مواكبة منا للمستجدات التي أتى بها برنامج المخطط الاستعجالي خصوصا على المستوى البيداغوجي والديداكتيكي، نعرض على القراء والمهتمين بالشأن التربوي والتكويني ملخص ترجمة و بتصرف لموضوع التقويم من منظور بيداغوجية الإدماج لكزافيي روجيرز مند سنين عديدة، انخرطت المنظومات التربوية بشمال إفريقيا في تحولات عميقة في أفق الرفع من فاعلية التربية و التكوين، و محاولة التجاوب مع تحديات المجتمع المعاصر. و لهذه الضرورة تم فتح ورشين كبيرين في تجارب بعض الدول التي انخرطت في الإصلاح [ الجزائر و المغرب نموذجين]: 1. ورش البرامج المدرسية التي أعيد بناؤها حسب بيداغوجية الكفايات، 2. ورش المقررات الدراسية التي تعتبر المفتاح الأساسي لتعميم كل إصلاح في بلد جد شاسع و متنوع و غني بموارده الطبيعية و البشرية. و منذ سنتين ، و بدعم من LE BIEF و منظمة اليونيسكو ( المنظمة الأممية للتربية و العلوم و الثقافة) لبعض الدول التي انخرطت في الإصلاحات التربوية التكوينية الجديدة[ المغرب نموذجا 2009 2012] برزت مجموعة من الحقائق نبرزها في التساؤلات التالية: ·هل بالإمكان تعديل المقررات المدرسية؟ · هل يمكن الالتزام بإصلاح البرامج بشكل قبلي أو موازي، مع القيام بتقويم مسبق لمكتسبات المتعلمين؟ · وإذا ما وضعت البرامج و المقررات المدرسية نصب أعينها تنمية الكفايات لدى المتعلمين، فهل يبدو منطقيا و واقعيا العمل على تقويم الكفايات المكتسبة لديهم؟. ·و إذا كان كذلك فكيف يمكن تقويمها؟. هذه الأسئلة كانت بدون جدوى قبل خمس أو عشر سنة، حيت كان الجميع مقتنعا بوجود طريقة واحدة لتقويم المتعلمين: و ذلك عبر طرح سلسة من الأسئلة في كل مادة مقررة. و اليوم لا حديث إلا عن تحدي جديد يتعلق بالبحث عن طريقة ناجعة لتقويم المتعلمين أسوة بدول أخرى في العالم ممن قطعوا أشواطا مهمة في تعديل منظومات التقويم البيداغوجي. 1. ما هي أضرار حالات النجاح التعسفي و حالات الفشل التعسفي على المنظومات التربوية التكوينية؟. إن نتائج أو تبعات أعمال من هذا النوع باتت أكثر كارثية، و يمكن فحصها على مستويات متعددة: مثل مستوى التعلمي للمتعلمين الذي انحط بشكل ملحوظ، و خلق لدى هؤلاء شعورا بالظلم و الغبن أثناء الاطلاع على نتائج تقويم أعمالهم، خصوصا عندما يشعرون بعدم إنصافهم من طرف المدرسين. و مثل هذا الوضع يتطلب منا الوقوف على نتيجتين أساسيتين لهما علاقة بالمنظومة التربوية التكوينية داخل المجتمعات التي تنتمي لدول شمال إفريقيا: النتيجة الأولى يمكن حصرها على المدى القريب، و تتمثل في سقوط المدرسين في مقولة النجاح التعسفي و الفشل التعسفي، بمعنى آخر ، متعلمون مُمَدرسون يجيدون الإجابة عن الأسئلة المعروضة عليهم [ أي تمت مدرسة فكرهم بطريقة كلاسيكية و نمطية] ،لكن غير أكفاء من حيث نوعية الإنتاج الأصيل المطلوب منهم إنجازه، بحيث ينتقلون إلى المستوى الأعلى دونما تمحيص و تدقيق في إمكانياتهم و مواردهم المعرفية المكتسبة، لا لشيء إلا لكونهم استطاعوا أن يحصلوا على تقديرات كمية مقبولة: و نسمي هذا النوع بالنجاح التعسفي. وفي المقابل، متعلمون أكفاء لكن أقل تحصيلا من حيث عتبة النجاح المحددة من طرف المدرسين، و بالتالي لا