سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
محمد شويكة ل«طنجة الأدبية»:
- الإبداع مسألة مزاجية يصعب مقاربتها وفق منطق حسابي
- بعض المخرجين المغاربة لايمتلك الحدود الدنيا لمقومات الكتابة السردية، ورغم ذلك ينكر وجود أدب مغربي!
محمد شويكة قاص وناقد أدبي وسينمائي من مواليد مدينة قلعة سراغنة سنة1971، يشتغل الآن كمدرس لمادة الفلسفة، صدرت له المجاميع القصصية: «الحب الحافي» سنة 2001، «النصل والغمد» سنة 2003، «احتمالات» سنة 2006، «خرافات تكاد تكون معاصرة» سنة 2007، «القردانية» سنة 2008 و«ارتباطات» سنة 2009، وفي مجال النقد والتنظير الأدبي: «المفارقة القصصية» سنة 2008، أما في النقد السينمائي فصدر له كتابان هما «الصورة السينمائية: التقنية والقراءة» سنة 2005 و«السينما المغربية: أطروحات وتجارب» سنة 2008، إضافة إلى كتب مشتركة من بينها في القصة «منارات» (2001)، «أنطولوجية القصة المغربية» (2005)، «الحاءات الثلاث: مختارات من القصة المغربية الجديدة (أنطولوجية الحب)» (2007)، وفي النقد السينمائي «سينما داود أولاد السيد: المرتكزات والخصوصية» (2007)، «صورة المهمش في السينما: الوظائف والخصوصيات»(2008)، «سينما مومن السميحي: قلق التجريب وفعاليات التأسيس النظري» (2010) وكتب أخرى. تعدد اهتمامات محمد شويكة الإبداعية، لاتقف عند هذا الحد بل تتجاوزه إلى كتابة السيناريو والاشتغال الفعلي في السينما، إذ أنجز سيناريوهات عدة، من بينها «بيدوزا» و«الاحتضار» و«قفل على القلب»، واشتغل كمساعد مخرج ومدير إنتاج في عدة أفلام من بينها «زارع الريح»، «مبروك»، «ضد التيار»، «شادية» و«الطيور على أشكالها تقع». كل هذا جعل حوارنا مع شويكة غنيا ومتعدد المحاور. أعترف في بداية حديثي معك أنني وجدتني حائرا من أين أبدأ أسئلتي، بحكم تعدد اهتماماتك: كونك قاصا وناقدا سينمائيا وكاتب سيناريو ومتصديا للتنظير للقصة أيضا، انطلاقا من هذا، حدثنا في البدء عن هذا التعدد فيك؟ - التعدد إثراء للتجربة الإبداعية وإغناء لقيمة الحيرة والدهشة، فأي مشروع يذهب نحو الرؤية الواحدية لن يتطور.. أعتقد أن المبدع يجدد أسئلة إبداعه عندما ينفتح على تخصصات أخرى لأن ذلك يتيح انتعاش المتاخمة والاكتشاف، فعندما نطلع على كبريات المنجزات الأدبية والفنية والفكرية.. نجد أن أصحابها متعددي الاهتمامات، تنتعش رؤاهم الإبداعية بفعل تجريب أسئلتهم وتلقيح بذورها داخل مشاتل أخرى، ولنا في تاريخ الأفكار بعض الشواهد الدالة على ذلك، فالفيلسوف برغسون تصدى لمعضلة الزمن داخل السينما، وكذلك فعل جيل دولوز من أجل الاشتغال على الزمن والحركة معا، وعالج كليمون روسي «Clément ROSSET» إشكالات التفرد والازدواجية في تخوم الموسيقى والسينما، وكان المسرح والرواية والنقد الأدبي في عمق اهتمام الوجود السارتري... لذلك، أعتقد أن كل مُتَفَرِّدٍ مُتَعَدِّدٌ رغم صعوبات الإحاطة بكل ما يقع في صلب التخصصات اليوم، فالكاتب الذي لا يقرأ بلغة أو لغات أجنبية، ولا ينفتح على فنون العالم (لأنها