احتفاء بجزء من ذاكرتنا الثقافية المشتركة ، واستحضارا لعطاءات مبدعينا وإسهامهم في إثراء رصيدنا الابداعي الوطني والعربي ، نستعيد ، في هذه الزاوية ، أسماء مغربية رحلت عنا ماديا وجسديا ، لكنها لاتزال تترسخ بيننا كعنوان للإبداعية المغربية ، وللكتابة والفن المفتوحين على الحياة والمستقبل. 48 سنة هي المسافة التي قضاها الفقيد عبد الصمد الكنفاوي منذ أن رأى نور الحياة إلى أن ودعنا. ماذا يا ترى يتبقى لنا إذا طرحنا من هذه المسافة سنوات الطفولة وبداية الشباب؟ إذن، تبقى لدينا سنوات معدودة تظل شاهدة على أن صاحبنا امتاز بامتلاك هذا الحدس غير المشاع بين بني البشر والذي يدفع بصاحبه الى مسابقة الموت بغزارة الإنتاج وتعدد الأنشطة وكثرة الأسفار لا بقصد المتعة ولكن إما إرضاء لحب المعرفة والاستطلاع أو للقيام بمهام رسمية أو شعبية. وفي ما يرجع لهذه النقطة الأخيرة يجب التنويه بكون عبد الصمد انحاز الى الطبقات الكادحة الى حد الشغف، تدل على ذلك أعماله المسرحية التي استنبط منها شخصيته التي أسماها «بوكتف» وأصبحت محور الرسومات الكاريكاتورية التي كانت تصدر في بداية الستينيات من صحف الاتحاد وعرفت صدى شعبيا واسعا. لا يمكن في هذه العجالة الإلمام حتى بجانب واحد من جوانب الكنفاوي المتعددة، فهناك الفنان والأديب والمسرحي والديبلوماسي والعمالي النقابي والصحافي... وماذا نريد أكثر من ذلك؟ إننا نريد عبد الصمد الإنسان، ذلك سر مفاتيحه عند زوجته الوفية دانيال التي ظلت ترعى ذكراه بعد وفاته وتحافظ على تراثه كالأم الرؤوم الى أن استطاعت مؤخرا أن تنجز وتطبع المجموعة الكاملة لآثار وأعمال فقيدنا العزيز. ومما حرص عليه بقصد إنجاز مشاريعه المتعددة ضبطه للوقت الى بعيد وهي ميزة نفتقدها في مجتمعنا. فكما أن هناك إهدارا للمال العام، هناك أيضا إهدارا للوقت الخاص والعام. وبالمناسبة تحضرني دائما حادثة تؤكد ما سبق، في بداية السبعينيات وفي أجواء بزوغ «الكتلة الوطنية» حل شهر رمضان، فقر الرأي على تنظيم أحاديث وأمسيات ذات طابع سياسي وفكري واقتصادي وثقافي وفني يجمع بينها محور: إلى أين يسير المغرب؟«. خلال أنشطة هذا الشهر الذي احتضنتها «دار الاتحادى» بالمدينة القديمة في الدارالبيضاء تحدث للجمهور كل من علال الفاسي، عبد الله ابراهيم، عبد الرحيم بوعبيد، المحجوب بن الصديق، عبد الكريم غلاب، محمد الحبابي، عباس الجراري، ادريس الملياني، بنعمور... وفي الأمسية التي خصصت لموضوع: «من قضايا المسرح المغربي» والتي سيلقي فيها عبد الصمد العرض الرئيس قبل المناقشات العامة، جاء قبل الموعد المحدد بحوالي ربع ساعة وارتكن جانبا بجلبابه الأسود الشهير، وما أن كانت الساعة التاسعة بالضبط حتى ارتقى المنصة وبدأ في إلقاء عرض دون تقديم ودون انتظار بعض الوقت، كما جرت العادة ومازالت. لقد كان رحمه الله دقيقا في حساب الوقت وبذلك انتصر في سباقه ضد الموت. هذه الزاوية يعدها الزميل حسن نرايس