في شان اليوم الدراسي الوطني لوضعية البحث التربوي بالمغرب و رهانات المخطط الاستعجالي للوزارة الوصية على التعليم. المنظم يوم 27 فبراير 2008 بالمركز التربوي الجهوي محمد الخامس بأسفي خلال مسارنا التكويني بمراكز تكوين الأطر التابعة للوزارة الوصية على التعليم سواء بالتعليم الابتدائي أو الثانوي الإعدادي، و منذ الثمانينات من القرن الماضي، سبق لنا أن نبهنا المسؤولين عن هذا القطاع الحيوي، بان المشاريع التعليمية التعلمية لا يمكنها أن تستقيم إلا باعتمادها نتائج البحث التربوي بمختلف تجلياته. حجتنا في ذلك قائمة أولا على ضرورة اعتماد العقلانية النقدية في النظر للوضعيات البيداغوجية و الديداكتيكية المؤسسة على اختيارات علمية نابعة من صلب واقعنا و ليس عبر الترجمة الحرفية لواقع الغير في ثوابته و مقتضياته البشرية و الثقافية و الاقتصادية التي تزيح عن البيئة المحلية لأطفالنا و يافعينا و شبابنا؛ ثانيا على المطالبة بدعم المشاريع التربوية العلمية التي تتخذ من الواقع المغربي في تجانسه و مفارقاته الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية مجالا امبيريقيا للبحث و التنقيب عن المتغيرات التابعة و المستقلة التي تميزه، في أفق رسم إستراتيجية تربوية و تكوينية تستجيب لقوماتنا الفكرية و الاجتماعية و القيمية، و تُمأسس اشتغالاتنا و اختياراتنا البيداغوجية و الديداكتيكية التي تفرضها منظومة التربية و التكوين بواقع مدارسنا. لقد علمتنا تجارب الشعوب بأننا مطالبون بإعادة النظر في مناهجنا و برامجنا التربوية و اختياراتنا التكوينية كلما استطاع البحث العلمي التربوي أن يقدم لنا نتائج جديدة حول الخصائص النفسية و العقلية للإنسان، و نوع الطرائق البيداغوجية اللائقة لتعلماته، و طبيعة المعرفة التي تستجيب للتحولات العالمية سواء على المستوى التقاني أو على مستوى الكفايات الأساسية ذات البعد الإدماجي التي تخول للمتعلمين تشفير تضاريس بيئتهم المحلية، و ليس من منطلق رد فعل سياسي ظرفي نابع من توصية خارجية غريبة عن هويتنا الوطنية كإجراء للتعديل. و لعل المعاهد و خلايا البحث البيداغوجي و الديداكتيكي التي أنشأتها الدول المتقدمة، و سهرت على تقنين أهدافها و مقاصدها [ مثل INRP – IR M. و غيرهم] ، تزكي منطلقنا هذا في الدعوة إلى الاحتكام أثناء بلورة مشاريع تعليمية لنتائج البحث العلمي التربوي الذي تشرف عليه مثل هذه الفرق البيداغوجية و الديداكتيكية، و التي يجب تأصيلها و مأسستها في واقعنا التربوي على غرار الدول الحداثية . و نعتقد بأن التوصيات التي أسفر عنها مؤتمر اليابان حول "البحث التربوي و اتخاذ القرار لسنة 1995" تزكي هذا المنطلق من حيث جعل البحث التربوي بالفعل قاطرة للتنمية البشرية، و سلطة قرارية لمراجعة المناهج و البرامج الدراسية المقررة في مختلف الأسلاك التربوية التكوينية، اعتبارا لأدواره الطلائعية و المبحثية في تشخيص الظواهر و المشكلات النفسية الاجتماعية التي يعاني منها الأطفال و الشباب بمختلف أجناسهم و انتماءاتهم الثقافية و الاقتصادية و الاجتماعية. لنواصل النقاش في هذه القضية: إننا بالنظر للتراكمات المبحثية التي أنجزت أكاديميا سواء داخل الجامعات أو المعاهد العلمية المغربية، حسب حقول اختصاصية متعددة و مختلفة، ظلت مع كامل الأسف قابعة في الرفوف، و محاطة بسياجات و قرارات سوء التوظيف المحكم لمقتضايتها النظرية و الإجرائية من طرف سلطة القرار داخل المجتمع؛ لا لشيء سوى تمثل هذه الأبحاث كمشاغل ذاتية للحصول على مركز اجتماعي بالنسبة لأصحابها، و ليس كأدوات تشخيصية و