بين يوم وصوله إلى الدارالبيضاء في 14 ماي 1912 بعد تعيينه مقيما عاما لفرنسا في المغرب، ويوم مغادرته ذات المدينة في 12 أكتوبر 1925، استطاع أوبير ليوطي أن يطبع مسار مملكة الحماية وأن يهدي الجمهورية إمبراطورية. مؤخرا صدرت الطبعة الثانية من السيرة الشاملة التي خصصها أرنو تيسيي ل "مهندس المغرب الحديث"، سيرة نقدم للقراء عرضا لفصولها المتمحورة حول مغرب ليوطي. خلال الحرب في أوربا، انضاف العمل السري للجواسيس الألمانيين إلى رد فعل القبائل الأقل ضبطا، بينما بقي ليوطي وفيا لمبدأ "الدفاع الفاعل" الذي يشمل، كلما اقتضت الظروف ذلك، مبادرات هجومية استباقية. هكذا، وطوال هذه المرحلة، سيحرص على تنظيم عمليات عسكرية محدودة هدفها استمرار الضغط النفسي على الخصم لتتسع، بفعل هذا، مساحة المناطق الخاضعة للتهدئة. أما شرط تحقق هذه الإستراتيجية العسكرية والنفسية فتمثل، وفق مقاربة المقيم العام، في استمرار العمل من قبله ومن قبل مصالحه ليتأكد الجميع بأن الحماية ليست"في سبات" وبأن "الحياة مستمرة" في المغرب مع ما تقتضيه من إصلاحات إدارية وتنمية اقتصادية. حين حل بالدار البيضاء أول فوج من "الجنود الإقليميين" في شهر غشت 1914، انتقى ليوطي لغة ذكية وملائمة ليقول لهم إن من واجبهم صيانة "المناطق الخاضعة والعمل المنجز بفضل كثير من المجهودات والدماء"، ولكن كذلك صد "السكان المنتفضين ذوو النزعة القتالية" في سفوح الأطلس مثل "حاجز حي". وسيعلن المقيم العام أمامهم بأنهم لن ينعموا بحياة رغيدة مثلما سيعانون من الحرمان، قبل مدح "هيبتهم الرجولية" و"مظهرهم الفخور" و"هيئتهم العسكرية الجميلة". من جهة أخرى، ولكي يشرع الجميع بأن وتيرة العمل سريعة، سيقرر ليوطي أن لا تظل اجتماعات مجلس الحكومة أسبوعية بل تصبح يومية. وسيتشبث المقيم العام بالحضور شخصيا في "الجبهة الداخلية" الأكثر تعرضا للتهديد، خنيفرة، كما سيحرص، طوال الحرب، على إثبات أن "العمل مستمر". وفي هذا الإطار، سيدشن، وسط مظاهر أبهة الجلية، متاجر باريس-المغرب الكبرى بالدار البيضاء في 17 نونبر 1914، مصرحا بأن أجنحتها "كثيرة البضائع" مثلما هو الحال في فرنسا، ومؤكدا بأنها ستسوق أيضا المنتوجات المحلية، وهو تأكيد قصد به طمأنة الجالية الفرنسية. وطاحونة الحرب تحصد الأرواح وتدمر البنيات التحتية في أوروبا، سيكرر ليوطي الخطابات الحماسية والمحمسة. ومنها على وجه الخصوص خطابه بمناسبة السنة الميلادية الجديدة في فاتح يناير 1915 الذي وجهه، بالرباط، للجالية الفرنسية. لم ينس المقيم العام، في خطابه هذا، أحدا. لم ينس الجنود الفرنسيين في المغرب الذين مدح مهمتهم وأكد بأنهم يوجدون في الصفوف الأمامية لمعركة ستحدد مصير أوروبا. ومعلوم أن عدد الجنود الفرنسيين بالمغرب كان ضعف عدد المدنيين وقتها. لم ينس أيضا مساعديه والموظفين