12-2009- من المتوقع أن يبت وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، مطلع الأسبوع المقبل، خلال جلسة تخصص لبحث عملية السلام في الشرق الأوسط، في مشروع قرار تقدمت به السويد يعترف صراحة، حسب تسريبات إعلامية، بالقدسالشرقية كجزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة وعاصمة للدولة الفلسطينية المقبلة. وستضع القارة العجوز، في حال صوت أعضاء الاتحاد لصالح القرار بصيغته الأصلية، اللبنة الأولى في بناء أوروبا، كفاعل دولي مستقل في الملف، قادر على التحرك في اتجاهات ليست هي بالضرورة تلك التي تختارها واشنطن، وذلك لأول مرة تقريبا منذ الحرب العالمية الثانية.
ومن المفارقة أن الخارجية الإسرائيلية أكدت، في أول رد فعل بعد الكشف عن مشروع القرار السويدي، على أن هذه الخطوة ستحرم الاتحاد الأوروبي من لعب دور في العملية السلمية في الشرق الأوسط.
فكل المتتبعين لتطورات الملف الفلسطيني منذ سنة 1967 على الأقل، يجمعون على أن التبعية الأوروبية للرؤية الأمريكية للصراع في المنطقة، حولت الاتحاد إلى مجرد خزينة مالية لتنفيذ مبادرات الغير.
فبالرغم من أن الاتحاد الأوروبي يعتبر الداعم الأول ماليا للسلطة الفلسطينية، وشريكا تجاريا مهما لإسرائيل نفسها، ولعدد من البلدان الرئيسية في المنطقة، إلا أنه ظل بعيدا عن التأثير ولو في الحد الأدنى على مجريات الصراع والمبادرات العديدة التي طرحت لتسويته.
فحتى اتفاقية أسلو التي تم التوصل إليها في مفاوضات سرية ببلد أوروبي، لم يجد الفرقاء بدا من التوقيع عليها في واشنطن وليس بروكسيل، من أجل إعطائها أكبر قدر من الزخم السياسي.
والمأزق الحالي الذي تعرفه عملية السلام، خصوصا مع التبدد التدريجي للآمال التي عقدت على الإدارة الأمريكيةالجديدة في تقديم رؤية بديلة للتسوية، تقوم على ممارسة ضغوط كافية على إسرائيل لتحقيق رؤية الدولتين، يفتح الباب أمام الاتحاد للتقدم كفاعل مؤثر في ملف الشرق الأوسط.
غير أن الوضع في المنطقة، والذي وصل إلى أفق مسدود، يفرض أن يقدم أي فاعل جديد ضمانات بالوقوف على مسافة كافية من الطروحات الإسرائيلية، أي على أرضية مختلفة عن تلك التي انطلقت منها "الوساطة" الأمريكية.
لقد وضعت إسرائيل بتعنتها وسياسة فرض الأمر الواقع التي تنهجها وتسريعها لوتيرة الاستيطان في الضفة الغربية، وخصوصا في القدسالمحتلة، حتى أكثر العرب والفلسطينيين "اعتدالا" في موقف يصبح معه تقديم أي تنازل إضافي بمثابة انتحار سياسي، وإنهاء فعلي لأي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية.
ومع فشل آخر المحاولات الإسرائيلية لجر السلطة الفلسطينية إلى طاولة المفاوضات، من خلال تلويح رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني بنيامين نتنياهو بإمكانية وقف الاستيطان في الضفة الغربية باستثناء القدس، بدا واضحا أن نجاح أي مبادرة جديدة للتسوية، رهين بتوفر مطلقها على حد أدنى من المصداقية، وبانكبابها مباشرة على القضايا النهائية، وهي القضايا الرئيسية للصراع وعلى رأسها القدس.
وسيشكل مشروع القرار السويدي، في حال المصادقة عليه دون تعديل في بروكسيل، الخطوة الأولى التي تؤهل الاتحاد الأوروبي للعب هذا الدور في الشرق الأوسط، ليس فقط لأنه سيكون أقرب إلى ما نصت عليه كل قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالموضوع، بل لإن مثل هذا القرار سيجعل الأطراف المؤثرة في المنطقة، بما فيها إسرائيل نفسها، تنظر لبروكسيل باعتبارها فاعلا مستقلا، له منطلقاته الخاصة وليس مجرد طرف مكمل.
كما أن هذا القرار في حال اتخاذه، لن يكون قرارا سياسيا فوقيا، بل سيكون مجرد بداية انصياع للموقف الشعبي الأوروبي، حيث سبق أن أسفر استطلاع للرأي أعلنت المفوضية الأوروبية عن نتائجه سنة 2003، عن أن 59 في المائة من الأوروبيين يشعرون بأن إسرائيل تمثل أكثر الدول خطرا على السلام العالمي.
وقد يجعل مشروع القرار السويدي، في حال تحول إلى قرار أوروبي، الرئيس الأمريكي أوباما نفسه، أكثر قدرة على لملمة ثوابت السياسية الأمريكية في المنطقة، خصوصا وأنه سيتزامن مع ارتفاع أصوات داخل الولاياتالمتحدة، تؤكد على أن تسوية الصراع في الشرق الأوسط، مصلحة أمريكية ملحة بالنظر لتشابك ملفات المنطقة من أفغانستان إلى العراق، مرورا بالملف النووي الإيراني.
ومع أن تبني الاتحاد الأوروبي للمشروع السويدي بشكله الحالي، يظل مجرد احتمال بسيط من بين احتمالات أخرى، إلا أن مجرد طرح مشروع من هذا النوع، يشكل دليلا على أنه بإمكان الجانب الفلسطيني والعربي، الرهان خارجيا على تطوير موقف أكثر من قوة دولية في إدارة الصراع مع إسرائيل، خصوصا إذا تمسك العرب بعدم الدخول في مفاوضات بدون مضمون ولا أفق محدد، وعدم الغرق مجددا في المؤقت وتفاصيله.
وحتى في حال عدم المصادقة على مشروع القرار السويدي، أو إفراغه من مضمونه، كما تشير أغلب التوقعات، فإن المواقف التي سيتم التعبير عنها خلال الانكباب على دراسته والتصويت عليه، ستمكن على الأقل من توضيح مواقف العديد من الدول الأوروبية، التي ظلت لحد الآن تتبنى خطابا غامضا ومزدوجا أحيانا، مستغلة في ذلك استحواذ واشنطن على خيوط الحرب والسلم في المنطقة.