تؤكد وقائع التاريخ أن كل قضايا الصراع التي شهدها العالم منذ أكثر من ألف سنة، تم وضع نهاية لها عبر المفاوضات. إذ لم يعد مقبولا أن تنتهي الصراعات بسحق أحد الطرفين المتصارعين، فحتى في حالة استسلام أحد الطرفين تعقد مفاوضات للتوصل إلى شروط الاستسلام على الأقل. ولا تأتي الأطراف دائما إلى طاولة المفاوضات بمحض إرادتها، فكثيرا ما تأتي الأطراف الضعيفة إلى المفاوضات مرغمة، حتى لا يقال أن الطرف الأقوى فرض إرادته بالقوة على الطرف الضعيف، فيتم إحضار الأطراف الضعيفة وإجلاسهم مع الأقوياء المنتصرين على نفس طاولة المفاوضات، ويتم أخذ الصور لهم وهم يتصافحون ويبتسمون أو على الأقل لا يبدون منزعجين. ولكن هذا لا يعني أن المفاوضات تنتهي بحلول منصفة، إذ تكون كفة الطرف الأقوى عسكريا هي الراجحة، ويدفع الطرف الضعيف ثمن ضعفه. وحتى عندما يكون المفاوض باسم الطرف الأضعف ماهرا ومحنكا، فإنه على الأكثر يستطيع الخروج بما يطلق عليه مراضاة وجبرا للخواطر (أقل الخسائر ). وإذا أردنا أن نطبق هذا الجانب النظري على الصراع العربي الصهيوني، نتوقف عند ما يبدو ظاهريا لعموم الناس، حيث يبدو أن هناك فريقين عربيين أحدهما راديكالي متشدد يرفض الرضوخ للإرادة الصهيونية الأمريكية ويلوح باستخدام القوة لإسترداد حقوقه وأراضيه (عندما يحقق التوازن العسكري مع العدو كما يقول ). ولدي قناعة كاملة بأن هذا الفريق لا يريد استخدام القوة العسكرية مهما حدث، وقد أكدت الأحداث والوقائع صحة هذه القناعة . والفريق الآخر يظهرمتهالكا لم تعد قدماه تحملانه وأصبح يسعى للتفاوض بأي ثمن، بسبب إصراره على رفض استخدام القوة العسكرية، حيث يرى أن العدو هو الأقوى في الساحة العسكرية والأقدر على كسب الصراع، إذا تحول إلى صراع مسلح. ولدي قناعة بأن هذا الفريق يسلك سلوكا خاطئا ولا يمكن أن يحقق حتى الأهداف المتواضعة، لأن التفاوض بدون قوة في ساحة الميدان تسنده، عبث وإضاعة للوقت لا يستفيد منها إلا العدو. لقد دفعني إلى قول ما قلت ثلاثة أخبار تناقلتها وسائل الإعلام في يوم واحد هو يوم 5 يوليوز 2010 . أولهما خرج من العاصمة الإسبانية مدريد، والثاني والثالث خرجا من العاصمة السورية دمشق. فقد نقلت وكالة أنباء رويترز عن الرئيس السوري بشار الأسد قوله في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع رئيس الوزراء الأسباني خوسي لويس ثاباتيرو (أن قطع العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وإسرائيل سيزيد من زعزعة استقرار المنطقة، وأن تركيا لاعب رئيسي وأن قطع العلاقات بينها وبين إسرائيل خسارة للوساطة من أجل السلام في المنطقة). وبعد لقائه مع إيهود باراك / وزير الدفاع الإسرائيلي فال سلام فياض رئيس وزراء السلطة الوطنية الفلسطينية بحثت مع باراك في رفع الحصار وفتح المعابر وتوسيع نفوذ السلطة الفلسطينية والإفراج عن أسرى قدامى ). وردا على ذلك قال السيد فوزي برهوم الناطق باسم حركة حماس ( إن اللقاء امني تآمري خطير يستهدف تصفية المقاومة وإضفاء الشرعية على التهويد والاستيطان والاقتلاع وطرد المقدسيين والفلسطينيين من أرضهم. كما أصدر المكتب الإعلامي لحركة الجهاد الإسلامي بيانا جاء فيه (إن الحديث عن بحث موضوع الحصار على غزة هو تضليل محض لأن من ارتكب جريمة القرصنة بحق المتضامنين على متن أسطول الحرية لا يمكن أن يرفع الحصار عن غزة ، وهذا اللقاء ليس أكثر من تجميل للقاتل