علاجية للوضع التربوي القائم في صلب منظومة التربية و التكوين. من هنا يبرز لنا سوء التوظيف لمثل هذه الدراسات في تأطير الممارسة البيداغوجية و الديداكتيكية من طرف الفاعلين التعليميين و الاحتكام لها كنتائج علمية، الشيء الذي انعكس بشكل سلبي على نتائج أبنائنا و شبابنا كما هو مصرح به في تقرير المجلس الأعلى للتعليم. إن مرتكزاتنا في الدعوة إلى تأصيل البحث التربوي كمؤشر محوري للنهوض بجودة التربية و التكوين – كما سبق أن نبهنا إلى ذلك - نابعة أساسا من مجموعة من الملاحظات المنظمة التي سجلناها في هذا الإطار خلال تجاربنا التكوينية: يمكن عرض بعض في مظاهرها في النقطتين التاليتن: إن وضعية تكوين أطر التربية و التكوين، كعملية تستهدف اكتساب الطالب الأستاذ كفايات المهننة، تزاوج بين المعرفة النظرية و بين معرفة للعمل خلال مدة التكوين الأساسي و المستمر؛ تطغى عليها التنظيرات الوهمية العمياء التي تتعالى في الغالب عن واقع التدريس بالمدرسة المغربية و خصوصيتها من الناحية المعرفية و النفسية الاجتماعية الخاصة بالفئات المستهدفة، و عن المشكلات الاجتماعية التي أصبحت تفرض نفسها و بحدة في فضاء مؤسساتنا التربوية التكوينية، تلك التنظيرات التي تفتقر لمقومات البحث التربوي و الديداكتيكي النابع من واقعنا الاجتماعي و الثقافي من جهة كمجال للدراسة و البحث العلمي، و عدم انطلاقها من مكون معرفة للعمل من جهة ثانية، كإجراء حرفي ممهنن، يقنن الممارسة البيداغوجية و و التخطيط الديداكتيكي للأنشطة التعليمية التعلمية، و التي من أهدافها الارتكاز و بشكل خاص على الكفايات الأساسية التي لها ارتباط بكفايات الحياة المهنية و الاجتماعية بمختلف مشاربها و امتداداتها و هو ما يحاول المخطط الاستعجالي تداركه في الآونة الأخيرة. لقد جرت العادة في أدبيات انتقاء المترشحين الجدد للمهام الإدارية على المستوى العالمي اعتماد مقاييس موضوعية للوقوف على الإمكانيات النفسية الاجتماعية للموارد البشرية المؤهلة لتحمل مسؤولية التسيير الإداري قبل إخضاعها للتكوين و تنصيبها للمهام الموكولة لها مستقبلا؛ و طبيعي أن مثل هذا الاختيار من الناحية المهنية من شانه أن يجنب المسؤولين عن القطاع التربوي التكويني من مصادفة بعض الحالات الشاذة التي لا تمتلك الكفايات الضرورية لتدبير الشأن الإداري بالشكل اللائق و الطبيعي البعيد عن الاستفزازات المفتعلة التي يمكن أن يعتمدها مثل هؤلاء الأشخاص لتعويض النقص الذاتي الذي يفترض أن يعانون منه في مثل هذه الوضعيات. إيمانا منا كمهتمين بقيمة الاستعداد النفسي الاجتماعي للمترشحين في مزاولة مهمة الإدارة التربوية داخل المدارس المغربية؛ و هي مهمة جد مركبة تفرض توفير كفايات بشرية لها من المعرفة و معرفة للعمل و معرفة للكينونة و مواقف ايجابية حيال المهنة المناطة بهم ما يجعلهم في مستوى تدبير السلوك المدني سواء بالنسبة للموارد البشرية الإدارية و التأطيرية و أيضا بالنسبة للمتعلمين في أفق تصحيح سلوكاتهم التي تزيغ عن ما هو مقبول مدرسيا و اجتماعيا. فعندما لا يحتكم في تعيين مثل هؤلاء على مقاييس سيكوحركية و اختبارات نفسية اسقاطية كمعيار موضوعي للحصول على المواصفات المرغوبة من طرف سلطة القرار التربوي داخل المجتمع المغربي، فمن شأن هذا القرار أن ينعكس بشكل سلبي على مردودية الإدارة التربوية، خصوصا عندما تسند الأمور لغير أصحابها.