لقد اخترقت الرواية جدران الأديرة، ودخلت إلى حياة الرهبان، وتناولت الخلافات اللاهوتية المسيحية القديمة حول طبيعة المسيح، ووضع السيدة العذراء والاضطهاد الذي قام به المسيحيون ضد الوثنيين المصريين، فكشفت عن مجموعة من الرؤى والأفكار الصادمة للبعض، وأثارت بذلك جدلا واسعا بين مؤيد ومعارض. وقد تقدم المطران يوحنا جريجوريوس بشهادة في حق الكاتب يقول فيها ، «يوسف زيدان هو أول روائي مسلم ،يكتب عن اللاهوت المسيحي بشكل روائي عميق . وهو أول مسلم يحاول أن يعطي حلولا لمشكلات كَنَسِيَة كبرى..إن يوسف زيدان اقتحم حياة الأديرة ورسم بريشة راهب أحداثا كنسية حدثت بالفعل وكان لها أثر عظيم في تاريخ الكنيسة القبطية». ويؤكد يوسف زيدان هذا المنحى بقوله : « كتبت رواية عن الإنسان المختفي وراء الأسوار العقائدية والتاريخية ونظم التقاليد والأعراف السائدة التي وصلت من التفاهة بحيث حجبت الإنسان، فكل ما في الأمر هو أني حاولت أن أمس وأفهم هذا الجوهر الإنساني، وكل ماعدا الجانب الإنساني للراهب «هيبا» كالمعرفة باللاهوت، بالتاريخ، حياة الأديرة، اللغة،الحيلة الفنية، الإيهام، الصور فكلها أدوات، فالغرض الأول هو اكتشاف الإنسان الذي يسعى حاليا لإجهاضه». ويعود يوسف زيدان إلى موضوع «الإنسان المجهض» هذا بقوله :«الرواية دعوة للإهتمام بالإنسان المختفي بين الصراعات المذهبية، وتؤكد أن العنف لا يرتبط بالضرورة بدين أو مذهب معين، وإنما يرتبط بأشخاص محددين توهموا أن من حقهم قتل الآخرين باسم الحق الإلهي». وقد اعتبر النقاد أن «عزازيل» نص عالمي بامتياز، وبأنه عمل مغاير ومعقد وفيه اشتغال على المعرفة، لكن هناك بالمقابل من الأقباط من اعتبر الرواية مسيئة تطعن في العقيدة المسيحية، حيث تقول ببشرية المسيح وليس بألوهيته، معتمدة في ذلك على آراء نسطور (شخصية تاريخية حقيقية) الذي فصل بين الطبيعتين البشرية واللاهوتية للمسيح فاستحق على ذلك لعنات البابا كيرلس عمود الدين بابا الإسكندرية الرابع والعشرين. ولعل أجمل ما قرأته عن الرواية تعليق لأحد القراء يقول فيه :»هذه الرواية (الترجمة) البديعة حَمَالَةٌ أوجه، فإذا قرأها مسيحي (متعصب لدينه) سيراها ترجمة شيطانية، وإذا قرأها مسيحي (منفتح) سيراها ترجمة عن الدين المسيحي الحق، وإذا قرأها مسلم سيراها تمهيدا للدين الحنيف..»ألم يرد في القرآن أن الله واحد أحد لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد؟. إن ال«عزازيل» رواية عميقة مقلقة وممتعة بكثير من المقاييس، لعل أجملها لغة الراهب «هيبا» وشاعريته وتعبيراته الرهيفة التي «تعد آية من آيات البيان والبلاغة»..وهي العمل الروائي الثاني ليوسف زيدان بعد رواية «ظل الأفعى». تقع ال«عزازيل» في 380 صفحة أعيد طبعها ثلاثة عشرة مرة منذ صدورها الأول أواخر سنة 2008 عن دار الشروق بمصر، واستحقت الجائزة العالمية للرواية العربية لسنة 2008. أريد أن أضيف في النهاية أن رواية «عزازيل» تذكرني برواية أخرى جميلة استلهمت بدورها أحداثا ووقائع تاريخية كبرى في حياة المسلمين بصفة عامة، ومسلمي الأندلس بصفة خاصة هي : «ثلاثية غرناطة» للكاتبة والباحثة المصرية رضوى عاشور، كما تذكرني بالأسلوب الذي ينتهجه الباحث المغربي الأستاذ أحمد توفيق في استلهامه أحداثا ووقائع من التاريخ المغربي وتوظيفها في رواياته ك«جارات أبي موسى» وغيرها. وفي الأخير، فإن «عزازيل» عمل مبدع ورائع، وقد قرأت في مكان ما أن يوسف زيدان هو الآن بصدد تأليف رواية ثالثة تحت عنوان «الرب»، ولذلك أتصور أن المؤلف سيكون أمام امتحان عسير جدا عند تأليفه لعمل روائي جديد، إذ كيف يمكنه أن يتفوق على نفسه في عمل إبداعي آخر أجمل وأبدع وأرق؟..