بعد تداول وثيقة تاريخية تثبت مغربية تندوف ..أصوات تطالب فرنسا بالإفراج على جميع الوثائق التاريخية للمغرب    سجن الداخلة يوضح صحة فيديو سجناء يطلبون المساعدة    سجن طنجة…. الوضعية الصحية العامة داخل المؤسسة السجنية عادية ولا تدعو للقلق    الصويرة تستضيف المخرج والفنان المغربي ادريس الروخ في الملتقى السينمائي السادس    الفنانة المغربية سامية دالي تطلق أغنيتها الجديدة «حرام عليك»    تارودانت تحتضن النسخة الثالثة للمهرجان الدولي لفنون الشارع    مؤسسة وسيط المملكة تتلقى 7226 ملفا خلال سنة 2023    الشرع يلتقي وزيري خارجية فرنسا وألمانيا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    مقتل عشرات الفلسطينيين بينهم قائد الشرطة التابعة لحماس في غارات إسرائيلية على قطاع غزة    الوداد يسافر إلى تطوان عبر البراق لملاقاة المغرب التطواني    فيلود: "مواجهة مانييما ستكون صعبة لكن ليست مصيرية.. ونحن على أتم الاستعداد لتحقيق بثلاث نقاط"    دوري أبطال إفريقيا: المدرب المؤقت للرجاء البيضاوي يحصل على ترخيص لقيادة فريقه في مباراته أمام صن داونز    توضيح إدارة السجن المحلي طنجة 2 بخصوص انتشار مرض الحصبة بين صفوف السجناء    "اعتراف صادم" يكشف كيف خطط بعيوي للسطو على أملاك زوجته السابقة    شذى حسون تستقبل السنة الجديدة ب"قلبي اختار"    تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    مكتب الصرف يصدر دورية تنص على إجراءات تسهيل وتبسيط نظام السفر للدراسة في الخارج    أداة "ذكية" للكشف عن أمراض القلب قبل ظهور الأعراض    تتجاوز مليون ساعة تحليق .. المغرب يتسلم طائرات مسيّرة "بيرقدار TB2"    إحداث أزيد من 78 ألف مقاولة جديدة خلال الأشهر العشرة الأولى من سنة 2024    "آبل" تدفع 95 مليون دولار لتسوية دعوى قضائية حول التنصت على محادثات خاصة للمستخدمين    الموسم الثاني من "لعبة الحبار" يحقق 487 مليون ساعة مشاهدة ويتصدر قوائم نتفليكس    عبد الرحمان بن زيدان.. قامة مسرحية شامخة في الوطن العربي بعطائه المتعدد وبَذْله المُتجدّد    مروحية البحرية المغربية تنقذ مريضا على متن سفينة أجنبية    توقيف شخص بأكادير يشتبه تورطه في تزوير وثائق رسمية وعرضها للبيع بمقابل مادي    تتقدمهم كربوبي.. خمسة حكام مغاربة لإدارة مباريات "الشان"    توقيف "طبيب نفساني" متورط في عمليات اغتصاب بمركز للمعوقين في بلجيكا    الوزير مزور ينفي وجود خلاف أو توتر بينه وبين نواب حزب الاستقلال    أيت منا يجدد الثقة في موكوينا ويمنحه 3 مباريات للاستمرار في تدريب الوداد البيضاوي    الوداد لمداواة الجراح أمام "الماط" وقمة ملتهبة بين تواركة و"الماص"    وزير العدل يقاضي صحافي    بعثة نهضة بركان تشد الرحال صوب باماكو تأهبا لمواجهة الملعب المالي    2025: عام الاعتراف الدولي النهائي بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية    الذهب يرتفع بدعم من الطلب على الملاذ الآمن    النقابة الوطنية لصناعة البترول والغاز…نداء عاجل لإنقاذ شركة سامير    الHCP: واردات المغرب تنخفض ب1.6% والصادرات تسجل ارتفاعاً ب0.5%    بورصة البيضاء تفتتح التداولات بارتفاع    الودائع البنكية تتجاوز 1.225 مليار..    