الذين اعتبر أن بقاءهم الإجباري في المغرب محكوم بالمصلحة العليا، داعيا إياهم إلى عدم الشعور بالإقصاء من رهانات الحرب. ولم ينس كذلك "الشعب المغربي الشهم" ولا سلطانه ولا تضحيات أبنائه الجنود في فرنسا. طوال الحرب إذن، لن يبخل ليوطي بأي جهد قصد ضمان مساندة الجنود والمعمرين والأوساط المالية والاقتصادية الفرنسية في المغرب لسياسته، وتوطيد انخراطهم في سياقها. أما "الأهالي" فمنطق العصا والجزرة ظل متحكما حيالهم، وهو منطق أدى إلى نتائج إيجابية بالنسبة لسلطات الحماية مثلما تؤكد ذلك الندرة النسبية للاشتباكات العسكرية وفشل الجواسيس الألمانيين في إثارة الانتفاضات. ورغم هذا الهدوء النسبي، فقد شهدت البلاد بعض "الانزلاقات" مثل القضاء نهائيا على وحدة عسكرية استطلاعية بخنيفرة في نونبر 1914 (مقتل 33 ضابطا و650 جنديا مع فقدان عتادهم). أيامها، كان ليوطي يعلم علم اليقين بأن الوضع هش في المغرب وبأنه سيظل كذلك طوال الحرب، فحادث خطير منفلت من السيطرة قد يؤدي إلى ضياع المغرب برمته، خاصة وجواسيس ألمانيا يفعلون كل ما في وسعهم لإثارة القلاقل. وفي ربيع 1916، ستتسع دائرة انتفاضة القبائل وتتراكم الصعوبات في كل الجبهات الداخلية. وفي شهر واحد، سيلقى حوالي عشرين ضابطا ومائتي جندي مصرعهم، علما أن الحرب في أوروبا تحول دون تعويضهم. يدرك ليوطي أن الانتصارات العسكرية ليست كافية لضبط البلاد والعباد وأن عليه التدخل في "عمق المغرب". لذا، ونظرا لوعيه بأهمية البنيات الفيودالية في المملكة، سيولي اهتماما خاصا بالعلاقات مع النخب. في أكتوبر 1916، سيمنحه إحياء عيد الأضحى بفاس فرصة ذهبية سيحسن استغلالها. لقد حضر إلى المدينة عدد لا يعد ولا يحصى من الباشاوات والقواد والأعيان، ونظم لفائدتهم المقيم العام حفل عشاء بقصر بوجلود، حضره السلطان والوزراء وأهم الشخصيات المخزنية. وفي خطابه أمامهم، قال ليوطي: "إنكم تجسدون المغرب برمته"، قبل أن يستحضر التاريخ ويضيف: "أظنها المرة الأولى، منذ عهد بعيد، التي يحصل خلالها لقاء من هذا الحجم، وأن مختلف الروايات، حتى الأقدم من بينها، لا تشير إلى حقبة التأم خلالها جمع من قبيل جمعنا هذا، يحضره الناس من الشمال إلى الجنوب، من طنجة إلى سوس، من الشرق إلى الغرب، من وجدة إلى موغادور، ويجتمعون في سلام وأمن ورفاهية". واستطرد الجنرال شارحا أن التقدم الذي حققه المغرب، في غضون أربع سنوات، في مجالات أمن الطرق، تنمية المواصلات وثروة البلاد حدث دون المس بالتقاليد والعادات. "لقد أعدنا السلطة الشريفة بكل بهائها، يقول، وجوهرة تاجها هي المخزن". أما المنتفضون، فسيعمل، حسب ذات الخطاب، مع "سيدنا" السلطان على إقناعهم على العودة إلى جادة الصواب واحترام السلطة الشرعية، بينما لن تشكل القوة إلا آخر حل سيتم اللجوء إليه لمواجهة المتطرفين منهم.