استيقظ العرب على تهجير جديد، فعادوا إلى ردود فعل قديمة. كما لو أن كل أزمة تحل بالأمة تعيدها إلى طفولتها، وتجعل الحنين أفضل رد على الواقع. لسنا بعد أمة انفصامية، لكننا وصلنا إلى نقطة الحديث مع الأشباح. القصة هي أن إسرائيل قررت ترحيل أزيد من 70 ألف فلسطيني. قررت أن ترفض التعايش المزعج بين ماضيهم وحاضرها و مستقبلهم. لقد دعا مجلس الجامعة العربية إثر اجتماع طارئ شعب الفلسطينيين الى «عدم الانصياع» إلى الأمر الإسرائيلي بالطرد من الضفة الغربية، معتبرا أنه «قرار عنصري» يخالف المسؤوليات الواقعة بموجب القانون الدولي على عاتق «الدولة القائمة بالاحتلال». وهو بذلك يذكر الفلسطينيين بمعيش يعيشونه منذ القرن الماضي، ويذكرهم ببداهة الاحتلال، ويذكرهم بأن إسرائيل دولة قائمة بالاحتلال.. هل هو اكتشاف عربي جديد للحكرة كما تمارسه إسرائيل ؟ يبدو أنهم يخاطبون الشعوب الأخرى لكي تنصت إليهم وهم ينصحون شعب فلسطين الجبار. لقد راكم الفلسطينيون كل مظاهر العنصرية منذ قيام دولة إسرائيل، من التهجير، إلى الجدار العازل إلى ... دينية الدولة، وهم لا يحتاجون إلى تذكير رسمي طاريء من دول العروبة القائمة على توازن لا يتأتى، عسرا أو يسرا. الجيش الاسرائيلي الذي أصدر جديدا يهدف إلى منع التسلل إلى الضفة الغربية، يمكن أن يسمح بإبعاد أو اعتقال آلاف الفلسطينيين، يلعب لعبة خبيثة جدا، تمنع فلسطينييغزة من الالتقاء بفلسطينيي الضفة، لأنه يشمل الفلسطينيين الذين يحملون هوية بعنوان في قطاع غزة أو ولدوا في القطاع، وكذلك أبناءهم، كما يشمل الفلسطينيين المولودين في الضفة الغربية وفقدوا لسبب ما تصاريح إقامتهم فيها بعد إقامتهم في الخارج مثلا، والأجنبيات المتزوجات من فلسطينيين. كلمة قرار غير شرعي التي نطق بها سلام فياض غير كافية، لكنها اللغة التي ولدت في أوسلو، ورضعت من القاموس الدولي الذي لم يستطع بعد أن يفطم إسرائيل عن عدوانيتها. الوصف السوري الذي يعتبر القرار« تطبيق سياسة التطهير العرقي» ضد الفلسطينيين سليم للغاية وهو جد كاف، لكنه يبقى لغة خارجة عن السياسة لأنها تفتقد إلى «التوازن الاستراتيجي الذي يحلو للقمة...» والعرب عموما يعيشون من القمم الطارئة، والاجتماعات الطارئة، في حين لا يبدو أن هناك شيئا ما طارئ في عمل إسرائيل.. للعرب اليوم سؤال كبير أيضا اسمه السلاح النووي، وقد حضروا إلى عاصمة العالم والتقوا رئيس العالم، ولكنهم لم يستطيعوا أن يستلوا شعرة واحدة تدين إسرائيل أمام العالم، المشغول أكثر مما يجب بالسلاح النووي. إسرائيل اليوم قادرة على أن تغطي بسلاح التفوق العرقي على مدار 1500 كلم، وهي عوض أن تكفر كما يريد العالم في سلام تضبط سلاحه، تريد حربا لا يعرف العرب سلاحها. والعالم مقتنع اليوم بأن طهران هي غابة النووي وهي غايته. ولم نستطع بعد أن نضع السلاح النووي الاسرائيلي في النشرات الاخبارية وعلى موائد العالم، في حين مازال التفكير في الخطر الإيراني يرافق العرب إلى عواصم العالم.. للعرب مع إسرائيل قضية المياه. وقضية الانهار وقضية الجسور.. وقضية الحياة التي خرجت من قطرة في الواد. فقد أعلن سكرتير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية بيار لولوش أن المؤتمر الرابع للاتحاد من أجل المتوسط حول موضوع المياه فشل بسبب خلاف إسرائيلي عربي يتعلق بإشارة إلى الأراضي المحتلة. و أوردت وكالات الانباء الدولية ما قاله مصدر أوروبي على هامش المؤتمر اليورو-متوسطي الرابع حول المياه المنعقد في برشلونة، الذي أبرز سبب الإشارة التي فهمتها إسرائيل ولم يفهمها العالم. حيث تشير الفقرة المثيرة للجدل إلى أن الاستراتيجية بشأن المياه في المتوسط تهدف، فضلا عن جوانب عديدة، إلى «تشجيع التنمية المستدامة والقضاء على الفقر، و(ترسيخ) السلام والأمن الدولي والعدالة (...) وتذليل الأسباب العميقة للصعوبات (بما في ذلك ما يتعلق بالاراضي المحتلة). إسرائيل قادرة على إفشال قمة أوربية وطرد مضاعف، لشعب بالكامل وقادرة على الغياب عن قمم عالمية حول النووي، وهي لا تخبيء وجهها النووي أمام العالم ولا تحتاج إلى اجتماع طارئ لأنها هي التي تصنع الحدث إلى حد الآن وتفرض على العرب اجتماعات الضمير وإرضاء الروح الوحدوية في الورق.. ومع ذلك فما زلنا نعتقد بأن ذلك الاجتماع نفسه يجب ألا يغيب وألا يضيع ..