باب برد وإساكن.. المرتفعات الجبلية لجوهرة الريف تتزين برداء أبيض ناصع    الصين: مطارا شانغهاي يسجلان أكثر من 124 مليون رحلة ركاب في 2024    إطلاق مسابقة لتصميم محطات القطار الفائق السرعة والقطار الإقليمي    نهضة بركان يجدد عقدي لبحري وخيري لموسمين    كيوسك الجمعة | الحكومة تكشف أسرار المفتشية العامة للمالية بعد 65 سنة من تأسيسها    الشاعرة الأديبة والباحثة المغربية إمهاء مكاوي تتألق بشعرها الوطني الفصيح في مهرجان ملتقى درعة بزاكورة    أعلى حصيلة منذ حرب 1973.. جيش الاحتلال ينشر عدد قتلاه خلال عدوان غزة    تعليق محاولة توقيف رئيس كوريا الجنوبية    غابة الأمازون البرازيلية سجلت في 2024 أكبر عدد من الحرائق منذ 17 عاما    خبير يكشف عن 4 فوائد أساسية "لفيتامين د" خلال فصل الشتاء    سقوط طائرة ركاب في كازاخستان    مدوّنة الأسرة… استنبات الإصلاح في حقل ألغام    هولندا.. العثور على جثة مهاجر ينحدر من الريف بعد 11 يوما من اختفائه    إختتام الدورة السادسة للمهرجان الدولي للسينما و التراث    بنكيران: الملك لم يورط نفسه بأي حكم في مدونة الأسرة ووهبي مستفز وينبغي أن يوكل هذا الموضوع لغيره    الثورة السورية والحكم العطائية..    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا تركت العقل وحيدا..؟

ننشر حزننا، كما نفتح نهرا كبيرا، ونغسل فيه عضلات القلب التي جفت، كما لو ينقذنا الحزب من هندسات يابسة، ثم نجمعه، في جراب العمر، إلى حين موعده القادم، وشبه المضبوط، ونتناوله مثل حبات الأنسولين طيلة العمر.
وعادة، مثلما العلم والفلسفة، يأتي العقل في المابعد. ثم نفكر في الموت، بعقل كبير، نقول منذ الوهلة الأولى: كم من قرن يلزمنا لكي نعيد بناء نخلة (هل كان اختيار النخلة اعتباطيا في حق ابن فجيج؟) نفكر في حجم الجابري، وهل نودعه بعتاب كما يفعل الحزن عندما يتركه المجهود الذهني: لماذا تركت العقل وحيدا؟
عاش الجابري مسّاحا لكل البقاع التي مر منها العقل العربي، وظل طيلة عمره يتقفى هندساته، لكي يبرز ما يشكل هوية تفكيرنا وما يشلها ويعطل نفَسها الأبدي.. ولم يسع مثل كثير منا إلى تمجيد الأسلاف أو إلى حرقهم بالميكروند الحداثي، وفي أفرنة العولمة.
الذين لبسوا جلابيب الأجداد لم يجدوا فيه العسكري الواقف متسلحا بالعقل، بل كان يدرك بأنه من الخطأ ربما أن نحاول الظهور بمظهر من يملك الحقيقة أمام أناس لهم كل الأسباب لكي يعتقدوا بأننا على خطأ.
هذه المعادلة عاشها في سلاسة كبيرة، كبيرة للغاية..
كان يريد أن يستنطق الموتى من خلال ... موتهم أو ما تبقى فيهم من حياة بعدية. وفي خضم هذا الحوار المتفاني، كان يجرؤ على الجلوس حول موائد الأجداد ويستمع إلى حشرجات العقل في نقاشهم، ويفسر ذلك للأحفاد، كما يفعل جد رزين للغاية.
لم يشعر، كما تقول بعض العادات الكسولة، بأن من حق المثقف أن يذهب إلى ظله، كي يعيش صورته النقية. ولم يؤمن أبدا بأن عليه أن يقطع جذوره لكي يكبر في قامته المستقلة. كان مثقفا عضويا، كبيرا للغاية، صارع كثيرا من أجل أفكاره، ولم تكن معاركه أبدا بلا غد أو بلا أفق..! معارك كبيرة، جديدة.. تركت ندوبها على تفكيرنا الجماعي..
لم ييأس من الثقافة، كما يفعل هواة الهامبورغر ..الحاليون، والمرابطون بلا خجل أمام الفراغ التقنوقراطي الكبير.