[ انظر في هذا السياق مقالنا التالي: حتى لا يتحول تكوين الأطر الإدارية التربوية إلى مهزلة، [موقع: أسفي اليوم SAFITODAY]. هذا المطلب الاستراتجي القائم على تأصيل البحث التربوي كمكون من مكونات التدبير المحكم لتكوين الموارد البشرية فطن له مؤخرا المخطط الاستعجالي للوزارة الوصية على التربية و التكوين و المعتمد حاليا كإجراء للتنفيذ و التطبيق بدءا من 2009 إلى 2012، عبر تنظيم يوم و طني خاص بوضعية البحث التربوي بالمغرب يوم 27 فيراير 2008 بالمركز التربوي الجهوي محمد الخامس بأسفي؛يبقى ان نتساءل عن رهانات المخطط الاستعجالي بالنسبة للبحث التربوي؟ و طبيعة الأهداف المرصودة له لتحقيق جودة التربية و التكوين؟ أولا على مستوى الأهداف المناطة بالحث التربوي تحقيقها على المدى القريب ، و التي حددها المخطط الاستعجالي كالتالي: الارتقاء بجودة التربية والتكوين من خلال البحث و التجديد التربوي؛إنعاش البحث والتجديد التربوي وتنمية قدرات الفاعلين التربويين على الصعيد الوطني؛تجميع ونشر وتعميم نتائج البحث والتجديد التربوي؛إرساء برامج لتمويل البحث التربوي مع التتبع والتقويم؛ ثانيا على مستوى العمليات التي تزمع الوزارة الوصية على التعليم اتخاذها كتدابير لتفعيل البحث التربوي: إحداث منظومة وطنية للتوثيق والإعلام التربوي؛ إحداث شبكات فرق البحث التربوي على الصعيد الوطني؛[ انظر في هذا السياق كتابنا: المدرسة المغربية و رهانات الحراك المعرفي: محور مشروع المؤسسة.....] إعداد دليل محين لفرق البحث التربوي؛ ربط شراكات مع القطاع الخاص للنهوض بمجال البحث التربوي؛ إعداد دفاتر التحملات المتعلقة بتمويل مشاريع البحث وفق أولويات المنظومة التربوية؛ إننا بالنظر لهذه الأهداف الإجرائية و العمليات التدبيرية لتفعيل البحث التربوي كرافد من روافد التنمية البشرية، و كمكون فاعل في تحقيق جودة التربية و التكوين، نراهن كفاعلين تكوينيين أن تشكل نواة محورية في اليوم الدراسي المخصص لموضوع : وضعية البحث التربوي بالمغرب، الذي سينظم بالمركز التربوي الجهوي محمد الخامس بأسفي يوم الخميس 27 نونبر 2008 تحث إشراف الوزارة الوصية على التعليم بالمغرب، و بمشاركة مجموعة من الفعاليات المحلية و الوطنية التي تعنى بالبحث التربوي و العلمي؛ كما نراهن من هذا اليوم أن يجيب و بشكل عقلاني عن مجموعة من التساؤلات الإستراتيجية المنتظرة من هذا الحقل العلمي نجملها كالتالي: ما الذي يمكن أن يقدمه البحث التربوي للموارد البشرية، من جهة كمعارف و معارف للعمل و من جهة ثانية كمعارف للكينونة و السيرورة لتحسين شروط التعلمات بالنسبة للفئات المستهدفة في منظومة التربية و التكوين؟ ما هي القيمة النظرية و الامبريقية و التكوينية التي سيزودنا بها البحث التربوي لإكساب الموارد البشرية كفايات حرفية و مهنية تستجيب لاكراهات المدرسة المغربية و لظروفها الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية؟ كيف يمكن للبحث التربوي بمختلف مجالاته أن يساهم في الانتقال من إدارة الموظفين و الفاعلين إلى التدبير الحكاماتي للموارد البشرية المؤهلة من الناحية العلمية للمساهمة في التنمية المستديمة داخل المجتمع المغربي؟ما هي المقاييس العلمية التي سيوفرها لنا البحث التربوي لانتقاء الموارد البشرية المؤهلة للترشيح لمراكز التكوين و للعمل الإداري التربوي؟ هذه بعض من التساؤلات التي نترقب من الساهرين على هذا اليوم الدراسي الوطني الإجابة عنها، في أفق الخروج بخريطة طريق لمكون البحث التربوي تقوم على مقومات موضوعية و واقعية، حتى نجعل منه على المدى القريب سلطة قرارية علمية في تدبير الشأن الخاص بمنظومة التربية و التكوين، و حجة معيارية لبلورة مناهج و برامج دراسية تستجيب لاحتياجاتنا الاقتصادية و الثقافية و التاريخية.