«أغادر ليبراسيون، لأن ذلك يشكل آخر خطوة يمكنني الإقدام عليها لتستمر المقاولة على قيد الحياة، هي وهيئة التحرير التي خلقت وأصدرت، مع مرور السنوات، إحدى أجمل اليوميات عبر العالم، كتابيا وبصريا، بل إنها كانت، في بعض الأيام، أجملها على الإطلاق.» بهذه الفقرة استهل سيرج جولي، مؤسس ومدير اليومية الباريسية «ليبراسيون» ، آخر افتتاحية له في عدد الجريدة المؤرخ ب 29 يونيو 2006، واضعا بذلك حدا لمغامرة جميلة انطلقت منذ شتنبر 1972، بمعية الفيلسوف جان بول سارتر. ويوما قبل توزيع العدد في الأكشاك، خلال الاجتماع اليومي لهيئة تحرير الصحيفة، كان المناضل الماوي سابقا قد أخبر زملاءه بقراره هذا، قبل إعلانه رسميا، زوال ذات اليوم، أمام أعضاء المجلس الإداري للمؤسسة الناشرة. لم يُقدم سيرج جولي على اتخاذ قراره عن طواعية واختيار، بل أرغم على ذلك من طرف المساهم المرجعي في الشركة الناشرة، إدوارد روتشيل، أحد أغنى الرأسماليين في فرنسا والعالم، الذي ولج رأسمال المؤسسة في يناير 2006 وأصبح يملك حوالي 40% من أسهمها. «إذا كان انسحابي يساعد على إعادة تمويل الجريدة من طرف المساهم المرجعي، فإنني لن أقف حجر عثرة ضد ذلك.» هكذا تحدث جولي لزملائه الصحفيين الذين سبق وشنوا إضرابا ضده، في نونبر 2005، احتجاجا على مخطط خفض عدد العاملين بالجريدة بسبب ضائقتها المالية. «بفضل مبيعاتها التي وصلت إلى 142.000 نسخة يوميا (2005)، يكتب جولي في افتتاحية الوداع، وعدد قرائها الذي يبلغ 900 ألف قارئ، وزوار موقعها الالكتروني الذين يقدر عددهم ب 200 ألف زائر، وإبداعاتها الصحفية، وإشراقاتها، ونقاشاتها، وتحليلاتها واستطلاعاتها، بفضل كل هذا تظل ليبراسيون إحدى أهم اليوميات الفرنسية. لكنها تواجه، مثلها مثل كل اليوميات الشاملة غير المجانية عبر العالم، دوامة الثورة الرقمية المتميزة بكونها الأعمق والأعنف والأسرع مقارنة مع الثورات الصناعية التي كانت تغير، كل يوم، النسق السابق للأوضاع». وفي ذات السياق، يضيف سيرج جولي «تظل الصحافة الإخبارية اليومية، منذ عدة عشريات، الأكثر هشاشة ضمن كل وسائط الإعلام الأخرى. ورغم أنها ضرورية للحياة الديمقراطية، بل إنها وسيلة الإعلام التي تزود كل الوسائل الأخرى بالمعطيات، رغم أنها ورش للتفكير والحوار الوطنيين، رغم ذلك فهي أصبحت مهددة اقتصاديا إن هي لم تغير طرق تدبيرها السابقة. لقد أصبحت الصحافة المكتوبة اليومية بحاجة للدعم المالي عبر القيام بأنشطة خارجية مدرة للأرباح.» واختتم جولي، الذي غادر الصحيفة برفقة مديرها العام لويس دريفوس، افتتاحيته الأخيرة معلنا: «يقول لكم قائد الأوركسترا الذي كنته: وداعا. الصحفي الذي ما أزاله جد حزين بسبب عدم استمراره في الكتابة بهذا المنبر. أما القارئ الذي سأظله فيقول لكم: إلى اللقاء.»