مر علي زمن لم أقرأ فيه رواية جميلة وممتعة بمثل جمال «عزازيل» للدكتور يوسف زيدان، فهي تشد القارىء -مثلي- من أول سطر إلى آخر كلمة. تقع أحداث الرواية بين القرنين الرابع والخامس الميلادي، أي زمن انشقاق كنيستي أنطاكيا والإسكندرية، وعقد مجمع إفسوس الذي اعتبر أسقف القسطنطينية نسطور خارجا عن الدين المسيحي . وهي تنطلق من ترجمة وهمية لمجموعة لفائف (رقوق) مكتوبة باللغة السريانية (الآرامية) دفنت ضمن صندوق خشبي محكم الإغلاق، كتبت في القرن الخامس الميلادي، وعثر عليها بحالة جيدة في منطقة أثرية قرب مدينة حلب السورية. ولن يغيب عن فطنة القارئ طبعا، أن حكاية الرقوق والترجمة هاته التي قدم بها المؤلف لروايته، هي جزء من حبكتها التي أضفت عليها سحرا خاصا. والرواية عبارة عن سيرة ذاتية لراهب مسيحي مصري « هيبا» عاش -حسب المؤرخين- في الفترة المضطربة من التاريخ المسيحي الكنسي في أوائل القرن الخامس الميلادي، والتي تلتها انقسامات هائلة بين الكنائس الكبرى، وذلك على خلفية الخلاف حول طبيعة المسيح، لكن يوسف زيدان يؤكد أن بطل روايته هي شخصية غير حقيقية :«كل الوقائع والشخصيات الواردة في الرواية باستثناء البطل هي وقائع فعلية وشخصيات حقيقية». استند فيها الدكتور يوسف زيدان على مخطوطات سريانية مزجها بخياله الروائي. لقد كتب الراهب «هيبا» سيرته الذاتية مدفوعا بطلب من عزازيل (أي الشيطان في اللغة السريانية القديمة) يحكي فيها ما حدث له منذ خروجه من أخميم في صعيد مصر قاصدا الإسكندرية لكي يتبحر في الطب واللاهوت، ثم خروجه من الإسكندرية بعد مقتل العالمة الوثنية «هيباتيا» بشكل مفجع، وخروجه إلى فلسطين للبحث عن أصول الديانة، واستقراره في أورشليم (القدس) ولقائه بنسطور (أسقف القسطنطينية) ثم انتقاله إلى دير هادئ بالقرب من أنطاكية، هناك حيث تعمقت شكوكه حول العقيدة وازداد صراعه النفسي، لتنتهي رحلته باتخاذ قرار بالرحيل من الدير إلى وجهة غير معلومة( !). وبرغم كونه راهبا مسيحيا، يحرم عليه الزواج، فقد تسللت المرأة إلى حياة «هيبا» من باب نصف مفتوح، وعمقت جراحه الداخلية بحضورها الجميل والمقلق، مجسدة في «أوكتافيا» الوثنية الاسكندرانية التي طردته من حدائق نعيمها عندما أخبرها أنه راهب مسيحي، أو «هيباتيا» العالمة الوثنية التي ماتت ميتة مفجعة على يد رعاع أفجاج أوغرت الكنيسة صدورهم، أو «مارتا» الشابة ذات العشرين ربيعا التي رحلت عنه مخلفة وراءها كلمة مقتضبة جدا تقول فيها إنها كانت مجبرة على الرحيل. إن «العزازيل» هي فعلا ? عبارة عن رواية فلسفية تأسست على معرفة عميقة بالتراث ، كما أشار البعض إلى ذلك، ولا عجب فالدكتور يوسف زيدان يعمل منذ سنة 2001 مديرا لمركز ومتحف المخطوطات بمكتبة الإسكندرية، وقد أتاحت له وظيفته بالمركز الاطلاع على مخطوطات مسيحية من كل أنحاء العالم ، مما أتاح له الجمع بين موهبتين رائعتين: موهبة المبدع وموهبة الباحث .