باراك وغسل يديه من جرائمه بحق أبناء الشعب الفلسطيني) . مع تقديري لدوافع ما جاء على لسان الرئيس بشار الأسد فإنني أختلف معه. 1- لأنني أتفق مع ما جاء في بيان حركة الجهاد الإسلامي من أن من ارتكب جريمة القرصنة بحق المتضامنين لا يمكن أن يرفع الحصار عن غزة، 2- لقناعتي أن المشكل هو وجود الكيان الصهيوني نفسه وليس قطع علاقات تركيا مع هذا الكيان، مع العلم أن السيد طيب رجب أردوغان رئيس الوزراء التركي صرح قبل بضعة أيام بأن علاقات بلاده مع اسرائيل علاقات استراتيجية وغير قابلة للنقاش، 3 - لما علمناه مؤخرا عبر وسائل الإعلام المختلفة بأن اسرائيل رفضت الإعتذار لتركيا عما فعلته بقتل مواطنيها المدنيين العزل في عرض المياه الدولية جتى ولو كان ثمن ذلك قطع العلاقات التركية الإسرائيلية، 4 - لتأكدي بأن أية علاقة مع الكيان الصهيوني المحكوم بالجنرالات والحاخامات لن تكون إلا على حساب الشعب الفلسطيني وكل المنطقة، 5 - لأنه إذا كانت القضية الفلسطينية فعلا هي قضية كل المسلمين، فإن من المفروض أن تكون العلاقات بين تركيا ودولة الكيان الصهيوني العنصرية الإرهابية المحتلة لإرض الإسراء والمعراج وبلاد أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، علاقة عدائية أو على الأقل غير ودية. 6 - وأخيرا لعلمي أن كل الدول العربية توجد فيها منظمات شعبية لمناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وأن سهام نقدها وهجومها موجهة إلى الدول التي تقيم علاقات أو تريد إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني. فكيف نقول لدولة تقيم علاقات مع هذا الكيان: لانريدك أن تقطعي علاقتك باسرائيل ؟؟؟ وصحيح أيضا أنني ورغم رفضي للألفاظ التي صيغت بها تصريحات الناطق باسم حركة حماس وبيان حركة الجهاد الإسلامي . . أتفق إلى حد كبير مع فحوى هذه التصريحات لأنني أرى أن التفاوض مع الكيان الصهيوني بالصيغة التي تتم بها أو يراد لها أن تتم بها، عبث وإضاعة للوقت. وقد جاءت تصريحات كل من الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو أثناء زيارة هذا الأخير للولايات المتحدةالأمريكية، والتي أعطت لإسرائيل حق فعل كل شيء (حفاظا على أمنها ) وطالبت الطرف الفلسطيني بالقبول أو على الأصح الرضوخ للشروط الإسرائيلية . وإذا أردت أن أنظر إلى الأمور كما ينظر الكثيرون من المسؤولين في وطننا العربي على قاعدة ( كل واحد يقلع شوكه بيديه) وتقديم المصالح القطرية على القومية، فإنني لن أعقب على ما جاء على لسان الرئيس السوري بشار الأسد، بل سأتوجه إلى من يقدمون أنفسهم للرأي العام العربي والإسلامي على أنهم حاملو وأصحاب (خيار المقاومة) وأقول لهم : إن تسمية ( الإسلامي ) تستوجب أن يفعل المسلم بقول نبينا عليه الصلاة والسلام (إن أعظم الجهاد عند الله كلمة حق عند سلطا ن جائر )،، وإن صفة (المقاومة) تقتضي الشجاعة والإستعداد لدفع ثمن حمل هذا اللقب اقتداء بمن سبقونا على درب الشهادة وهم يرددون (نموت واقفين ولن نركع)، أو كما قال شاعرنا الكبير معين بسيسو (الأشجار تموت واقفة) . وأخيرا أقول لهؤلاء الأخوة: كيف تعتبرون ما يقوم به الأخ الرئيس أبو مازن أو رئيس وزرائه سلام فياض خيانة، وإذا قام به رئيس النظام الذي تحتويكم عاصمته تصبحون عميا صما بكما ؟؟؟ وينطبق عليكم ما قاله شاعر عربي قديم ( في فمي ماء وهل ينطق من في فيه ماء؟) عضو المجلس الوطني الفلسطيني