تزداد خشية النظام الجزائري من "الجسور الممكنة للتضامن في الحركة الشعبية الحالية، التي تقوم بمظاهرات عفوية تطالب بالسكن والعمل. هذه الوضعية، تذكر بسياق الانتفاضة الوطنية في أكتوبر 1988." فيما لا زالت قوانين الطوارئ سارية المفعول في هذا البلد الذي بدا أنه أفقل نهائيا الحقل السياسي بل وتجريمه باسم القوانين التي تم استصدارها في غفلة من الشعب الجزائري خلال عشرية الإرهاب التي أخلت الجو لجنرالات الجزائر كي يصيغوا قوانين على مقاساتهم. في هذه المقالة للصحفي الجزائري محمد يفصح التي نشرت قبل حوالي سنة، قراءة لما يجري في الجزائر حاليا عقب التوترات الاجتماعية التي تشهدها على مستوى عدة جبهات اجتماعية واقتصادية، في تحدي آخر بات يواجهه النظام الجزائري. وصلت ذروة الغضب الاجتماعي إلى العمال الجزائريين في عدة قطاعات اقتصادية، بعد الاحتجاجات داخل قطاع الوظيفة العمومية والمسيرات الشعبية المطالبة بالتشغيل والسكن في مختلف المدن. بدأت حركة الإضراب في القطاع الاقتصادي في الثاني من 02 يناير من طرف عمال الشركة الوطنية للمركبات الصناعية (SNVI)، والتي نجحت في مجموع المنطقة الصناعية في رويبة التي تقع على بعد 15 كيلومترا من الجزائر العاصمة. هذا الإضراب الذي يقع على مشارف الجزائر العاصمة، جاء بعد الاتفاق الثلاثي بين الحكومة وأرباب العمل والاتحاد العام للعمال الجزائريين، والذي يطعن في المكاسب الاجتماعية. إصلاح نظام التقاعد من طرف حكومة أحمد أويحيى، في دجنبر الماضي، ويمتد على مدى 32 سنة للحصول على معاش كامل، بينما في السابق كان يكفي 25 عاما فقط، مع العلم أن أمل الحياة في الجزائر يقدر ب 70 عاما. النظام الجديد يقضي أيضا على الاستفادة من "المعاش النسبي، التي تمنح الحق للموظف الذي تجاوز عمره 50 عاما في التقاعد بعد 20 عاما من العمل بالنسبة للرجال و15 بالنسبة للنساء. المضربون في المنطقة الصناعية برويبة يطرحون قضية العمل المضني والقوة الشرائية، إنهم يرون أن هذه المسألة تؤثر على جميع المعاشات التقاعدية تمس المجتمع ككل. ارتفاع معدل البطالة المقدر بنحو 10 ٪، لا سيما في صفوف الشباب، وهيمنة القطاع غير المهيكل أو غير القانوني في القطاع الخاص يقدر بنحو 70 ٪، ما يجعل فرضية قوانين العمل الجديدة التي تعتزم الحكومة اعتمادها دون أن تعطي موعدا محددا. هذه القوانين لا تراعي واقع العمل، وبالتالي فإنها تقصي غالبية العاملين في القطاع الخاص والشباب الذين يأتون في وقت متأخر إلى عالم العمل وتحرمهم من تقاعد كامل. وعلاوة على ذلك، فإن انخفاض قيمة الدينار الجزائري، على الرغم من الفورة النفطية خلال السنوات الأخيرة وزيادة الحد الأدنى للأجور في دجنبر 2009، لا تمتص التضخم. ويرفض المضربون الاستجابة لهاته القوانين ويطالبون بزيادة "كبيرة" في الأجور. في أول رد فعل للحكومة، قامت بإرسال قوات الأمن قصد إغلاق الطريق على المضربين كي لا يتمكنوا من الوصول إلى مدينة رويبة من هذه المنطقة الصناعية القوية بعدد عمالها الذي يبلغ 50000 عاملا. في اليوم الثالث من الإضراب اندلعت اشتباكات خلفت 5 جرحى في صفوف المتظاهرين. لكن يبدو أن النظام كان حذرا في استخدام القوة إلا من العصا، وذلك لأنه بات يواجه تحديا على مستوى عدة جبهات مفتوحة في قطاعات اقتصادية أخرى. حاولت قيادة اتحاد العمال الجزائريين إلى نزع فتيل الغضب، بعيدا عن استشارة قواعدها، وبخاصة في رويبة، حيث شجب النقابيون التنازلات التي قدمت إلى الحكومة. هذه النقابة، كانت أول من يسعى إلى إلغاء المادة 87a من قانون الشغل، والذي يحدد الحد الأدنى للأجور بما في ذلك العلاوات. لا تعترف الدولة إلا بنقابة اتحاد العمال الجزائريين خلال المفاوضات في القطاع الاقتصادي، وهو الخيار الي غالبا ما تستنكره النقابات الأخرى. حوالي 7200 من عمال شركة الصلب متعددة الجنسيات أرسيلور ميتال في المجمع الصناعي الحجار، في عنابة شرق الجزائر، كانوا قد شرعوا في إضراب مفتوح في تحدي آخر بعد إغلاق إحدى الوحدات. وجاء الإضراب المفتوح بعد رفض إدارة الشركة إعادة تأهيل الوحدة، منها 320 للفحم في الفصل المحتمل. إذا ما استمر هذا الإضراب، فإنه قد يكون بمثابة الشرارة التي ستنتقل عدواها إلى قطاعات أخرى. قوانين الطوارئ التي تعود إلى السنوات المظلمة من الإرهاب، تحظر كافة المظاهرات العامة وتغلق الحقل السياسي عبر تجريم الاحتجاج. يتخوف النظام من التجاوزات، وخصوصا في الجزائر العاصمة، على الرغم من أنه تم إحياء تظاهرات كبيرة عقدت في مناسبات مختلفة، منها تلك التي تمت في 14 يونيو 2001 من قبل الحركة الشعبية لمنطقة القبائل، وتلك التي تمت دعما للشعب الفلسطينية في مارس 2008 أثناء الغارة الإسرائيلية على غزة، والتي شهدت مشاركة حوالي مليون شخص. الجزائر، التي تعيش على إيقاع وتيرة الاحتجاجات ذات الطابع الاجتماعي لمدة عقد تقريبا، بعدما نال الغضب من العاملين في القطاع الصناعي والقطاع العمومي (الأطباء والمعلمين) الذين يدعون إلى زيادات في الأجور. لكن الحكومة ردت حتى هذه اللحظة من جانب الموقف الذي يجب أن تحتوي فيه على العمال في مصانعهم. كما أنها تخشى من الجسور الممكنة للتضامن في الحركة الشعبية الحالية، التي تقوم بمظاهرات عفوية تطالب بالسكن والعمل. هذه الوضعية، تذكر بسياق الانتفاضة الوطنية في أكتوبر 1988. بقلم: محمد يفصح صحفي جزائري ترجمة: يحيى بن الطاهر