بين يوم وصوله إلى الدارالبيضاء في 14 ماي 1912 بعد تعيينه مقيما عاما لفرنسا في المغرب، ويوم مغادرته ذات المدينة في 12 أكتوبر 1925، استطاع أوبير ليوطي أن يطبع مسار مملكة الحماية وأن يهدي الجمهورية إمبراطورية. مؤخرا صدرت الطبعة الثانية من السيرة الشاملة التي خصصها أرنو تيسيي ل "مهندس المغرب الحديث"، سيرة نقدم للقراء عرضا لفصولها المتمحورة حول مغرب ليوطي. بعد اختياره الرباط مقرا للإقامة العامة، سيشرع ليوطي في تهيئة المدينة وفق تصميم يفصل بين «المدينة العتيقة» و«المدينة الأوربية». شغفه بالمعمارسيبلغ ذروته في الدار البيضاء التي كانت قد تطورت بشكل عشوائي طيلة خمس عشرة سنة، ليشكل تشييد مينائها نقطة انطلاق ورش ضخم سيغير صورة المدينة جذريا. محليا، سيسعى المقيم العام «ليس إلى منح الأهالي سلطة وهمية، بل اختصاصات فعلية في التدبير، وسلطة حقيقية قصد الحفاظ على تقاليدهم وحماية حرياتهم». لذا، وعلى غرار ما أقدم عليه في فاس منذ بداية ولايته، سيشرع في إصلاح التنظيم البلدي عبر إحداث «المجالس»، تلك الهيئات التي سيجد الأهالي نفسهم داخلها «مع بعضهم البعض» وليس «مجرد ممثلين صامتين» وسط «هيمنة الأوروبيين». وفي هذا السياق سيكتب: «إن الحل النموذجي الذي يجب السعي إلى إقراره يتمثل في مجلسين اثنين مختلفين، واحد للأوروبيين وآخر للأهالي (...) يضمن لنا هذا الحل بمفرده، الآن، تمثيلية حقيقية للأهالي واستقلالية تامة لرأيهم». سيولي ليوطي، كذلك، أهمية خاصة لإصلاح النظام التعليمي المحلي، مستحضرا هدفا بسيطا وحاسما: تكوين فئة جديدة من الموظفين الإداريين المغاربة الذين يتوفرون «على إلمام ومعرفة بقوانينهم وحضارتهم الذاتية» من جهة، ويكونون من جهة ثانية وفي ذات الآن، منفتحين على القضايا العصرية وقادرين على تفهم مصالحنا مثلما نتفهم مصالحهم». هكذا سيضع ليوطي العمود الفقري لتعليم ثانوي إسلامي يشمل تدريس اللغة الفرنسية، تعليم يرتكز على المواد الأدبية وذو غاية محددة: تكوين موظفين مغاربة مسلمين. وفي انتظار تحقق هذا الهدف، سيوظف ليوطي «متدربين» من أبناء الأعيان في صفوف المخزن. وبقدر ما سيهتم بالتعليم والصحة («المعلم والطبيب هما العمودان الأساسيان لسياسة الأهالي التي نمارسها في المغرب» كما قال)، بقدر ما سيشرع في إنجاز الموانئ والطرق وخطوط السكة الحديدية. ومنذ 1914 ، سيشكل إصلاح التنظيم القضائي أهم مصدر فخر بالنسبة لليوطي، وهو إصلاح ابتغى المقيم العام من خلاله توفير كافة الضمانات للأوروبيين في مجال القانون، لكن دون المساس بالتقاليد المغربية الموغلة في القدم. مع مطلع عام 1914 ، وبعد تهدئة المناطق «المحكومة» من قبله، سيقرر ليوطي ربط هذه المناطق بالمغرب الشرقي عبر هجوم مكثف على تازة، وهو القرار الذي ستقبله باريس أولا قبل أن تتراجع عن ذلك بمبرر بروز مؤشرات اندلاع الحرب في أوروبا وقرب الانتخابات الفرنسية. لكن المقيم العام لن يأخذ موقف حكومته بعين الاعتبار، فيقرر بداية العمليات العسكرية التي ستؤدي إلى سقوط تازة. رغم اندلاع الحرب في غشت 1914، فليوطي يشعر بالاطمئنان إزاء الأوضاع مغربيا، وكيف لا والجبهة الداخلية هادئة حربيا، كما أن أوراش الإصلاح الكبرى انطلقت؟ ومع ذلك، فقد انتابه قلق كبير بفعل سؤال عريض: ما مآل المغرب؟ هل ستترك له حكومة باريس الإمكانيات الكافية «للصمود» إلى حين نهاية المواجهات في أوروبا؟ ومصيره شخصيا، هل ستستدعيه فرنسا لقيادة أحد جيوشها أم تراه سيكلف بمهمة أسمى؟ بعد إعلان التعبئة العامة فرنسيا في 4 غشت، لن يجد ليوطي حلا بديلا عن إرسال جزء من قوات الحماية إلى أوروبا (فرقتان عسكريتان، 37 كتيبة مشاة، لواء خيالة، ست سريات مدفعية، ثلاث فرق هندسية وفريقان متخصصان في التلغراف). هكذا، وشهرا بعد اندلاع الحرب، لن يتوفر ليوطي لضبط المغرب سوى على 23 كتيبة مشاة وسريات خيالة ومدفعية معدودة على رؤوس الأصابع. ورغم ذلك، فقد نجح المقيم العام في الحفاظ على «شمولية الحماية» بفعل عدم انضباطه لقرار حكومته القاضي بتراجع قواته المتبقية إلى المناطق الساحلية والاكتفاء بمراقبة الطرق الكبرى مع إخلاء باقي الجهات الداخلية. لقد كان رده واضحا وحاسما: سأحافظ على المغرب، سأحافظ عليه بأدنى تكلفة عبر اللجوء إلى إعمال القوة والعمل السياسي في نفس الوقت!