يبدو في كتابات كثيرة كمن يرسم تفاحة الأرض ويتوقع أن تسقط حيث وضع نقطة، يسميها العقل.
يشعر جيل كبير بأن الرجل مازال ملمس يديه وهو يمسد عقله، حاضرا، يشعر بلمسة يده على العقل الذي ينشأ بين تلافيف الأفكار الجديدة والمدهشة.
لا يكفر أبدا بالعقل، حتى في لحظات التوجس والتكلس وفي لحظات التراجع وانعدام الضمير العلمي. وكان حاول أن يحمل ميزان التوازن بين شرق بعيد في شرقيته وغرب يسير في مستقر له، واستطاع أن يرقى بالتراث إلى مجال الحياة المبنية على النقد.
لم يكن يطارد الأحلام وهو يفكر في العقل والتراث، ولكنه كان يفعل ذلك بالسياسة، ونحت صورة المثقف الكبير، وأحد الكبار الذين سيملأون العالم العربي بالأفكار، في لحظات كان يملأ بالشعارات وبالرصاص ولغط العساكر.
وعندما استعصت السياسة على «بنيته» اختار أن يكون قيد ... الحرية! كان الحقل السياسي، كما يشبهه مونتيكسيو، لا يحرث بسبب خصوبته في المغرب، بل بسبب الحرية التي يتركها للمثقف بأن يختار: الهامش والعام أو الحياة والصعوبة..؟
فكان في قلب الاختيار السياسي، إلى جانب الحركة الوطنية ومن ثم امتدادها الشعبي في الاتحاد الوطني والاشتراكي وفي صلب التحولات التي عرفها، وكان يجلس إلى ماركس في السياسة وإلى ابن رشد، ولا يجد مرارة في الواقع ، لأنه كان في قلب الحركة.
كم سنة والجابري عدو للدولة ولأطرها وأجهزتها وساستها؟
كم سنة لم يكن فكره فكرا مقبولا ولا فكرا مطلوبا؟
كل سنوات الاستقلال، للأسف. ومن هناك لم يكن عدوا للنقل فقط في العصر الحديث، بل أيضا لم تكن روما المقترحة على المغرب الأقصى، تعجبه بأي مبرر.
ولم يكن يتردد في إعطاء رأيه حتى في عز الاحتقان الجماعي بما يجري، كما حدث في آخر لقاء مبرمج معه في الدوزيم، وقال رأيه في معنى إمارة المؤمنين وفي تعديلات المدونة (ألم يقل بأن أي فقيه كان يمكنه أن يقوم بما تم؟).
في محيط يعتبر الماضي أحد المشاريع - المربحة جدا- للحاضر، وللمستقبل، أين يمكن أن نضع المجهود الذي يرمي إلى تفكيك طريقتنا في تفكير التراث والتفكير في القضايا الشائكة التي ترتبط به؟ في مشروع من صلب الواقع ومن صلب السياسة الفعلية، التي لا تقتل الأبرياء من أجل حسابات ضيقة؟
عندما كان الجابري يفكر في الحدود الفقهية، وفي دولة الفقهاء، وفي مشاريع السلطة الدينية، ودولة النبي، كان الكثيرون يعتقدون بأن الرجل يشبه بائع تحف ينقب عن تماثيل عهد لا يعود، وكان هو يدرك بأننا سنواجه هذا التاريخ الثقيل في اليومي، وفي الحياة العامة، وفي البنوك، وفي الشاشات .. ولا يخطئ في التسديد إلى حيث يجب: طريقة التفكير، وليس الرؤوس التي تفكر..
لم يفاجأ كثيرا بالذي حدث للعقل طيلة مسيرة العرب والمسلمين، وحاول، بحذاقة رجل مخلص، أن يجد انتظاما ما للعقل العربي مع العقل الكوني، وألا يفقد العقل في ...تيه التحليلات العاشقة للنصوص فقط أو العاشقة للذات.
لقد فكر في الوقت الذي ساد في البلاد الفعل، كما كان فاعلا في الوقت الذي كان الفكر ينحو نحو المبيت.
لذا نعيد السؤال: لماذا تركت العقل وحيدا ونحن نرى كثيرين لا يفكرون حتى لا يزعجون...عقولهم!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.