تعوض اللغة المنطوقة)، لا يمكنه أن يفهم ما يقع في مجال اهتمامه. إن التعدد، بهذا المعنى، نتيجة منطقية لانفتاح المبدع على متون إبداعية وتجارب فكرية تتجاوز حدود معارفه المعتادة. في إطار تنظيرك للقصة اقترحت عدة مصطلحات من مثل «التكنوقاص» و«المفارقة القصصية».. ما مدى اقتراب الإبداع القصصي عندك من تطبيق كل ما تنظر له قصصيا، وهل لا يعيقك ذلك إبداعيا بحكم أن الإبداع صنو للحرية والانطلاق، خصوصا إذا ابتغى له التجريب شكلا وموضوعا؟ - لا أعتبر نفسي مُنَظِّرًا، بل متأملا لما أكتب.. التأملُ منشطٌ حيوي لعملية النقد الذاتي، فالكتابة لدي عملية كلية وليست تجزيئية. أبحث عن لحظات التركيز الذهني عَلَّنِي أظفر ببعض الشذرات. إن ذلك التأمل الذي أفضى إلى اكتشاف ونحت بعض المصطلحات ليس الغرض منه المطابقة لأنني أفهم التنظير كلعبة مفتوحة تتغيا شحذ القدرات العقلية، والرقي بالمنجز المتحقق نحو آفاق الأزمة والعاصفة. التنظير خير في ذاته ولا يروم تحقيق فكرة بعينها سرعان ما يتجاوزها الزمن وتتلاشى. لم يكن التأمل في يوم من الأيام عائقا أمام تحقيق الحرية باعتبارها مكابدة إنسانية وتجربة وجودية، بل هو تهشيم لصلابة حجرها من أجل نحت تمثالها.. الحرية تقبع في الأقاصي والحدود والتخوم... إن المبدع الذي لا يتأمل إبداعه كالآلة التي يصيبها الصدأ، سرعان ما يذب إلى كل أجزائها ومفاصلها. أعتبر أن المزاوجة بين الإبداع والتأمل القصصيين أساس فلسفتي التجريبية؛ إذ كلاهما يجادل الآخر بشكل قد يصل إلى درجة قصوى من القسوة: قسوة الضوء على الفراش! ربطت في كتابك «المفارقة القصصية» بين القصة وعدة ميادين أخرى كالأنترنيت والسينما والتكنولوجيا.. هل لك أن تحدثنا عن هذا الجانب؟ - الكاتب ابن عصره.. من الصعب أن ينفصل عن قضايا الزمن الذي يحياه.. فإذا بدأ ارتباطي بعشق السينما منذ الطفولة (كالكتابة تماما)، فإن اهتمامي بتكنولوجيا التواصل قد جاء وفقا للتطورات التي عايشتها سواء في المجال السمعي البصري أم في مجال الكتابة، وهي سياقات إبستيمولوجية طبيعية.. لذلك تجدني وظفت بعضا من تكويني وبعضا من الورشات والتداريب التي استفدت منها في مجال الإبداع القصصي. أعتقد أن جوهر الإبداع يكمن في قدرة المبدع على الانزياح نحو التجديد، والانفتاح على العوالم الطارئة باعتبارها منجزا إنسانيا حيا، فالحوامل الجديدة من شأنها أن تنقل الإبداع القصصي إلى فئات لا يقع الأدب في مجال اهتمامها؛ أما توظيف السينما في مجال القصة فلا يقتصر على اعتماد بعض تقنيات الكتابة السيناريستية أو الإحالة إلى بعض الأفلام أو إعادة كتابة (استنساخ) بعض المشاهد منها (كما ذهب البعض إلى ذلك!).. وإنما الأمر يتعلق بالقدرة على تجريب الكتابة بالعين. أحاول أن تكون بعض قصصي سلسلة بصرية، مرئية، وهذا رهان تجريبي أعتقد أنه السبب المباشر في تواصل بحثي الإبداعي المتعدد. في إطار ما أسميته «قسوة القص» تحدثت عن ضرورة هدم البناء القديم وتهشيم رؤوس الأبطال النمطيين.. ألا ترى أن هذا هو التجريب في أوسع معانيه وأقدمها، وأن عناوينك ومصطلحاتك التي قد تبدو صادمة وغريبة أول الأمر لا نجدها كذلك تماما حينما نذهب معك بعيدا في التنظير والتحليل؟ - أعتبر أن الفلسفة فن التبسيط، غايتها الوصول إلى عمق الأشياء، مبتعدة عن شطط الغموض ونسيان المعنى.. أستند عليها محاولا الاشتغال على عدد من المفاهيم التي أجرد من خلالها بعض الأفكار في قالب منسجم يناسبني. فالتجريب ليس وصفة جاهزة نكتب وفقها، بل هو رؤية، روح، بناء.. لا يمكن الحديث عنه كعقيدة أو إيمان لأن ذلك سيدخله إلى حَيِّز «الإخوانيات» (Les confréries) وهذا ما سَيُعَجِّلُ بِطَرْدِ العقل، ويحيل الحديث عن التجريب إلى حديث «جماعة المؤمنين» عن النجاة وعن «المجرب الناجي».. أظن أن كل خطاب من هذا القبيل يُقَوِّضُ التجريب ويجعل «قلب المجرب» خاشعا في «محراب القصة»، يبحث عن الأمان و«الجنة»، يمنع عن نفسه كل ملذات «الدنيا القصصية»... تعني القسوة القصصية الانغماس في الدنيا، والمغامرة التأملية، ومواجهة الأقانيم والأصنام القصصية، ومساءلة الذات... وهي أمور تحتاج إلى مجهود كبير من البناء والتحليل الذي يؤدي إلى التبسيط الفكري: ما قد يبدو «غريبا» منذ الوهلة الأولى يُبَسَّطُ في النهاية [مهمة المُتَأمِّل تفكيك المعقد]، وتلك مسألة صعبة لأن البعض يظن أن الأدب مجال منغلق على ذاته! عندما نقرأ قصة «ثلوج كليمنجارو» الشهيرة لإرنست همنغواي، أو نشاهد فيلم «Gerry» لمخرجه «Gus Van Sant».. قد يصيبنا الملل في بعض اللحظات، ولكن أسئلة رهيبة تتوالد بعد انتهاء لحظات القراءة/المشاهدة، أسئلة الحيرة والغرابة والبساطة والتعقيد.. قد نتساءل: ماذا يريد المؤلف أن يقول؟ تلك متعة الإبداع. أنت من بين مؤسسي الكوليزيوم القصصي ونادي القصة القصيرة بالمغرب واللذان تم إنشاؤهما في فترة عرفت إنشاء العديد من نوادي القصة وجمعياتها بالمغرب، ألا تظن أن مثل هذه التجمعات قد استنفدت الآن أهدافها، بعد طفرة أفرزت ما يمكن إفرازه.. من مسارات فردية فرضت نفسها بطريقة أو بأخرى؟ - لم يكن الإبداع في يوم من الأيام جماعيا، وحدها العقيدة ترمي تحقيق ذلك.. الإبداع مسألة فردية ومسؤولية ذاتية، يتحمل المبدع أثناءها عبء اختياراته الفنية والفكرية. أعتبر أن الإطارات القصصية الحقيقية – لا أقصد الزوايا والمشيخات القصصية – لها هدف تنظيمي واستراتيجي عام غايته خدمة فن القصة.. لكن الأهداف اختلطت وسادت العشوائية من حيث الاختيارات الفنية والإبداعية.. إن الإطارات لا تستنفد أهدافها، بل مسيروها هم الذين تتورم أفكارهم، وتتضخم أناهم، فيصيبهم داء العمى بشكل مفاجئ كما في رواية «العمى» للكاتب البرتغالي ساراماغو.. والتي حولها المخرج البرازيلي Fernando Meirelles إلى فيلم سينمائي حمل نفس العنوان «Blindness»! أظن أن الانتماء إلى الإطارات الثقافية لا يؤثر في كاتبٍ له رؤية واضحة لقضايا الكتابة والإبداع، ولا يعيق قدراته الإبداعية؛ بل يجعل تلك الذات المبدعة، في حال توفر الحرية، أن تضع نفسها في مواجهة كتابات وآراء أخرى قد تنعش ثقافة الاختلاف وتقلل من حدة الفصام والهستيريا التي أصبحنا نراها هنا وهناك.. أظن أن الكتابة المنسجمة مع ذاتها هي طريق التحرر من كل الأوهام! كيف ترى المشهد القصصي المغربي، وهل تتفق مع من يقول بأنه الرائد حاليا عربيا؟ - منذ التسعينات والمشهد القصصي المغربي يعرف مخاضات عسيرة ومتوالية، إلا أن المهم في ذلك إفراز ثلة من القصاصين الذين يكتبون القصة بشكل جعل ملامح مشروعهم الإبداعي تتوضح إصدارا بعد آخر؛ كما أنهم استطاعوا أن يجعلوا من القصة صانعة للحدث الثقافي، وقوة انتقادية مهمة لا تتوانى في نقد الأوضاع الثقافية والاجتماعية والسياسية.. والأهم من ذلك قدرة هؤلاء القصاصين على خلخلة أسئلة القصة وإعادة تناول بعض القضايا بشكل أكثر جرأة... طبعا، لابد من الإشارة إلى أن المشهد مملوء، أيضا، بالظواهر السلبية كالتهافت واللغو والادعاء والتسرع والحرص على الاقتراب من مناطق «الضوء/الاحتراق» والبهرجة بأي ثمن ودون مراعاة أي وازع يحترم أخلاقيات الكتابة (La déontologie de l'écriture)! أما بخصوص ريادة القصة المغربية على المستوى العربي فأظن أن مقولة «الريادة» تسربت لنا من الشرق وهي غير خالية من نبرات التمركز الذاتي (Egocentrisme).. شخصيا، أُفَضِّلُ الحديث عن الخصوصية الإبداعية للقصة المغربية مقارنة ببعض الدول العربية القليلة التي لها منجز قصي مهم. إن الإبداع مسألة مزاجية يصعب مقاربتها وفق منطق ترتيبي حسابي.. بل، وفق «منطق» تذوقي وجمالي. كناقد سينمائي وكاتب سيناريو هل تتفق مع الرأي الذي يربط أزمة السينما المغربية حاليا بضعف السيناريو؟ - أكيد أن السينما المغربية تعاني، سنة بعد أخرى، من أزمة سيناريو.. لا أعتقد أن المسألة تقف عند هذا الحد فقط، وإنما تتجاوزه إلى ما هو أعمق، فالأدباء غير منخرطين في هذا النوع من الكتابة السردية، ولا يفكرون في اقتراح صيغ بصرية لبعض أعمالهم الروائية والقصصية، فلو شكل هؤلاء قوة اقتراحية لاستطاعوا أن يكسروا احتكار المخرجين لمجال الكتابة السيناريستية مع العلم أن بعض السينمائيين لا يمتلك الحدود الدنيا من مقومات الكتابة السردية وينكر وجود أدب مغربي (!) خصوصا وأن السيناريو يدخل في باب السرد، بل يشكل أحد ركائز تجديد طرائقه كما يظهر من خلال ثورة الكتابة السيناريستية في فيلم «Avatar» أو غيره من الأفلام التي انطلقت على أساس تحويل بعض الأعمال الروائية إلى السينما أو نسجت حكاياتها الأصلية الخاصة. إن المؤسسات الوصية على القطاعين معا (الأدب والسينما) هي التي يمكنها أن تدلل الصعاب التي تعوق حدوث التواصل بين الأدباء والسينمائيين، كما يمكن التفكير في تعزيز «تمثيلية» الأدباء داخل لجنة الدعم قصد ضخ دماء جديدة في شرايينها. بحكم كونك قاصا قريبا من الميدان السينمائي ألا ترى بأن السينما المغربية ما زالت تتعامل مع الأدب المغربي بحذر غير مبرر، وأن انتفاء هذه الجفوة غير المبررة بين المخرجين والكتاب المغاربة سيكون في صالح السينما المغربية؟ - الأدب والسينما منفتحان على المغامرة.. إلا أن السينمائيين المغاربة ليسوا مغامرين كبار، ولا ينفتحون على النصوص المُغَامِرة.. لماذا تخرج السِّينِمَات المهيمنة من أزمة اجترار المواضيع التي تترصدها في كل حين؟ وكيف تجدد جلدها؟ إذا انتبهنا إلى واقع السينمات التي نستهلك (الفرنسية والأمريكية خصوصا)، نجد أن مبدعيها لا يترددون في الانفتاح على الأدب إما كقراء أو كمستلهمين للخيال الروائي والقصصي.. في كل سنة تطالعنا أفلام روائية تقترح وجهات نظر فيلمية معينة تُقَرِّبُ الأدب إلى فئات كبيرة من الناس... جَلِيٌّ جدا أن كبار المخرجين الذين اشتغلوا على الأدب (قصة ورواية) هم قراء كبار، ومثقفون لهم رؤية ثاقبة للحياة.. استعملوا السينما كوسيلة لإبراز الكينونة الإنسانية في شتى ملامحها. أظن أن فئة ضئيلة من المخرجين المغاربة قد تعثر على خيط ناظم يجمع أعمالهم السينمائية، فهم لا يشتغلون بطريقة نسقية، كُلُّ فيلم يكاد يكون منعزلا عن الآخر رغم تعدد أفلام بعض المخرجين (منهم من أوشك على تحقيق فيلمه السينمائي العاشر!).. إن المخرج ليس مجرد تقني، بل صاحب اختيارات إيديولوجية وجمالية.. عكس ذلك، يتميز الأدب المغربي بعمقه وجدته في حين أن السينما تغلب عليها السطحية والتقنوية.. إذن، عندما تنتفي هذه العوائق يمكن أن تتقلص تلك الهوة. في جواب للمخرج جيلالي فرحاتي عن سؤال طَرَحْتُه عليه بخصوص العلاقة بين السينما المغربية والأدب المغربي أجابني أن أغلب الروايات والقصص المغربية لا يمكن اقتباسها للسينما، هل تتفق مع هذا الرأي أم لا، ولماذا؟ - أعتقد أن الأدب المغربي مليء بالروايات والقصص التي يصلح تحويلها إلى سيناريو، هذا إذا اعتبرنا أن الرواية تتعدد زوايا النظر إليها حيث يمكن أن ننجز عدة سيناريوهات انطلاقا من رواية واحدة لأن نقط الجذب تختلف من «مقتبس» إلى آخر، وهذا ما يمنح عملية التحويل سحرها وجاذبيتها.. فإذا أردنا أن نُحَوِّلَ الرواية ب«إخلاص» – وهذا أمر مستحيل – إلى سيناريو يمكن الاصطدام بعدة عوائق أهمها أن بعض الروايات المغربية موغلة في التجريب، تهتم بتعدد الأصوات، تعطي الأولوية للاشتغال اللغوي، تقدم اجتهادات لامعة على مستوى الشكل.. أما إذا أردنا أن نستند على إبداعية السرد وخصوصية التيمات وتعدد العوالم وغنى الشخوص.. فالرواية المغربية، في شقيها المكتوب بالعربية والفرنسية، يمكن أن تُخْرِجَ السينما المغربية من أزمة الخيال التي بدأت تدخل إلى قمقمها. إن الأدب المغربي قمين بإنقاذ السينما المغربية من عقم الإبداع شريطة أن يتخلى بعض المخرجين عن الجمع بين كتابة السيناريو والإخراج وأشياء أخرى مُدَّعِينَ أن الأدب المغربي لا يصلح للسينما وكأنه منفصل عن الأدب الإنساني! إذا نظرنا إلى كم الروايات المغربية الصادرة سنويا باللغتين العربية والفرنسية فإنه يصعب القول بأن جلها لا تصلح للسينما، فعملية التحويل السينمائي لا تعتمد اقتفاء آثار الرواية كما يعتقد بعض المخرجين والأدباء والنقاد والجمهور.. بل، الفيلم مقترح سردي لأحداث الرواية أو إعادة ترتيب لمفاصلها الكبرى، إنه سرد على سرد.