر طبعا وطبعا. شاعر هو نفسه، تفنن، وفنان تشاعر بالكلمة الرنانة الأخاذة بمسامع في الجلسات والمجالس. متواضعا كان الرجل، بشوشا يحب الرقص بالوزن والقافية، ومن شيمه النبيلة الهدوء والرزانة وحسن الاصغاء والصرامة في العمل. حسن لم تكن تهمه الماديات. متفائل كان يردد: في يوم، في شهر، في سنة ستتحقق الاماني. كان يحب ويمارس كرة القدم التي علمته روح المنافسة النبيلة، كان يراوغ والابتسامة على شفتيه، والعهدة على الراوي، وحين يسجل الهدف، كان يهنىء الزملاء... لا للأنانية، ولا لتضخيم الذات، ونعم للفخر والاعتزاز بالنفس. واثق الخطوة كان يمشي خلال مهرجان مراكش الدولي بدون عدة ولا هم يحزنون، طويل القامة يمشي بجانب الفنانين العالميين الكبار موضحا وجهة نظره ومبديا رأيه بلغة فرنسية تحترم القواعد والقوافي والدلالات واللعب بالالفاظ. طفلا صغير بكى أمام الجنبات المملوءة من الجمهور حين تم تكريمه بمهرجان اسفي.. طفلا صغيرا سالت الدموع من عينيه حين اهتزت العاصمة الاقتصادية ذات مساء شهر ماي المشؤوم. كنت بجانبه صباح المسيرة لقول «لا».. لن يسمح المغرب بهذا ولن يتسامح، وعلى الوطن السلام. حسن مسار فني بامتياز، ولا مجال هنا لسرد تجربته الطويلة والمتعددة، فهذا يستدعي مؤلفا ذا طبعة أنيقة من الحجم المتوسط، وعلى الغلاف الصورة بالطربوش الاحمر، والجلباب الابيض. ومن الاشياء التي علمتني يا حسن ، هي ان أقف في الضوء الاحمر، ولو كان الشاعر فارغا الا من قط صغير، وعلمتني ان أدافع عن الافكار التي أؤمن بها دون أن أصادر حق الآخرين في التعبير عما يخالجهم. فيا حسن، نحبك حبين: حب المسرح والسينما والشعر، وحبا لأنك أهل لذاك.