يسمح لهم بالانتقال إلى المستوى الأعلى، فيتعرضون لتكرار القسم رغم امتلاكهم لمكتسبات تسمح لهم بمتابعة دراستهم العليا؛ و يدخل هذا النوع ضمن نطاق ما نسميه بالفشل التعسفي. و في كلتا الحالتين يشكل هذا الاختيار خطرا حقيقيا على المنظومة التربوية و التكوينية. و مرد ذلك في تصورنا البيداغوجي، إلى الخلط الكبير الموجود في ذهنية سلطة القرار البيداغوجي[ وزارة، نواب مفتشون و مدرسون]، حيث يدفعهم ذلك إلى تفسير عدم تجانس الأقسام من الناحية المعرفية و السوسيووجدانية و المهارية، تفسيرا اعتباطيا لا يرقي للمستوى التقويمي الاشهادي المتعارف عليه من الناحية الديداكتيكية، و هو أحد العوامل الأساسية التي تقبر و تنسف عمل المدرسين. مما جعل المدرسة تعاني من أمراض انعكست بشكل سلبي على مستقبلها كما هو ملاحظ حاليا. النتيجة الثانية ويمكن حصرها على المدى البعيد، وتصنف ضمن سياق ما يسمى بالأمية الوظيفية: إذ يتعلق الآمر بعينة من المتعلمين قضوا زهاء سبع سنوات او أكثر بالنظام التربوي التكويني، ثم يجدون أنفسهم غير قادرين على مواجهة وضعيات مشكل بعد مغادرتهم للمؤسسة المدرسية، مما يعني أنهم غير مؤهلين من الناحية المعرفية و العلمية و المهارية لاستغلال و استثمار ما اكتسبوه بداخلها. و تلك قضية سوسيولوجية تبرز لنا القطيعة الموجودة بين مدخلات المؤسسة المدرسية و مخرجاتها. و هذا المأزق البيداغوجي هو المبرر الموضوعي للمطالبة بتطبيق بيداغوجية الإدماج التي تشكل موضوعنا المركزي في هذه الورقة. 1. 2 بيداغوجيا الإدماج و تقويم الكفايات: لننطلق من التساؤل التالي: كيف يمكن لبيداغوجية الإدماج أن تعالج هذا النقص و هذا الانزياح الوظيفي الذي له انعكاسات سلبية على المجتمع و على منظومته التربوية التكوينية؟. لحل هذا المشكل في تصورنا الجديد وجب على المدرسين إخضاع المتعلمين و بكيفية منتظمة لوضعيات مشكلة مركبة، و التي من خلالها يستطيعون تعبئة معارفهم، و معارف العمل، و معارف الكينونة التي اكتسبوها في المدرسة قصد إيجاد حلول لها كتعبير عن كفايتهم. و اكتساب هده الكفاية من الناحية الاشهادية مرتبط أساسا باختيارات المدرس و بنوعية المقاربات البيداغوجية التي يعتمدها مع جماعة الفصل، سواء أكانت مقاربة فردانية ترمي إلى جعل كل متعلم يتعلم كيف يشغل معارفه و كيف يشتغل بمفرده أثناء مواجهة وضعية مشكل مركبة، ضمانا لكفاءته الذاتية؛ أو مقاربة ورشية تثمن العمل الجماعي و التشاركي الذي يجب أن يتعود عليه المتعلمون، و المبرمج ضمن سياق الأهداف التعلمية المنطلق منها في الدرس. من هنا يمكننا طرح سؤال مهم له علاقة بوضعية التقويم المشار إليها في عنوان هذه الورقة: هل بالإمكان تقويم كفاية المتعلمين داخل المؤسسة المدرسية؟ قد تبدو الإجابة عن هذا السؤال سهلة و هينة و ذلك عبر لجوء المدرسين إلى وضع لائحة من الأسئلة رَهْن إشارة المتعلمين حول معارف ( تعتمد على الاسترجاع و الاستظهار)، و معارف العمل (في شكل تطبيقات و تمارين جزئية)، لكن انطلاقا من هذه الوضعية هل بإمكاننا تقويم كفايتهم المدرسية و الحياتية الحقيقية؟ الجواب بالإيجاب قد يكون واردا، و لكن في ظل توفير ظروف و شروط بيداغوجية موضوعية، نجملها كالتالي: 1. يجب أن تكون الكفايات المسطرة من طرف المدرس واضحة و جلية و قابلة للتقويم. لنقدم مثالا في الموضوع من اجل التوضيح: أن يعمد المدرس على صياغة كفاية أساس لها ارتباط بموضوع “احترام البيئة”، فهذا النموذج من الكفايات لا يمكن أن يعزى لوضعية التقويم إلا إذا كان المدرس قادراً على تتبع ردود أفعال كل متعلم في الوضعيات المعيشية أي خارج أسوار المؤسسة المدرسية. غير أن المدرسة الحالية غير قادرة للأسف على أن تسمح لنفسها و لزبنائها بالقيام بذلك؛ و لا يبدو الأمر ممكنا [ أمام إكراهات الاكتظاظ التي تعرفه المدارس العربية و الإفريقية]، إلا إذا كانت الأقسام تحتوي على أعداد قليلة (من 10 إلى 15 متعلما). و لتجاوز هذا العائق البيداغوجي وجب علينا صياغة الكفاية بشكل أكثر دقة و أقل عمومية، و كمثال لذلك: “الانطلاق من وضعية مشكل مركبة، مرتبطة باحترام البيئة، مع مطالبة المتعلمين بتحليل أسباب ذلك، و مطالبتهم باقتراح حلول لمعالجتها، معتمدين في ذلك على مفاهيم و معارف مقررة في البرنامج الدراسي “. كما أن مكونات الكفاية الأساس يجب أن تكون في نفس الوقت مركبة من حيث الصياغة، ( مما يفرض على المتعلم معالجة هذا التركيب دون اختصاره او تجزيئه، و ذلك بإدماج و تعبئة كل المعارف و معارف العمل و معارف الكينونة، لإنتاج عمل أصيل)، و مشخصة، و قابلة للتقويم. 2. يجب أن يكون عدد الكفايات محدوداً: واحدة أو اثنان كفايات على الأكثر في كل مادة سنويا[ مثل ما هو معمول به في دلائل الإدماج المنجزة من طرف الوزارة الوصية على التربية و التكوين] فالرفع من عدد الكفايات يُعَدُّ في تقديراتنا البيداغوجية خطأ كبيرا: تجليات ذلك تكمن في كونها تختصر التركيب المستهدف، عن طريق تقطيع المحتويات و تجزيئها، و اقتصارها على تقويم معرفة العمل أكثر من تقويم الكفاية الأساس النهائية.[لأن التعلم الإدماجي يقوم على مبدأ أن الكل ليس مجموع الأجزاء]. 3. أن تكون اختبارات التقويم نفسها مكونة من وضيعات مشكل مركبة كشاهد على الكفاية التي تم تحديدها، و في الغالب كثيرا ما تكون التطبيقات المقترحة مبدعة و خلاقة، و مؤسسة على طرائق نشيطة، إلا ما يلاحظ على المدرسين هو اقتصارهم على التقويمات التقليدية ذات الصبغة الاستظهارية، لأنهم لا يعرفون كيف يعملون بطريقة مغايرة أثناء تقويم نتائج المتعلمين، مما يجعل الفائدة محدودة من الناحية البيداغوجية، خصوصا إذا علمنا بأن المتعلمين و المدرسين سواء، يكيفون سلوكاتهم بنسبة كبيرة حسب نوع التقويم المعتمد. لأن الوضعيات الممثلة للمتعلم ليست وضعيات طبيعية، و لا وضعيات معاشة، بالرغم من أنها تقترب من الوضعيات الحقيقية، كمثال على ذلك: صياغة وضعية مركبة تعتمد على بعض الوثائق الصامتة (صور، نصوص، خطاطات...) حيث يطلب من المتعلم معالجتها أثناء وضعية التقويم. 4. يجب أن تكون اختبارات التقويم التي نمارسها على الكفاية عادلة و منصفة لنتائجهم؛ كمثال على ذلك: إذا ما اقترحنا على المتعلم سوى فرصة واحدة للتحقق من تمكنه للكفاية، فمثل هذا الاختيار لا نستطيع من خلاله معرفة درجة إتقانه لها. هذه هي المبادئ التي ترتكز عليها بيداغوجيا الإدماج أو ما يسمى بالمقاربة بالكفايات الأساس . “