اقترنت الحركة السينمائية المغربية في بداياتها الأولى بوجوه شكلت روحها وملامحها، وبنت قاعدتها على اتجاهات ومدارس متعددة، اختلطت فيها تيارات متباينة، تلك التي تعددت بتعدد رجالاتها، إذ استنشق كل واحد منهم هواء سينمائيا مغايرا للآخر، فمنهم من تكون في الشرق أو الغرب، ومنهم من درس في الشمال أو الجنوب..وهكذا اجتمعت الأساليب والمناهج في بوتقة واحدة خدمت بايجابية المشهد السينمائي العام بالمغرب. سهيل بنبركة من المخرجين المغاربة الأوائل الذين رسموا مسار السينما المغربية ومنحوها خبرتهم وتجاربهم، سواء من خلال أعمالهم الفنية المميزة، أو من خلال عملهم الإداري في المؤسسات العمومية الوصية على هذا المجال .فالتكوين السينمائي الذي اكتسبه بايطاليا وكذا خدمته إلى جانب مخرجين كبار أمثال فالينتينو أورسيني، وباولو بازوليني، كلها عوامل ساعدته على تخطي الصعاب التي كانت تعرفها السينما المغربية في بداية مشوارها، فتغلغل بعمق داخل القضايا المهمة التي كانت تثير المجتمع والرأي العام آنذاك، مستفيدا من تجاربه لنقلها عبر الصورة بصيغة احترافية متكاملة العناصر والأبعاد. وتجلت هذه الاحترافية في فيلمه الأول (ألف يد ويد- 1972) وهو فيلم روائي طويل لامس العمق الاجتماعي لظاهرة اليد العاملة بالمغرب والتي يتم استغلالها بوحشية في قطاع الصناعة التقليدية. أعمال بنبركة تدفع دائما إلى اختراق الزوايا المظلمة لنقط معينة، تهتم بحلقات جوهرية داخل المجتمع وخارجه، عبر توظيف المواضيع المستفزة والقادرة على جلب الجمهور والتفاعل معها، وهذا ما نلاحظه في جل أعماله، لنأخذ هنا مثلا فيلم (حرب البترول لن تحدث) وهو فيلم روائي طويل تطرق فيه إلى حرب أكتوبر 73 بين العرب والاسرائليين والتي استخدم فيها النفط كسلاح من طرف العرب، تقوم فكرة الفيلم على دحض الآراء والمواقف التي كانت سائدة آنذاك، والتي كانت تؤمن بجدوى هذا السلاح وتأثيره على القوى الغربية المساندة لإسرائيل، وللإشارة فالفيلم قد تم منعه من العرض بالمغرب في ذلك الوقت. سينما سهيل بن بركة سلسة في أسلوبها وواضحة في أفكارها، تنقل الواقع بشفافيته وآلامه، هذه السينما تنفي عن نفسها الترميز والتعقيد، اللذين قد يؤثران على تجاوب المتلقي ويشوشان على رؤيته للقضايا المعروضة أمامه، وقد اتبعت في أسلوبها طريقة توفيقية في تحريك الصورة ومنحها جمالية ولغة فنية، تتمشى ومتطلبات المشاهد العربي والغربي على حد سواء. تتضمن فيلموغرافية بنبركة العديد من الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة والوثائقية، ويعتبر بذلك من أغرز المخرجين المغاربة إنتاجا، و من هذه الأفلام (الماء 1970- مليكة، بنت الصباغ 1973- أهل الموسم 1975- المسيرة الخضراء 1975- إشبيلية 1992- مسجد الحسن الثاني 1993- ألف يد ويد 1972- حرب البترول لن تحدث 1974- عرس الدم 1977- أموك 1982- طبول النار أو فرسان المجد 1991- ظل فرعون 1996- عشاق موكادور 2002) يبقى أن نشير إلى أن سهيل بنبركة ولد سنة 1942 بمالي من عائلة تنحدر من جنوب المغرب(كلميم)، درس علم الاجتماع والصحافة بايطاليا، كما حصل على شهادة التخرج من المركز التجريبي للسينما بروما، في ستينيات القرن الماضي أخرج بنبركة للتلفزة الايطالية la RAI العديد من الأفلام الوثائقية ذات الصبغة السسيولوجية، وبرجوعه إلى المغرب سنة 1972 عمل بنبركة بصفته مخرجا ومنتجا وموزع للأفلام، ولقد عين من سنة 1986 إلى سنة 2003 مديرا للمركز السينمائي المغربي. بقلم:زويريق فؤاد ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر عند الاستفادة